ملفات وتقارير

"سفراء المكارم".. برنامج تدريبي من أجل "عالم إنساني متراحم"

علماء ومفكرون عرب ومسلمون يطالبون بتغليب قيم التراحم والعيش المشترك بين بني البشر (فيسبوك)
علماء ومفكرون عرب ومسلمون يطالبون بتغليب قيم التراحم والعيش المشترك بين بني البشر (فيسبوك)
انطلقت فعاليات برنامج "سفراء المكارم" دورة ريان 2022، الذي ينظمه؛ المركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري ببريطانيا، بشراكة مع الجمعية المغربية مكارم للأخلاق والقيم، وتمتد أشغال البرنامج من 11 مارس الجاري وتستمر إلى غاية 3 نيسان (أبريل) المقبل، عبر تقنية التناظر عن بعد، حيث اختير له شعار "من أجل عالم إنساني متراحم" وبمساهمة واستضافة أكاديميين وباحثين ودعاة وإعلاميين وفنانين، ضمن مشروع تكويني تدريبي يسعى إلى تخريج عدد من المهتمين بالمجال الأخلاقي في شقيه النظري والتطبيقي.

سياق تنظيم برنامج سفراء المكارم:

يأتي تنظيم هذا البرنامج في ظل الحاجة الماسة إلى تظافر جهود الجميع وتعاونهم ليكونوا رسلَ إنسانية وأخلاق، وليجمعوا في رسالتهم بين الأسس النظرية الموجهة، والمهارات العملية البانية.

ولأن الأخلاق ليست تحسينيات فقط أو مكملات، وإنما هي أساسيات في المروءة الإنسانية عامة وفي منطق الإيمان، فهي أسس بانية لمروءة الإنسان، ولإيمان المؤمن الذي لا يكتمل إلا بالتحلي بالأخلاق الفاضلة والتخلي عن الأخلاق السيئة. 

ومن ناحية أخرى فإن الناظر إلى العالم اليوم يلحظ وبكل وضوح ما يتخبط فيه من أجواء مشحونة بالأنانية، مفتقدة إلى الرحمة، والتضامن وإلى العيش المشترك.. وهذا الأمر هو نتاج سياسات ممنهجة سُطرت لتحقيقها برامج متعددة، تسعى لإحداث حالة من التفسخ الأخلاقي والإفساد المجتمعي، هذه البرامج تستهدف الفرد والأسرة والمجتمع، بوسائل شتى منها المناهج والمقرارات الدراسية، والإعلام السمعي البصري والمكتوب، ومجال الفن بكل أشكاله.. وهذه الوسائل لها تأثير كبير على الأخلاق والقيم إما بإشاعة الأخلاق الفاضلة، أو بإشاعة الأخلاق السيئة. 

أضف لذلك ما تعيشه البشريةُ اليوم من حين لآخر من رجَّاتٍ تُذكرها بما تتخبط فيه من أعطاب، وترشدها إلى مداخل الشفاء والصواب، وتحيي في قلوبها ميثاق الفطرة الأول. 

هذه الدورة اختير لها اسم "ريان" رحمه الله استلهاما لأخلاق وقيم التراحم والتعاون التي جمعت العالم حول هذا الحادث الأليم، وقد أثار تضامنا واسعا شارك فيه عدد هائل من الإعلاميين والفنانين والمواطنين والسياسيين والرياضيين، وغيرهم من المؤثرين، ويمكن اعتبار هذا الحدث وأمثاله من الأحداث، وسيلة تدُلُّ على المفتاح القيمي للخروج من حالة الشرود الذي تعيشه البشرية، وإن تعابير التضامن والتراحم القوية التي طبعت متابعة هذا الحدث، هي رسائلُ أخلاقية عميقة، من الواجب أن تؤسس عليها خطوات عملية قاصدة.

على هذا الأساس خصصت دورة 2022 من برنامج «سفراء المكارم» لقيم وأخلاق السلم والرحمة والتعاون وأطلق عليها اسم "دورة ريان".

برنامج وجلسات دورة ريان: 

برنامج سفراء المكارم "دورة ريان" يتكون من أربع وحدات كبرى تضم كل وحدة من هذه الوحدات الأربع؛  محاضرة فكرية، وورشة عملية مهارية، وورشة تطبيقية (أي عمل المجموعات).

الوحدة الأولى من سفراء المكارم:

افتتح البرنامج يوم الجمعة 11 من مارس الجاري؛ بجلسة افتتاحية أدار أشغالها الأستاذ حمادي لخضر الباحث في فلسفة الأخلاق، ومنسق هذه الدورة، تضمنت الجلسة: كلمة للأستاذ محمد حمداوي رئيس المركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري، الذي أكد على قيمة الأخلاق ومكانتها في الإسلام، وأوضح دواعي تنظيم هذا البرنامج وعرض أهداف هذه الدورة التي تهدف إلى تمثل ونشر قيم السلم والرحمة والتعاون، كما تضمنت الجلسة كلمة عن رئيس الجمعية المغربية مكارم للأخلاق والقيم الدكتور عبد الحكيم حجوجي تلتها بالإنابة الأستاذة وديان بخاري التي استهلت كلمة الجمعية بالإشادة بهذا المشروع القيم؛ مشروع سفراء المكارم الذي يسهر على إعداده وتنفيذ فقراته المركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري بشراكة مع الجمعية المغربية مكارم للأخلاق والقيم والذي يرمي إلى تكوين وإعداد فاعلين في مجال الأخلاق جامعين في رسالتهم بين الأسس النظرية والمهارات العملية البانية بتأطير من قامات علمية وفكرية وفنية بارزة. 

بعدها كان المشاركون والمشاركات في البرنامج والضيوف مع كلمات الجهات الداعمة للبرنامج والتي تمثلت في منظمات ومؤسسات المجتمع المدني بعدد من الدول منها: جمعية أمل للتنمية والعمل الاجتماعي بالسنغال ألقاها الدكتور محمد الأمين ديوب، جمعية التعاون بغامبيا ألها الدكتور محمد الأمين سيلا، مؤسسة الإحسان ـ ألبانيا ألقاها الأستاذ كوراب كايا، جمعية العماد الخيرية ـ تونس ألقتها المهندسة خديجة صالح، جمعية مواطنة وتنمية مستدامة ـ تونس ألقتها المهندسة خديجة صالح.

ثم كلمة باسم مؤطري الدورة ألقاها بالإنابة عنهم الدكتور خالد الجبلي إعلامي ومنتج بقناة الجزيرة والذي أكد على الحاجة الماسة إلى هذا التواصل المؤثر، وأشار إلى أن هذه الدورة تركز على تنمية معاني الأخلاق في هذا العالم المشتاق لهذه القيم، موضحا أن المساهمين في هذه الدورة من المؤطرين والمفكرين والورشات سيحاولون جاهدين أن تتكامل جهودهم من أجل أن تصل الرسالة الأخلاقية التي يرومونها إلى الجميع فيرى الناس نموذجا وسفيرا من سفراء المكارم بينهم.

وبعد انتهاء أشغال الجلسة الافتتاحية كان الحضور مع موعد علمي متميز من خلال المحاضرة الافتتاحية لبرنامج سفراء المكارم، التي أطرها فضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي من قطر؛ الأمين العام للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، ومؤسس هيئة الرحمة الإنسانية بإسكندنافيا، ومؤسس مركز القره داغي للسلم الاجتماعي والتنمية البشرية، وعضو مؤسس في مؤسسة الشيخ عيد الخيرية بدولة قطر وكان موضوع المحاضرة: التحديات الأخلاقية للبشرية أخلاق السلم والرحمة والتعاون نموذجا وفق فقه الميزان، سير المحاضرة الدكتور محمد الشاقلدي من قطر عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بمينيسوتا فرع المغرب وأمريكا.

افتتح الأستاذ الدكتور علي محي الدين القره داغي محاضرته بالشكر والثناء العاطر، والدعاء الخالص لكل من ساهم في ترتيب هذه الدورة، وبدأ مداخلته بمقدمة أكد فيها أن موضوع الدورة هو قضية عالمية، وذكر عددا من التحديات والمخاطر الأخلاقية التي تواجهها الإنسانية في الواقع المعاصر بشكل عام، والرحمة العالمية بشكل خاص، مؤكدا أن الأخلاق في الإسلام ليست آدابا شرعية مجردة، بل ينبغي أن تكون ناظمة عقد، وأساسا للفقه والمعاملات المالية، وسائر الأحكام الشرعية، ومن المهم ربط الفقه الإسلامي في أصوله وتفاصيله بالأخلاق، بغض النظر عن الخلافات المذهبية في الفروع، لأن الأصل في الاختلاف هو التنوع والتكامل وليس التضاد.

وذكَّر الدكتور القره داغي بالنموذج النبوي، والتربية الأخلاقية الشاملة التي تميز بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لبناء الإنسان في بدنه وروحه، انطلاقا من قاله تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}. (الجمعة:02)، وقد جال في محاضرته القيمة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورحمته وأخلاقه مع المسلمين وغير المسلمين في الأزمات والمحن، في السلم والحرب.. 

يوم السبت 12 من آذار (مارس) الجاري كان المشاركون على موعد مع الورشة الأولى من ورشات سفراء المكارم، وهي ورشة الكتابة والتي أطرها الأستاذ داود حسن الصحفي والإعلامي من تركيا، وقامت بتسييرها الدكتورة حياة الكرماط الباحثة في الفكر الإسلامي وقضايا المهجر من المغرب.

افتتح الأستاذ داود حسن مداخلته بكلمة شكر لكل من ساهم في تنظيم هذه الدورة، وأشار إلى  مسألة مهمة من خلال عرضه وهي العالمية في الاتصال والكتابة، وأنه في الوقت الراهن يستطيع الفرد أن يكتب ويوصل رأيه بكل صراحة وسهولة، وبيَّن أغراض الكتابة ولا سيما لدى الكاتب العربي المسلم، وبين أهم القواعد والأسس التي يقوم عليها أي إنتاج مكتوب، فلخصها في كثرة القراءة والمطالعة، مع تجنب التكرار، وألزم كل من أراد أن يكتب أن يعرف هذه الأسئلة الجوهرية وهي من أنا؟ ماذا أريد؟ وما هي القيم التي أؤمن بها؟ وما مشروعي في الحياة؟ كما أشار الأستاذ داود إلى فكرة تحديد الجمهور الذي سيوجه له بالكتابة، مع اختيار العنوان والمتن والخاتمة بدقة، والالتزام بالوضوح أثناء الكتابة، مع الحرص على عدم تقمص شخصية الآخرين أثناءها، وربط موضوع الكتابة بأخلاق الرحمة والسلم والتعاون من أجل تشجيع سفراء المكارم على إنتاج كتابات تحمل قيم وأخلاق السلم والرحمة والتعاون.

وكان المشاركون على موعد يوم الأحد 13 آذار (مارس) مع عمل الورشات حيث قسم المشاركون على ست مجموعات تجتمع كل مجموعة على حدة لتقوم بتطبيقات عملية وإنجاز كتابات وبطائق فردية وجماعية تحمل قيم الرحمة والسلم والتعاون.. ينسق أشغال هذه المجموعات دكاترة وأساتذة من الأردن وقطر والمغرب.

الوحدة الثانية من سفراء المكارم:

"فلسفة المشترك الإنساني" هي محاضرة الوحدة الثانية من وحدات البرنامج، والتي عقدت يوم الجمعة 18 من آذار (مارس) الجاري، والتي أطرها الأستاذ الدكتور أحمد الفراك؛ أستاذ الفلسفة المغربي بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، وسيرها الدكتور ماجد فوزي أبو غزالة؛ المدير التنفيذي للمعهد العالمي للفكر الإسلامي بالأردن. 

افتتح الدكتور الفراك محاضرته بالشكر الجزيل لكل من أسهم في تنظيم هذا البرنامج، وأوضح أن موضوع المحاضرة ينطوي على أفكار وقيم مشتركة بين الإنسانية جمعاء، وأشار إلى أن المجالات التي يشترك فيها الناس مع بعضهم البعض، كثيرة تتجلى في الخلقة الآدمية والفطرة، بوصفهما مشتركا كونيا أصليا في الإنسان، كما أن الناس يشتركون في الوجود والحياة والبيئة وفي المصير أحرارا ابتداء. وأكد على أن المشترك بين الناس أصيل وليس طارئا، وهذه الطبيعة المشتركة يكون الرهان فيها على مخالقة كوكبية تكتشف أصولها وتبنى عليها مواطنة عالمية، بل آفاق عالمية عنوانها قوله تعالى: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه}.

وشدد الدكتور الفراك على ضرورة استلهام عالم اليوم للأسس الجامعة بين الإنسانية ومراعاة المشتركات الكبرى التي تجمع بين كلية الدين، والانتصار للقيم المشتركة، باستثمار الأسس الدينية والأخلاقية والعلمية والعمرانية والبيئية، ويرى الأستاذ الفراك أن المشترك الإنساني يستدعي الأديان ولا يلغيها، لافتا إلى أن الدين أصل كل حضارة، وأن الأديان لها مشترك كلي يعبر عنه بمبدأ الوحدة المتعالية للأديان.

يوم السبت 19 آذار (مارس) الجاري كان المشاركون على موعد مع ورشة الوحدة الثانية وهي ورشة السمعي البصري مع الإعلامي والمنتج بقناة الجزيرة الأستاذ خالد الجبلي من مصر، بتسيير من الدكتورة صباح العمراني عضو المركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري.

بدأ الأستاذ خالد الجبلي حديثه بعد شكر الجهات المنظمة للدورة بعرض محاور ورشته والتي تحدث فيها عن أهمية وتأثير المنتج السمعي البصري؛ من مداخل أساسية للتأثير في المتلقي، وإدراك طبيعة الأجيال وطريقة تفاعلهم مع المنتوج السمعي البصري، وأيضا تطرق لضوابط تأثير المنتوج السمعي البصري: والتي تتجلى في؛ جودة الصورة، وجدة الفكرة، وملاءمة الأسلوب. وأشار إلى خصائص ومقومات ومهارات المنتج السمعي البصري ومنها: سرعة الانتشار، وتجاوز الحدود المكانية، واستمرار التأثير على المستوى الزمني، والتأثير النفسي والوجداني، وليس التأثير الفكري فقط. ووضح الأستاذ خالد الجبلي أن ما تحتاجه الفكرة لجلب المشاهد يكمن في تخطيط دقيق للاستحواذ على المشاهد في الثواني الأولى، وتقييم للحظة الانطباع الأولى عند المتلقي، وبين أنواع وقوالب المنتج السمعي البصري، والمنصات والوسائط، وختم بخصائص محتوى السلم والرحمة والتعاون ومنها: التأثير ومخاطبة المشاعر والعاطفة بعيدا عن الخطابة الجافة، الإنسانية الواقعية بعيدا عن الأفكار المجردة والمثالية، والإقناع العقلي عن طريق التفاعل مع القضايا المحلية، وإبراز القدوات بمشاريع ومبادرات ورؤى من عمق التخصص، والتركيز على فضح أعداء القيم النبيلة بمحتوى جذاب.

يوم الأحد 20 آذار (مارس) الجاري كان سفراء المكارم على موعد مع ورشة تطبيقية عملية للمجموعات كل على حدة لتطبيق ما تلقوه في ورشة السمعي البصري، من أجل إنتاج مواد سمعية بصرية تحمل قيم وأخلاق الرحمة والسلم والتعاون. 

الوحدة الثالثة من البرنامج:

افتتحت هذه الوحدة مع محاضرة "ثقافة اللاعنف" مع الدكتور موسي ماطو وهو فنان ومخرج ومسرحي إسباني، مؤسس تجمع اللاعنف وذلك بتاريخ 25 من أذار (مارس) الجاري، تلا هذه المحاضرة يوم السبت ورشة مع الفنان يحيى حوا في ورشة الفن، أخلاق السلم والرحمة والتعاون.

الوحدة الرابعة والأخيرة: 

تفتتح أشغالها بورشة العمل الخيري وذلك يوم السبت 2 نيسان (أبريل) المقبل مع الدكتور هاني البنا؛ وهو مؤسس الإغاثة الإسلامية ببريطانيا ورئيس منتدى العمل الإنساني العالمي، يليها يوم الأحد عمل الورشات.

ويختتم البرنامج بحفل ختامي بعد شهر رمضان المبارك. 

يُشار إلى أن المركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري، هو مؤسسة بحثية أكاديمية مستقلة تُعنى بالقيم والأخلاق والتعاون الحضاري، تم تأسيسه بالعاصمة البريطانية لندن من قبل مجموعة من الباحثين والخبراء، ويطمح للمساهمة في بناء عالم يحترم القيم الإنسانية، عبر تفعيل سبل الحوار والتعاون الحضاري. 

ويقول المركز في بطاقة تعريف لنفسه، بأنه يسعى إلى نشر القيم الأخلاقية الإيجابية وتعزيزها لدى الأفراد والأسرة والمُجتمع، والارتقاء بمُستوى الوعي بأهمية ترسيخ الأخلاق والقيم الإنسانية النبيلة المشتركة، والتحذير من خطورة الانسلاخ عنها. 

وشريكة المركز في برنامج سفراء المكارم؛ الجمعية المغربية مكارم للأخلاق والقيم؛ وهي مؤسسة تسعى بدورها إلى ترسيخ القيم الأخلاقية وتعزيز ثقافة التَّسامُح والرّفق وبَثّ روح التَّعاون والتَّآزر إلى جانب تفعيل ودعم المبادرات الرَّامية إلى تحصين الإنسان في بيئته من مظاهر الانحلال الخلقي. 

التعليقات (1)
محمد
الأحد، 27-03-2022 01:25 م
ما افهمت شي من النص. طويل وغير مفهوم