قضايا وآراء

تنازلات حماس والمصالحة الفلسطينية

عصام تليمة
1300x600
1300x600
لا حديث – الآن- على السوشيال ميديا، ومواقع التواصل الاجتماعي إلا عما قامت به حماس وفتح من مصالحة فلسطينية، بين مؤيد ومعارض، بين من يرى حماس تنازلت تنازلا كبيرا يودي بها وبتاريخها، وبين مؤيد تام لما قامت به، وللأسف تتحول السوشيال ميديا إلى ضاغط على كل صاحب رؤية أو مبادرة أو فكر سواء كان دينيا أم سياسيا، وبخاصة بهذا القدر الذي لا ينطلق من رأي علمي دقيق إلا ما قل أو ندر.

فتكون ضاغطا على من يسير على الطريق الصحيح فيرتبك، أو على من يخطئ فيزداد خطؤه، ولن يكون مقالي هنا تأييدا أو رفضا لما قامت به حماس، لكن سيكون كلامي حول المنهجية التي ينبغي أن نتعامل بها مع مثل هذه المواقف السياسية، حتى لا نكون دوما أسرى أفكار عشوائية تنطلق من عاطفة غير مدروسة، سواء بالرفض أو التأييد. فمن يريد الحديث عما فعلته حماس أو تفعله أي حركة سياسية مقاومة أو ثورية عليه القيام بهذه الخطوات:

أولا: امتلاك المعلومة، فمن يتكلم في أمر عليه أن يحصل على معلومات الموضوع الذي يدلي فيه بدلوه، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره كما يقول أهل المنطق، فكيف سيحكم شخص ما على موضوع دون إلمامه بتفاصيله كاملة، فمن امتلك نصفه فلن يكون رأيه صوابا، فضلا عمن لا يمتلك أية نسبة من المعلومات عن الأمر، وهو ما يفوتنا ويفوت الكثيرين في موضوع حماس وفتح في غزة، فلا توجد معلومات كاملة بالتفاصيل، كي نحكم على الفعل، أو نقوم بتقييمه.

ثانيا: التحليل الدقيق والمنهجي، فمن يمتلك المعلومات عن الموضوع عليه أن يمتلك أدوات التحليل التي تجعله يحسن الخروج برأي صحيح، وللأسف يحدث عند كثير من الناس أن يخلط بين تحليله لبعض الأخبار ثم يجمع بينها، ليخرج للناس بكلامه على أنه معلومات وموثقة، وهي في النهاية تحليلات في كثير من الأحيان لا تتسم بالدقة، وهو ما نفتقده في كثير من مواقفنا السياسية والدينية كذلك.

ثالثا: في مثل هذه القضايا السياسية يخطئ من يتناولها من باب الإيمان والكفر، أو الخيانة والوطنية، أو الحلال والحرام، لأنها ليست قضايا دينية حَدِّية واضحة، إما أبيض أو أسود، فالسياسي في تعامله يتعامل في دائرة المصالح والمفاسد، وداخل هذه الدائرة ثلاث دوائر: المصالح والمفاسد، والمصالح والمصالح، والمفاسد والمفاسد. فهو يوازن بين أمرين، إما مصلحة ومفسدة، وهل يدفع المفسدة لصالح المصلحة، أو يوازن بين مفسدتين فيرتكتب المفسدة الصغرى تجنبا للكبرى، أو بين مصلحتين كبرى وصغرى، فيحاول الحصول على أكبرهما.

وفي هذه الدوائر الثلاث جميعا وردت أفعال عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في تركه بناء الكعبة على بناء الجاهلية كما هو، وعدم هدمه وبنائه على بناء إبراهيم، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: يا عائشة لولا أن أهلك حديثو عهد بجاهلية، لبنيت لهم الكعبة على بناء إبراهيم. فالذي منعه هنا هو مفسدة أن يصيب مشاعر الذين لم يتعمق الإيمان في قلوبهم، لما للبيت الحرام من قداسة عندهم.

وكما فعل عندما جاءت الأحزاب لغزو المدينة في (غزوة الأحزاب)، وتجمع المشركون واليهود لقتال المسلمين، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يفرق هذا التجمع، بأن يسحب منه اليهود، فهم من أهل المدينة، فعرض عليهم أن يعطيهم نصف ثمار المدينة، مقابل عدم قتالهم ضده مع المشركين، وعرض ذلك على الأنصار، فرفض سعد بن معاذ سيد الأنصار ذلك، وقال: لقد كنا في الجاهلية لا يطمعون في (تمرة) واحدة منا، أفيأخذون في الإسلام نصف ثمارنا؟!! ورفض، فقال له صلى الله عليه وسلم: إنما هو صنيع صنعته لكم. 

ففي هذا الموقف السياسي من النبي صلى الله عليه وسلم، لم يصف أحد الموقف بأنه تخاذل، أو تنازل دون مقابل، ولم يصف النبي صلى الله عليه وسلم موقف الأنصار بالمتشدد أو التنطع، أو العصيان، لأنه موقف سياسي تتحمله كل وجهات النظر المدروسة والمبنية على موقف صحيح.
هذه بعض ضوابط التناول المنهجي للقضايا السياسية التي نحياها، ونبدي فيها آراءنا بالموافقة أو الرفض، إذا شئنا أن ننطلق بفقه سياسي رشيد.

[email protected]
1
التعليقات (1)
أحمد
السبت، 07-10-2017 09:46 م
فمن يتكلم في أمر عليه أن يحصل على معلومات لسنا مطالبين بذلك ياشيخنا نحن مطالبين باتخاذ موقف في ضوء ما يتواجد لدينا من معلومات والا اصبحت حجة كل دكتاتور صاحب نظرية" مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ" فهو الذي يعلم ولا نعلم اذا كانت المعلومة منقوصة او مغلوطة فهذا مسئولية متخذ القرار دون الاهتمام بالناس الذين سوف يتأثرون من هذا القرار