هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على قارعة طريق موحش في ليل حالك الظلام وسط برودة شديدة؛ وجد مجموعة من الأسرى المحررين أنفسهم، بعد دقائق من فض اعتصامهم وسط مدينة رام الله على يد الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
وكانت حكاية هؤلاء المحررين استكملت قبل أكثر من 38 يوما، حين قرروا العودة إلى اعتصام مفتوح في ميدان الساعة برام الله، مطالبين السلطة الفلسطينية بإعادة صرف رواتبهم بعد سنوات طويلة أمضوها في سجون الاحتلال، حيث قامت السلطة عام 2007 بقطع رواتب أسرى حركة حماس ردا على تولي الأخيرة الحكم في قطاع غزة.
ويتحدث المحرر إيهاب السدة من مدينة قلقيلية لـ"عربي21" عن ليلة مؤلمة عاشها مع رفاقه المعتصمين فجر الثلاثاء، حيث اقتحم خيامهم عناصر ملثمون من الأجهزة الأمنية باللباس المدني برفقة أحد الضباط، وقاموا بهدم الخيام ومصادرة كل ما فيها من أسرّة حديدية وأغطية ومكبرات للصوت وأجهزة حاسوب.
ويقول إن اقتحام الخيام كان هستيريا وصاحبه قيام أفراد الأمن بوضع أربعة من الأسرى، الذين كانوا أعلنوا عن خطوة إضراب عن الطعام قبل عدة أيام داخل إحدى المركبات، ومن ثم تركهم في منطقة وعرة مظلمة قرب ضاحية الريحان شمال مدينة رام الله، مبينا بأنهم لولا وجود أحد المعتصمين معهم من منطقة رام الله لما عرفوا كيف يخرجون من هذا المكان.
اقرأ أيضا: توتر بعد استشهاد الأسير "أبو دياك" بمعتقلات الاحتلال
وخلال فض الاعتصام اعتقلت الأجهزة الأمنية الأسير المحرر سفيان جمجوم من مدينة الخليل، الذي كان اعترض قبل أيام في مسيرة توجهت إلى مقر الرئاسة في رام الله إقدام السلطة على قطع راتبه منذ 12 عاما، ووجه رسالة مؤثرة لعناصر الأمن الفلسطيني الذين وجدوا في المكان، ليتم إطلاق سراحه بعد ساعات.
ويوضح السدة بأن عناصر الأمن أبلغوهم بعدم العودة إلى الاعتصام ولكنهم أصروا على ذلك، حيث أعادوا تجمعهم في المكان ذاته ووجهوا عدة رسائل للسلطة ولأجهزة الأمن، أبرزها أن الاعتصام لن ينتهي إلا بالاستجابة لمطالبهم.
ويضيف: "أنا أمضيت في سجون الاحتلال ثمانية أعوام، وتم قطع راتبي ظلما من قبل السلطة التي من المفترض أن تخدم شعبها لا أن تعاقبهم، ومطلبنا واضح هو تنفيذ الوعد الذي قدموه لنا قبل 14 شهرا بإعادة رواتبنا".
ويشير إلى أن مجموعة من المحررين كانت دخلت في إضراب عن الماء؛ ولكنهم تراجعوا عن الخطوة في ظل الحديث عن نية رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية اللقاء بهم والاستماع لمطالبهم.
ويعتبر المعتصمون أن توقفهم عن خطوة الإضراب جاء كبادرة حسن نية، ولكنها ستتجدد إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم، مؤكدا بأن الاعتصام سيستمر حتى لو قامت أجهزة الأمن بتفرقتهم من جديد.
ملاحقة أمنية
وكان الأسرى المحررون نفذوا قبل عام تقريبا اعتصاما مماثلا في المكان ذاته للمطالبة بإعادة رواتبهم المقطوعة، وبعد أكثر من شهرين على الاعتصام تم وعدهم من قبل رئيس الوزراء آنذاك رامي الحمد لله ورئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج بالاستجابة لمطلبهم، وحتى الآن لم يتم تنفيذ ذلك.
بدوره يؤكد الأسير المحرر رامي البرغوثي من رام الله بأن القضية لا تتعلق برواتب فقط، وإنما بنظام حياة يُحرم المحررون من عيشه في ظل السياسات الأمنية المتبعة في الضفة من قبل السلطة.
ويقول لـ عربي21 إن السلطة قامت بعد قطع رواتبهم عام 2007 بانتهاج سياسة أمنية بحقهم مثل المنع الأمني والملاحقة المستمرة، ومنعهم من الوظائف الحكومية والتضييق عليهم في الوظائف الخاصة، حتى أصبحوا محاصرين داخل وطنهم حسب تعبيره.
ويوضح بأن هذه السياسات تتعارض مع الشعارات التي تطلقها السلطة لحماية ودعم الأسرى والمحررين، حيث إنه أمضى في سجون الاحتلال 13 عاما ولديه أربعة أطفال لا يعرف كيف يعيلهم في ظل هذه المضايقات، كما تم اعتقاله على يد السلطة عدة مرات لخمسة أشهر ناهيك عن الاستدعاءات المتكررة بحقه.
اقرأ أيضا: السلطة تفض اعتصاما لأسرى محررين قَطعت رواتبهم.. وغضب
ويضيف: "هذا الواقع ينطبق على جميع الأسرى المحررين الذين ينتمون للتيار الإسلامي، واعتصامنا هنا جاء لوضع النقاط على الحروف ومنع التمادي في أرزاقنا وحرياتنا، وفض الاعتصام لم يزدنا إلا إصرارا على التشبث بحقنا ومواصلة الاعتصام حتى الحصول عليه".
ويشير البرغوثي إلى أن الاجتماع المقرر مع اشتية سيحدد وجهة الاعتصام، مبينا بأن الضامن هذه المرة لتطبيق أي اتفاق هو شخصيات وطنية واعتبارية وتوقيع جمعي عليه لضمان تطبيقه، وألا يبقى حبرا على ورق كما المرة السابقة.
ويتابع: "أطفالي رغم صغر سنهم، إلا أنهم يعلمون لماذا ابتعدت عنهم واعتصمت في الخيمة مع إخواني المحررين، وصحيح أن الاعتصام زاد عائلاتنا ألما وبعدا عنا، إلا أن قضيتنا عادلة وتستحق أن نُصرَّ على تطبيقها مهما كان الثمن".
ويؤكد البرغوثي أن الاعتصام سيعود بقوة أكبر إذا لم تستجب السلطة لمطالب المحررين.
ومن جانبها تقول الأسيرة المحررة بشرى الطويل بأن رسالة المعتصمين واضحة ولا تقبل عدة وجوه، حيث يطالبون بحقوقهم المشروعة دون انتقاص وأسوة بغيرهم من أبناء الأحزاب الأخرى.
وتبين لـ"عربي21" بأن المحررين لن يتركوا الميدان حتى تحقيق مطالبهم، وأن اشتية كان زار الاعتصام صباح اليوم لأنه كان موجودا على ميدان قريب آخر واضطر للحضور والاعتذار.
وتشير إلى أن المحررين يرفضون أي شكل من الوعودات أو النقاش المطول أو الصبر لعدة أشهر كما حدث سابقا؛ فإما حل الملف كاملا وفورا وإما العودة للاعتصام.