قضايا وآراء

سلمان العودة سجينا بين عهدين

هاني بشر
1300x600
1300x600
رغم انتشار خبر اعتقال الشيخ سلمان العودة وعدد آخر من الدعاة السعوديين، إلا أن السلطات الرسمية السعودية لم تنفِ الخبر أو تؤكده حتى الآن. إثبات الخبر يعني في المقام الأولى توضيح ماهية التهم الموجهة إلى العودة وغيره من المعتقلين، وهي معلومات لا تزال مبهمة حتى اللحظة. الأمر الذي يعني أن ما تذكره وسائل الإعلام من تهم جنائية أو أخرى تتعلق بالتطرف والإرهاب ليس لها أي سند قانوني وإلا لكانت السلطات قد كشفت عنها بأي صيغة لتبرير اعتقال هذه الشخصيات العامة. 

تعرض العودة للسجن قبل أكثر من عقدين من الزمن ومكث في السجن سنين عددا. راجع الرجل خلال سنوات السجن كثيرا من مواقفه الفكرية وآرائه الشرعية، وخرج بأفكار جديدة أكثر انفتاحا وابتكارا في تواصله مع الناس. كان العودة سباقا في استخدام كل ما يطرأ من وسائل تواصل اجتماعي لبث رسائله وأفكاره في قالب إنساني مشوق من أول الأفلام القصيرة إلى الخطب المباشرة والتغريدات المستمرة على موقع تويتر في دولة تبلغ نسبة مستخدمي تويتر فيها أعلى معدل بين دول العالم. 

الزمن الآن يختلف عنه قبل أكثر من عشرين سنة، حين كان العودة شابا في مقتبل الثلاثينات من العمر لا يملك من وسائل التواصل مع الناس سوى شرائط الكاسيت وخطب ودروس المساجد. أصبح سلمان العودة في السنوات الأخيرة نائبا لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وضيفا شبه دائم على العديد من القنوات الفضائية ويبلغ متابعوه على موقع تويتر أكثر من أربعة عشر مليونا، أي نحو نصف عدد سكان المملكة العربية السعودية البالغ عددهم نحو 32 مليون نسمة. وهو ما يعني أن اعتقاله رسالة لكل دعاة الإصلاح في المملكة وتصعيدا له ما بعده. 

ليس سرا أن جواز سفر العودة تم سحبه خلال السنوات الماضية عدة مرات وضُيق على نشاطاته قبل أن يتم السماح له باستئنافها والسفر لاحقا. وقد كان يمكن محاصرة الرجل كما حدث من قبل، لكن يبدو أن الأمر هذه المرة أكبر من محاصرته. في الوقت نفسه يحار المحللون في فهم دوافع اعتقال هذه الشخصيات وعلى رأسهم سلمان العودة. فهم علماء لا يقودون تنظيما سياسيا ولم توجه السلطات لهم أية تهم معروفة ولم تصدر عنهم أية آراء سياسية خلال الفترة الماضية. والتعبير عن الآراء السياسية ليس تهمة بالطبع، لكنها إحدى الذرائع للتنكيل بالشخصيات العامة في معظم أرجاء العالم العربي، وهي ذريعة منتفية في حالة هؤلاء المعتقلين. 

في مطلع التسعينات كان هناك حدث زلزل الخليج وهو غزو الكويت من جهة ودخول القوات الأجنبية إلى الجزيرة العربية من جهة أخرى. وكان العودة ضمن من كتبوا ما يسمى بمذكرة النصيحة للسلطات الحاكمة آنذاك تطالب بالإصلاح السياسي والاجتماعي والبعد عن مثل هذه التحالفات الخارجية. وكلفه هذا الموقف خمس سنوات وراء القضبان في حينه من دون محاكمة. وبعد كل هذه السنوات يعود العودة إلى السجن مرة أخرى ليس بسبب موقف سياسي أو تصريحات ملتبسة وإنما لسبب غير معروف. ولم تشفع له أفكاره التي لطالما تم الاحتفاء بها قبل سنوات كمثال للاعتدال والوسطية. وقد يكون القاسم المشترك بين عهدي سجن العودة هو المنعطفات الخطيرة التي تمر بها السعودية بإرادتها تارة ومن دون إرادتها تارة أخرى. وهي منعطفات لا تقل في خطورتها عما حدث في مطلع التسعينات.

وكما أن مطالب العودة ورفاقه لم تلق آذنا صاغية حينها، لن تجد أفكاره المتطورة آذانا صاغية حاليا. فقد سلمان العودة حريته في كلا العصرين لكن خسارة السعودية والخليج قبل عشرين سنة من ناحية المال والنفوذ كانت أكبر، وهي الخسارة المرشحة للتكرار خلال السنوات القادمة إذا استمر هذا النهج.
0
التعليقات (0)