كتب

قصة اغتيال الوسيط السويدي في فلسطين فولك برنادوت

القصة الكاملة لاغتيال الوسيط الدولي السويدي في فلسطين الكونت فولك برنادوت
القصة الكاملة لاغتيال الوسيط الدولي السويدي في فلسطين الكونت فولك برنادوت

الكتاب: "جريمة اغتيال الوسيط الدولي في فلسطين: الكونت فولك برنادوت"
المؤلف: يوران بورين
ترجمة: سامح خلف
الناشر: دار سامح للنشر 2022


في 7 أيلول (سبتمبر) 1948، اغتيل السويدي الكونت فولك برنادوت، واغتيل معه عقيد فرنسي كان جالساً بجانبه في السيارة، وذلك حين هوجم موكبه وأطلقت عليه النار داخل سيارته في شارع عام في المنطقة الواقعة تحت السيطرة الصهيونية في القدس. نفذت الهجوم عصابة شيترن الصهيونية المتطرفة، والتي أصبح زعيمها إسحاق شامير فيما بعد رئيساً لوزراء الكيان الصهيوني.

في هذا السياق، نعيد فتح قضية الاغتيال عبر قراءة كتاب "جريمة اغتيال الوسيط الدولي في فلسطين: الكونت فولك برنادوت"، للكاتب السويدي يوران بورين، نقله إلى العربية سامح خلف. وهو، ترجمة للكتاب المعنون (Mordet på Folke Bernadotte)، والذي نشرته دار ليوبارد ستوكهولم، 2012.

الكتاب الصادر عن دار سامح للنشر (ط1، 2022) يحتوى على "تفاصيل دقيقة ووافية حول الظروف والأحداث التي سبقت حادثة الاغتيال وما تبعها من تحقيقات وشهادات تلقى الضوء أيضاً على الكثير من تفاصيل ما جرى في فلسطين آنذاك".

لقد أعدمنا الكونت برنادوت

يحدثنا المؤلف عن وصول السويدي الكونت فولك برنادوت إلى مطار قلنديا في الأراضي الفلسطينية، ولقاءاته مع العرب واليهود. وفي أثناء الزيارة عبر رئيس مراقبي الأمم المتحدة العقيد الفرنسي أندريه بيير سيرو، عن قلقه من أجواء الكراهية التي أشاعتها الصحف الصهيونية ضد برنادوت، وكان لديه اعتقاد أن زيارة برنادوت "متهورة، سوف تنتهى نهاية سيئة" (ص 14).

على أى حال، قتل الكونت برنادوت، وينقل المؤلف تقرير المدعى العام السويدي ماتس هويمان، ويشير إلى بيان مطبوع على الآلة الكاتبة انتشر في القدس،"حيث أعلنت في ذلك البيان منظمة غير معروفة من قبل، تدعى (جبهة الوطن)، مسؤوليتها عن جريمة الاغتيال" (ص 22).
 
وخلال عملية نقل الجثمانين في موكب كبير إلى حيفا، كانت ردة فعل الإسرائيليين مسيئة للجنازة فـ "لم يظهروا أي احترام للموكب. بعضهم كان يلعب بالورق، والبعض الآخر بصق، فيما ضحك آخرون ساخرين ولوّحوا بإشارات ازدراء" (ص 25).

حين اغتيل برنادوت كان قد فرغ للتوّ من وضع اللمسات الأخيرة على التقرير الذي سيقدمه بعد أيام قليلة فقط إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولكن "سرعان ما أصبح واضحاً أن القتلة أعضاء في منظمة شتيرن اليمينية المتطرفة، لكن لم يتم تقديم أي شخص إلى العدالة لمحاكمته على جريمة الاغتيال" (ص 30). 

يشير بورينإلى أنه بعد مرور وقت على أغتيال فولك برنادوت، "نُشر كتابان حول الراحل روى فيهما ما مجموعة 66 كاتباً ذكرياتهم عنه" (ص 32). فكانت "صورة فولك برنادوت هذه بالطبع عبارة عن لوحة جميلة، بل هي قصيدة في مدح شهيد؛ وهي مستمدة من شهادات معاصرة" (ص 35).

يتطرق المؤلف لسيرة برنادوت المهنية في المجال الدولي، فقد حقق برنادوت نجاحات متتالية كممثل للسويد في المحافل والسياقات الرسمية، ولفت برنادوت الأنظار إليه بفضل رؤيته العابرة للحدود.

برنادوت في فلسطين

يشير بورين في كتابه إلى الأحداث في فلسطين، عبر المرور سريعاً على بعض المحطات، بدءً بالأب الروحي للصهيونية هرتزل، ونشأة أولى المستوطنات الصهيونية في فلسطين، مرورًا بتصريح بلفور 1917، وانتهاءً بقرار تقسيم فلسطين 181 لسنة 1947.

وفور شيوع خبر توصية الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، اندلعت موجة من العنف في البلاد، وبسبب الأحداث الفظيعة، "فقد لعبت القوات اليهودية دوراً بارزاً للغاية في دفع الفلسطينيين إلى الفرار. وكثيراً ما نسفت القرى وسِوّيت بالأرض لإفساح المجال أمام إقامة المستوطنات اليهودية. وأفرغت المدن الكبيرة من سكانها العرب وحل المهاجرون اليهود في منازلهم" (ص 119). 

وفي 14 مايو/ أيار، تولى الصهاينة زمام الأمور بأنفسهم، وأُعلن عن قيام دولة إسرائيل. وأدى ذلك على الفور إلى نشوب حرب بين الدولة اليهودية والعرب. 

إلى فلسطين

ساد الخلاف في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والشيء الوحيد الذي أمكن الاتفاق عليه هو تعيين وسيط؛ فأنيطت بمجلس الأمن مهمة إيجاد الشخص المناسب. ويروي فولك برنادوت في كتابه" إلى القدس"، كيفية تعيينه وسيطاً. قَبِل برنادوت التكليف بشرط موافقة "الخمسة الكبار"، أي الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، على ترشيحه، و"طلب أن يوضع بعض الخبراء تحت تصرفه، وأبدى استعداده للعمل لمدة ستة أشهر". (ص 137).


في 21 مايو/ أيار، تلقى برنادوت رداً إذ عٌين بإجماع الأصوات وسيطاً بالرتبة والتسهيلات نفسها الممنوحة لرئيس محكمة العدل الدولية.
 
عقد برنادوت مؤتمراً صحفياً وشرح موقفه بالقول: "لقد توليت المهمة لأنني أنظر إلى مشكلة فلسطين، ليس كقضية داخلية بين اليهود والعرب، بل كشرارة يمكن أن تشعل حريقاً كبيراً، وإذا كانت لدي فرصة بنسبة واحد بالمائة للنجاح، فأنا أعتقد أن المحاولة يجب أن تُبذل" (ص 138). 

في 29 مايو/ أيار، أصدر مجلس الأمن قرارًا ـ بصيغة الطلب وليس الأمر ـ بوقف العمليات العسكرية والدخول في هدنة لمدة أربعة أسابيع، وكانت مهمة الوسيط هي حثّ الأطراف على الالتزام بذلك. 

أصبحت مهمة برنادوت هي اقناع الأطراف بالموافقة على الهدنة . نجحت مهمة برنادوت يوم 9 يونيو/ حزيران فقد وافقوا جميع الأطراف على الهدنة. وبذلك "فقد نجح في الخطوة الأولى من مهمته المستحيلة" (ص 150). وبقي الأمر الأشد صعوبة ـ إنجاز "ترتيب سلمي لمستقبل فلسطين" (ص 151). 

خطط السلام 

خلص برنادوت إلى "أن بيان التقسيم لم يكن موفقاً (...) والبيان لم يكن قراراً بالتقسيم، بل توصية؛ وبالتالي لا يصلح كأساس لاقتراح خطة سلام .لذلك يجب أن يُعدّل" (ص 156).

يشير المؤلف إلى جولة المفاوضات التي قادها برنادوت، والتي أدت بحسب المؤلف إلي تقديم برنادوت وفريق عمله اقتراح إلى الطرفين، "سُمّي هذه المرة خطة السلام الأولى. في المقدمة، ثم التأكيد على أن هذا مجرد اقتراح يشكل أساساً لمزيد من المفاوضات وليس مواقف نهائية على الإطلاق.وبحسب الخطة، ستندمج دولتان، واحدة يهودية وأخرى عربية في اتحاد سيكون الغرض منه اقتصادياً في المقام الأول رأى الوسيط أن خريطة حدود الولتين بحاجة إلى إعادة رسم.وهكذا، اقترح أن تذهب صحراء النقب إلى الدولة العربية، بينما يجب أن يكون الجليل الغربي جزءًا من الدولة اليهودية. ثم أتى الاقتراح الأكثر إثارة للجدل، إن لم يكن القاتل: ستكون مدينة القدس جزءاً من الآراضي العربية مع حكم ذاتي للسكان اليهود" (ص 159). تلقى برنادوت انتقادات لاذعة، حيث رفض كلا الجانبين الاقتراح رفضاً قاطعاً.

حاول برنادوت تمديد الهدنة عند انتهاء مدتها في 9 يوليو/ تموز. العرب رفضوا، ولكن مجلس الأمن "اتخذ بأغلبية كبيرة قراراً أمر بوقف إطلاق النار من دون حد زمني" (ص 164).

يشير المؤلف إلى"الدور الذي لعبه الأمين العام للأمم المتحدة. فالأمر الذي لم يكن برنادوت يتخيله هو أن يعمل رئيسه المباشر تريغفه لي ضدّه سراً بالتعاون مع إسرائيل" (ص 168). 

التحريض على القتل!

عندما وصل الوسيط الدولي إلى القدس، "كانت هناك سيارتان من نوع جيب عليهما لافتتان كبيرتان كتب عليهما: (ستوكهولم لكم، القدس لنا)، و(جهودكم سِدًى. نحن هنا. مقاتلون إسرائيليون من أجل الحرية)" (ص 172).

في 16 سبتمبر/ أيلول، وقع فولك برنادوت على التقرير الذي قُدم إلى مجلس الأمن، والذي أصبح يعرف باسم خطة السلام الثانية. فبحسب الخطة الجديدة "ستوضع المدينة (القدس) تحت سيطرة الأمم المتحدة، سيصار إلى ضم صحراء النقب إلى الجانب العربي، بينما ستِعطى إسرائيل بدلاً عن ذلك الجليل الغربي" (ص 175). افترضت خطة السلام أنه سيتم السماح للاجئيين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم.
 
اغتيال برنادوت

نأت الحكومة الإسرائيلية بنفسها عن عملية الاغتيال، ولكن كتب رالف بانش، الذي عمل مع فولك برنادوت، "إن جريمة الاغتيال التي ررتكبت بدم بارد ضد الكونت برنادوت (....) على أيدي قتلة صهاينة عمل فظيع ضد المجتمع الدول" (ص 181). في 14 أكتوبر/ تشرين الأول، بِحثت جريمة الاغتيال في مجلس الأمن، وطرح السؤال عن سبب عدم تأمين الإسرائيليين المرافقة الأمنية لموكب برنادوت في اليوم الذي ارتكبت فيه جريمة الاغتيال. أشار بانش إلى أن "منظمة شتيرن وجهت تهديدات لبعثة الأمم المتحدة منذ البداية" (ص 186). 

 

إن جريمة الاغتيال التي ررتكبت بدم بارد ضد الكونت برنادوت(....) على أيدي قتلة صهاينة عمل فظيع ضد المجتمع الدول"

 



فقد كان موقع الهجوم على موكب برنادوت يبعد مائتي متر فقط من مقر منظمة شتيرون. اعتقد القنصل البلجيكي العام جان نيوينهويس، وهو رئيس للجنة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة، "أن برنادوت أِزيح من الطريق لأنه عقبة أمام تحقيق واحدة من أثمن خطط اليهود: تحويل القدس إلى مدينة يهودية بالكامل وجعلها عاصمة لإسرائيل (...) كان مقتنعاً بأن القادة كانوا على علم بأن محاولة اغتيال قد خُطط لها" (ص 192). خلص القنصل السويدي فيدار ياغي، إلى أن"حملات الكراهية ضد الوسيط هي التي مهدت بشكل مباشر للجريمة(...) وأن بعض السلطات الحكومية الإسرائيلية نفسها ربما كانت متورطة في الأمر" (ص 197).

وجاء في التقرير المسلم إلى الحكومة السويدية في 2 مايو/ أيار، ومرفق برسالة من وزير الخارجية الاسرائيلي موشيه ساريت، ما يلى:"أن منظمة جبهة الوطن ـ التي أعلنت مسؤوليتها عن الجريمة ـ كانت مكونة على الأرجح من أفراد من محيط منظمة شتيرون" (ص 204).

القتلة

في عام 1970، نشر العضو السابق في منظمة ليحي باروخ نادل كتاباً عن جريمة الاغتيال، "وقد أشار في كتابه إلى المسؤولين الثلاثة في ليحي الذين اعطوا الأوامر بارتكاب الجريمة؛ وهم إسحاق يزيرنيتسكي وناثان فريدمان يلين وإسرائيل إلداد" (ص 255).

وفي عام 1979، تمكن سوني بيرسون من تأكيد ذلك في أطروحته حول جريمة الاغتيال. ومن الجدير ذكره أن الشخص الأهم في ثلاثي ليحي كان إسحاق يزيرنيتسكي (شامير لاحقاً). وفي عام 1988، أصبح معروفاً على نطاق أوسع من الذي قتل فولك برنادوت، ففي يوم الأحد 11 سبتمبر/ أيلول من ذلك العام، نشرت صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية تقريراً مثيراً، ونشر في اليوم نفسه تقرير ملخص عنه في صحيفة" داغنز نيهيتر". وقد جاء التقرير نتيجة البحث والتنقيب الدؤوب الذي قام به الصحفي الإسرائيلي روني شاكيد. وكان مرّ 40 عاماً على الجريمة، فسقطت عقوبتها بمرور الزمن، وظهر بعد الجناة ليتحدثوا علناً حول ما حدث. ص (262- 263). الشيء الأكثر إثارة للانتباه في التقرير هو الشخص الذي ذُكر علناً، كواحد من الذين اصدروا الأوامر بارتكاب الجريمة هو إسحاق شامير؛ الذي كان رئيساً للوزراء حين نشر التقرير.

ينهي المؤلف كتابه بالقول: "حان الوقت لتصحيح التاريخ حول دور الحكومة الإسرائيلية في قضية برنادوت" (ص 310). 

*كاتب وباحث فلسطيني


التعليقات (0)