نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلها أندرو روث من العاصمة
الشيشانية غروزني، تحت عنوان "نحن لسنا خطرا: لماذا ترحب الشيشان بالنساء العائدات من
تنظيم الدولة؟"، يتحدث فيه عن سبب عودة المقاتلين الذين ذهبوا للقتال إلى
سوريا في صفوف تنظيم الدولة.
ويبدأ روث تقريره بالإشارة إلى رسائل أمهات ونساء شيشانيات يطالبن بالمساعدة والعودة إلى بلدهن، لافتا إلى أن الرسائل التي تلقاها الناشطون المدافعون عن حقوق الإنسان، وهي مكتوبة بخط اليد، والموجهة إلى الناشطة خيدا ساراتوفا، تحتوي على عبارة "أطلب المساعدة للعثور على ابنتي".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن لدى منظمة حقوق الإنسان في الشيشان ملفات تحتوي على صور شابات وأطفال والأماكن الأخيرة التي شوهدوا فيها، مثل الموصل والرقة، أو أحيانا في "معسكر الخيام"، لافتا إلى أن هناك مناشدات للمساعدة من خلال تطبيق "واتساب"، منها ما كتبته ماريا الروسية الموجودة في عين عيسى في سوريا، قائلة: "نحن لسنا خطيرات.. ربما كان هناك ناس خطيرون لكن يجب ألا نعاقب بجريرتهم".
وتذكر الصحيفة أن العائلات ناشدت ساراتوفا للمساعدة والعثور على 1800 متحدث باللغة الروسية ممن اختفوا في العراق وسوريا، الذين ذهب الكثيرون منهم للعيش في ظل حكم تنظيم الدولة، وقالت: "يجب أن نسرع وإلا لن نجد أحدا".
ويقول الكاتب إن نساء مثلهن، ممن يعرف بـ"عرائس تنظيم الدولة"، أصبحن في الغرب موضوعا للنقاش العام، فيما قامت حكومات باتخاذ خطوات غير مسبوقة تمنع عودتهن إلى بلادهن، مشيرا إلى شاميما بيغوم الفتاة التي هربت من لندن في عام 2015، وقرر وزير الداخلية تجريدها من جنسيتها، واتخذت الولايات المتحدة الخطوة ذاتها عندما جردت هدى مثنى، من ولاية ألاباما، من جنسيتها الأمريكية.
ويستدرك التقرير بأن روسيا لديها مشكلة أكبر، خاصة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدث عن أربعة آلاف مواطن روسي سافروا إلى سوريا والعراق، بالإضافة إلى خمسة آلاف سافروا من الجمهوريات السوفييتية السابقة.
وتنقل الصحيفة عن ساراتوفا، قولها إن عائلات 700 امرأة من دول مثل روسيا وقازخستان وأزبكستان، وأكثر من 1100 طفل، تبحث عن أقاربها، وتضيف أن الحملة لعودتهم وجدت مدافعا غير محتمل في شخص حاكم الشيشان
رمضان قديروف، الذي يتهم نظامه بالوحشية ضد المتمردين الإسلاميين وعائلاتهم.
ويلفت روث إلى أن قديروف، المقرب من بوتين، أقنعه بأهمية عودة النساء والأطفال، وقام بترتيب عدد من الرحلات لإجلائهن من سوريا إلى العاصمة غروزني، مشيرا إلى قول الخبراء إن قديروف لديه عدة دوافع لذلك، منها وضع المتمردين المحتملين تحت الرقابة، وتعزيز موقعه بصفته قائدا مسلما، ولديه اعتقاد حقيقي يعبر عن عالم أبوي، وهو أن النساء اللاتي ذهبن إلى سوريا كن تابعات لأزواجهن ولم يكن أمامهن أي خيار.
وينقل التقرير عن إيكاتيرنا سوكرنياسكايا، من مركز تحليل ومنع النزاعات، قولها: "من ناحية إنسانية فإن هذا موقف قوي وغير متوقع".
وتفيد الصحيفة بأن المدافعين عن الخطة، التي أعادت 21 امرأة وأكثر من 100 طفل عام 2017، يرون أن جلب من ذهبوا إلى سوريا هو في مصلحة أمن البلد، فيما قالت ساراتوفا: "يجب أن يعود هؤلاء ليتم وضعهم تحت الرقابة وسيطرة أجهزة حفظ النظام"، مستدركة بأن هناك من يعارض الخطة، حيث توقفت عمليات الإجلاء عام 2017، بعد تدخل الاستخبارات الروسية، ثم تم استئنافها مرة أخرى وتوقفت عام 2018.
وينوه الكاتب إلى أن زالينا غابيب أولاييف كانت واحدة من العائدات على الرحلة الأخيرة من سوريا، وتعيش اليوم في غروزني، وكان زوجها الأول قاتل مع المتمردين في داغستان وقتل عام 2010، وحكم عليها بالسجن لمدة عامين، بعدما عثرت الشرطة على صندوق متفجرات في سيارتها.
ويجد التقرير أنه في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الشيشانية تصوير النساء اللاتي ذهبن إلى سوريا بالمذعنات، إلا أن كل امرأة لها قصتها، فقالت زالينا إنها عندما قررت العبور إلى سوريا عبر تركيا كانت أرملة، وأضافت: "كانت لدي دوافع دينية.. اعتقدت أنها شريعة وأردت اتباعها"، حيث عاشت أولا في الطبقة حياة "هادئة"، كما تقول، لكنها شعرت بالخيبة من الحكم المتشدد لتنظيم الدولة واستخدامه العنف.
وقالت زالينا: "في البداية كان هناك أناس طيبون أكثر من الأشرار"، لكنهم قتلوهم وأرسلوهم للموت، وكان الإعدام بسبب انتهاكات قانونية شائعة، نافية أن تكون قد شاركت في العنف، فلم يكن يسمح للنساء غير المتزوجات بالخروج من الثكنات المخصصة لهن، ولهذا تزوجت، وقتل زوجها الثالث في غارة جوية بعد عام من زفافهما.
وبحسب الصحيفة، فإنه بعد أن اقتربت الحرب منها فإنها قررت وزوجها الرابع، وهو من مقدونيا، الخروج، ودفعا لمهرب في منتصف عام 2017، واستسلما للأكراد، وكانت زالينا حاملا في ابنها الخامس الذي أنجبته في مخيم الحول دون السماح لها بالذهاب إلى المستشفى، مشيرة إلى أن زوجها اعتقل ورحل إلى مقدونيا المعتقل فيها الآن.
ويشير روث إلى أنها ظلت في المخيم مدة أربعة أشهر قبل أن تعاد إلى روسيا، وحكمت عليها محكمة في داغستان بالسجن قيد التنفيذ بعد عقد؛ نظرا لأن لديها أطفالا، لافتا إلى أنها تعد نفسها محظوظة لأنها خرجت وهي على قيد الحياة، فتقول: "عندما كانت الحرب في ذروتها وعندما يكون أطفالك بين الحياة والموت فبالطبع تختار السجن على موت أطفالك".
ويورد التقرير نقلا عن زالينا والعائدة زاغيدات أباكارويا، وهي أم لأربعة أطفال، قولهما إنهما تعرضتا لتحقيقات دقيقة بعد عودتهما إلى روسيا، بالإضافة إلى زيارات متعددة للشرطة في داغستان، وقالت إنها انتقلت إلى الشيشان لأن القوات الحكومية فيها ليست متشددة.
وتبين الصحيفة أنه لا توجد تعليمات عامة من روسيا حول كيفية عودة النساء، وكل منطقة قامت بالتصرف بناء على الظروف التي تراها مناسبة، لافتة إلى أنها تعترف بأن هواتفهن مراقبة، إلا أن النساء العائدات من مناطق تنظيم الدولة لم يعدن يشكلن تهديدا، كما تقول.
ويستدرك الكاتب بأن مدير المخابرات الفيدرالية الروسية ألكسندر بورتينكوف قال العام الماضي، إن جلب النساء من سوريا يعد خطرا، "فليس سرا أن النساء، وحتى الأطفال، استخدمهم قادة تنظيم الدولة للتجنيد والهجمات الانتحارية والقيام بأعمال إرهابية وإيصال الرسائل"، فيما تحدث بوتين علانية عن دعم عودة الأطفال، مع أن لم يتحدث عن النساء.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول المراقبين إن نهج روسيا فيه الكثير من العيوب، لكنها أظهرت استعدادا لإعادة من غادروا إلى مناطق تنظيم الدولة أكثر من الدول الغربية.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)