عوضا عن أن يرفض زيارة نيويورك أو تأجيلها احتجاجا على اتهام الرئيس الأمريكي
دونالد ترامب له ووصفه بأنه القاتل اللعوب، سارع الجنرال المنقلب على رئيسه، وكعادته، وبادر بالسفر إلى أمريكا؛ لعله يجد في سفره هذا ما يريحه من وعثاء البقاء في بلد حطمه هو وجنوده عن قصد ورغبة وهم يشعرون.
يذهب الجنرال للمرة الرابعة أو الخامسة، لا أدري، وهو يعلم أن أحدا لن يعطيه اهتماما؛ لأنه وباختصار مجرد قاتل قتل ولا يزال يقتل تارة برصاص قناصته وتارة أخرى ببنادق جنوده، وتارات عدة بمنطوق أحكام الإعدام التي ينطق بها جنرالات في زي قضاة؛ كان آخر تلك الأحكام غير الآدمية يوم الاثنين الماضي 24 أيلول/ سبتمبر 2918 إذ أيدت محكمة النقض
حكما بالإعدام على عشرين بريئا مصريا في أحداث عنف قامت بها الشرطة ضد المتظاهرين في منطقة كرداسة، إحدى ضواحي مدينة الجيزة جنوبي القاهرة، وهي القضية المعروفة إعلاميا باسم "مذبحة كرداسة".
يسافر الجنرال إلى أمريكا وهو يدرك أن لا أحد من مئات الألوف من
المصريين الذين يعيشون في أمريكا سوف يكون في استقباله، حيث يدرك الجنرال تمام الإدراك أنهم يعارضون حكمه ويسعون جاهدين لإزالة آثار انقلابه، لذا فقد
يمم وجهه شطر الكنيسة الأرثوذكسية لتنقذ ماء وجهه أمام الأمريكان الذين يدركون أنه مجرد قاتل، لكنه ضرورة من ضرورات مرحلة صفقة العار وبعدها يفعل الله ما يريد.
الكنيسة التي يترأسها البابا تواضروس وقعت في بئر التبعية الأمنية، وأصبحت جزءا من إدارة "أمن الدولة" بعد أن رضخ لها البابا الذي جاءت به انتخابات ملفقة ومعدة سلفا، ويتعين عليه رد الجميل لأمن الدولة الذي وقف معه في حربه على خصومه في الكنيسة، والذين يتهمونه بالتفريط في القضايا الرئيسية في العقيدة المسيحية.
لم يرسل البابا الرسل كما كان الحال في الماضي، بل ذهب بنفسه ليشرف على عمليات نقل المسيحين من كنائسهم وبأتوبيسات الكنيسة التي قيل إنها جاءت تبرعا من أحد فاعلي الخير، حتى لا ينسب الأمر للكنيسة، رغم أن الاجتماع كان في الكنيسة، والبابا وكل القساوسة حضور وشهود، وكلام الأنبا يؤانس واضح وضوح الشمس في ضرورة الذهاب وتحية
السيسي؛ لأن في ذلك منافع وعلى المسيحيين أن يشهدوا هذه المنافع، وليست منافع دنيوية بل وكهنوتية أيضا فمن أراد أن يرضى عنه الرب والكنيسة فليذهب وبالطبع من لم يذهب فلتصب عليها الآلهة اللعنات ليل نهار.
كم كان مخجلا هو مشهد البابا وقساوسة الكنيسة الذين تسولوا من رواد الكنيسة وأتباعها الخروج لاستقبال السيسي القاتل واللعوب، كما وصفه
ترامب (وهي ترجمة مخففة لما وصف به ترامب الجنرال السيسي في حديثه للصحفي المشهور بوب وود وورد مؤلف كتاب "الخوف").
لم أر ولم أسمع عن إهانة كتلك التي حلت بالكنيسة المصرية حين يضطر رئيسها للخضوع لأوامر العسكر الذين حملوه حملا لكي يتحدث كبوق سياسي، لا كرمز ديني، عن إنجازات الجنرال التي لا يكاد المصريون البسطاء يرونها ولو بالنظارات المعظمة.. تحدث البابا وقساوسة الكنيسة عن حصولهم على تراخيص لبناء أو اعتماد كنائس عبر التلفون، ثم يأتيك من يقول لك إن السيسي يبني دولة مؤسسات.. في أي دولة مؤسسات تمنح تراخيص دور العبادة بالتلفون؟ اللهم إلا شبه الدولة...
يسافر السيسي إلى نيويورك وهو مطمئن البال، بعد أن وافقت أوروبا العنصرية بحكوماتها اليمينية الفاشية على منح الجنرال المال والسلاح،
في مقابل منع الهجرة من الجنوب إلى الشمال أو السماح بإقامة معسكرات لاجئين على أرض مصر مقابل منحها المعونات، وكأن مصر التي يعاني شعبها شظف العيش بمقدورها إيواء إخوتنا الأفارقة الهاربين مع المصريين من جحيم حجم الجنرالات بحثا عن الحياة (أي حياة) في أوروبا التي استنزفت موارد أفريقيا عبر العقود الماضية، وترفض اليوم استقبال مهاجريها الفارين من حكم المستبدين المدعومين من أوروبا.... يا للمأساة.
أربع سنوات مضت من حكم الجنرال الرسمي للبلاد ولا يزال المسكين يبحث عن حفنة من المصريين يقفون على جانبي الطريق، يرفعون صوره ويهتفون باسمه في شوارع نيويورك، وهو الذي لا يستطيع المرور في شوارع القاهرة خشية اللعنات التي ستصب فوق رأسه، وهو يدرك تماما أن الشعب لا يحبه، وهو فعليا لا يريد أن يحبه الشعب لأنه لا يؤمن بالشعب ولا بوجوده وكل ما يؤمن به القوة الغاشمة، ويعتقد أنها كفيلة ببقائه في السلطة وقد يكون معه بعض الحق ما لم ير قوة حقيقية تواجهه على الأرض. فمثل هؤلاء يقتلون شعوبهم ولا يستطيعون مواجهة عدوهم؛ لأنهم وباختصار لا يجيدون الحرب ولا القتال بل القتل والطعن من وراء الظهر.
يذهب السيسي إلى أمريكا مصحوبا بحفنة من المسيحيين وبجوقة من الإعلاميين الذين يسوقون للشعب المسكين لهفة زعماء العالم للقاء السيسي، وكيف أن مصر اليوم استعادت مكانتها وينسى هؤلاء المغفلون أن أرقى منصب وصل إليه السيسي هو القاتل اللعوب ليس إلا...