هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في كتابها "الذي حدث"، تتناول هيلاري كلينتون المرشحة السابقة للرئاسة الأمريكية في مواجهة الرئيس الحالي دونالد ترامب، تجربة الحملات الانتخابية وما صاحبها من غث وسمين، وتوقفت طويلا عند الأساليب القذرة التي اتبعها ترامب لإضعاف فرصها في الفوز، ومنذ الصفحات الأولى من الكتاب يدرك القارئ أن هيلاري حزينة لأنها خسرت الانتخابات، ولكن حزنها الأشد هو أن مقاليد الأمور في بلادها آلت إلى رجل كذوب جاهل لا يمكن أن يفتح فمه إلا وقد زلزل أركان الوحدة الوطنية وهلهل النسيج الاجتماعي..
عنصرية ترامب
وإذا كانت شهادة هيلاري في ترامب مجروحة، فلا أحد ـ حتى ترامب ـ يستطيع أن يشكك في شهادة مايكل كوهين حول الرجل، فقد كان كوهين المستشار القانوني الشخصي لترامب لسنوات طوال، بل كان يعرف بالـ"قبضاي" الشرس الذي يتولى حراسة ترامب، بحكم أنه كان يرافقه كظله ويتولى الهجوم على كل من يحاول النيل منه.
كوهين المحكوم عليه بالسجن لثلاث سنوات بعد إدانته بتضليل العدالة (في سياق مسعاه لتبرئة ترامب من مخالفة القوانين) أصدر مؤخرا مذكراته التي نشرت صحيفة واشنطن بوست مقتطفات مطولة منها، وفيها شواهد بلا حصر بأن ترامب عنصري استعلائي متغطرس، وأنه لا يكف عن مهاجمة سلفه باراك أوباما، ليس من منطلقات فكرية أو مبدئية بل لكونه فقط "أسود"، بل كان يردد في جلساته مع خلصائه أن رئيس جنوب أفريقيا الأسبق نيلسون مانديلا الذي قاد نضال شعبه وحقق النصر على النظام العنصري في بلاده، لا يستحق مسمى زعيم/ قائد، لأنه، أي ترامب، يرى أن السود لا يمكن أن يحكموا إلا بؤر العفن، وأنهم يحيلون أي مكان يحلون فيه إلى دورة مياه.
الأمل في أن تعلو أصوات العقلاء على أصوات الرعاع في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المرتقبة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فيخرج ترامب من المشهد بفعل تلك السيوف المسلولة، وتتنفس البشرية الصعداء.
والشتائم التي وجهها ترامب إلى المكسيكيين والأفارقة والمعاقين والسود بلا حصر، ولكن حتى من يحسبون أنهم قريبون منه بسبب لون البشرة أو الاستعلاء العرقي لا يسلمون من لسعاته، فقبل أشهر قليلة كان هناك مشهد متلفز لقساوسة يحيطون بترامب و"يحصنونه" من العين والأرواح الشريرة، وما أن انصرف القساوسة حتى قال بصوت مسموع: هل هناك من يصدق مثل هذا الكلام الفارغ؟
وبداهة فإن العفاريت ركبت ترامب لأن منافسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة جو بايدن اختار السمراء كمالا هاريس كـ "نائب" له، وكان ترامب قد شكك في أصول أوباما الأمريكية لأن والده كيني وقضى شطرا من طفولته في إندونيسيا، وإذا به يردد نفس الكلام عن هاريس ويشكك في أهليتها لخوض الانتخابات الرئاسية، لا لشيء سوى أن أمها هندية وأبوها من سود جمايكا، وفات عليه أن وقت الطعون في ترشيحها ـ إن كان هناك ثمة وقت أو مبرر لذلك ـ قد فات لأنها ظلت لسنوات عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية كاليفورنيا، وحتى لو لم تكن هاريس مولودة في أمريكا، فهي مؤهلة قانونا لخوض الانتخابات بحكم أن عمرها فوق 35 سنة، وعاشت في الأراضي الأمريكية لأربع عشرة سنة.
يسعى لكسب أصوات اليهود
كثيرون تساءلوا: ولماذا توقع دولتا البحرين والإمارات اتفاقيات سلام وتطبيع مع إسرائيل في واشنطن ويكون ترامب شاهدا عليها؟ وأولئك المتسائلون الكثيرون يعرفون الإجابة؛ وهي أن عين ترامب ليست على السلام في الشرق الأوسط، بل على أموال وأصوات الناخبين اليهود في بلاده، فقد أدرك الرجل أن نصيبه من أصوات الأقليات اللاتينية والسوداء والمسلمين في بلاده دون الصفر بكثير، ومن ثم راهن على مراكز القوى اليهودية وقدراتها الهائلة على تجيير الإعلام لصالح المرشح المرْضيّ عنه من جانبها.
وتلهف ترامب الشديد لترضية اليهود له ما يبرره، فهناك أقوال موثقة له وهو يسيء إليهم ويعلن أنهم دون سن الظن، وقد حرصت صحيفة هآرتس الإسرائيلية على تذكيره بما قاله في أيار (مايو) الماضي عندما زار مصنع سيارات فورد في ولاية ميشيغان وامتدح مؤسس المصنع هنري فورد بأنه صاحب دم نقي، ومن المعروف أن فورد كان من أشد أعداء اليهود والسامية عموما، وأنه كان يفاخر بنقاء دمه، مقابل دماء اليهود التي كان يعتبرها ملوثة.
سيوف كثيرة استُلّت من أغمادها للقضاء على فرص ترامب في البقاء في البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى، من بينها كتاب كوهين المذكور أعلاه، وقبله كتاب بنت أخيه ماري ترامب، وكتاب مستشار ترامب السابق لشؤون الأمن القومي جون بولتون، ولعل الضربة القاضية على ترامب تكون كتاب بوب وودوارد "الخوف- ترامب في البيت الأبيض"، فهو الرجل الذي أطاح قلمه بالرئيس ريتشارد نيكسون.
ويبقى الأمل في أن تعلو أصوات العقلاء على أصوات الرعاع في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المرتقبة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فيخرج ترامب من المشهد بفعل تلك السيوف المسلولة، وتتنفس البشرية الصعداء.