مقالات مختارة

الروهينجا.. أين هو الضمير الإنساني والمنظمات الدولية؟

محمد قيراط
1300x600
1300x600
أفادت الأمم المتحدة بتزايد كبير في عدد الفارين من ميانمار من مسلمي الروهينجا إلى بنجلاديش. وقالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة لبي بي سي إنها أحصت أكثر من 35 ألفا من النازحين الجدد، خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية. وهذا يعني أن قرابة 1458 مسلما فروا من البلاد كل ساعة. وهذا ما يرفع مجمل عدد الفارين من أعمال العنف في مقاطعة راخين خلال الأسبوعين الأخيرين إلى أكثر من 123 ألف شخص. الروهينجا، هذه الأقلية المسلمة التي تعيش في ميانمار وبنغلادش وباكستان وتايلاند، تعتبر الشعب الأكثر اضطهادا في العالم وهو في الوقت نفسه الشعب الأقل تغطية إعلاميا في العالم. هذه الأقلية تعاني الويلات في ميانمار لا لشيء إلا لأنها تدين بالإسلام، والغريب في الأمر أن المنظومة الدولية وخاصة الدول الفاعلة في النظام الدولي، لا تحرك ساكنا ولا تتدخل لحماية شعب يقدر بأكثر من مليون وأربعمائة ألف نسمة. قبل أسبوع اغتيلت نائبة برلمانية بريطانية وللكثير من وسائل الإعلام البريطانية الأمر مر مرور الكرام وكأنه حدث عادي. وتساءل سياسي بريطاني عن ما إذا كان القاتل مسلما كيف ستكون التغطية الإعلامية؟ وهنا نلاحظ أن المعايير أصبحت واضحة للعيان حيث إن الإعلام أصبح أدوات مسيسة ومأدلجة ومكيفة وفق أطر معينة تخدم السياسة والمال وأصحاب النفوذ. فما يحدث للروهينجا في ماينماير يعتبر وصمة عار على جبين الإعلام الدولي الذي يتجاهل الإبادة الجماعية لشعب بكامله، ويركز على تغطية حادثة إرهابية لأسابيع لأن القاتل مسلم والإسلام منه بريء. أين هي منظمة المؤتمر الإسلامي؟ والمسلمون والأمة الإسلامية عبر العالم؟ أين هي سان سو كي الفائزة بجائزة نوبل للسلام التي تحولت من مدافعة عن السلام وحقوق الإنسان إلى متفرجة على إبادة شعب بكامله لا لشيء إلا لأنه مسلم.

يتحدث معظم من فروا عن قيام الجيش وحشود من البوذيين في راخين بمهاجمة المدنيين وحرق قراهم، وتدمير منازلهم في حملة لدفعهم إلى النزوح خارج البلاد. ويقول الجيش إن حملته تستهدف مسلحي الروهينجا الذين يهاجمون المدنيين. ويصعب التحري بشكل مستقل عن حقيقة الوضع على الأرض للقيود المفروضة على الدخول إلى المنطقة وتقول الأمم المتحدة إنه ليس واضحا متى وصلت المجموعة الأخيرة من اللاجئين، لكن أعداد الواصلين الجدد المحتاجين إلى المأوى والطعام تزايدت بشكل كبير جدا.

تشير الدراسات إلى وجود علاقة ارتباطيه إيجابية بين الصور الذهنية والنمطية حول الدول وتأثيراتها في العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية فيما بينها. فهذه الصور تؤثر في الرأي العام الذي يؤثر بدوره في صنع السياسة الخارجية نحو هذا البلد أو ذاك. و أغلب الظن فإن الدولة التي تصوّر بطريقة سلبية وتعرض بصور نمطية وأفكار مضللة متحيزة ستجني رأيا عاما سلبيا و بذلك ستكون في آخر قائمة الدول الصديقة والدول التي تتمتع بتبادل تجاري واقتصادي وثقافي معتبر،بل على العكس ستكون في أول قائمة الأعداء الذين تطبق عليهم سياسات التهميش والاحتواء والحصار بمختلف أنواعه وأشكاله. هكذا كان الأمر بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي في عهد الحرب الباردة. الدراسات التي عالجت موضوع صورة الإسلام والعرب في وسائل الإعلام الغربية، جاء معظمها على يد باحثين غربيين، وقلة قليلة من العرب فقط اهتمت بدراسة هذه الإشكالية. وفي معظمها أكدت الدراسات والأبحاث العلمية أن وسائل الإعلام الغربية، و اصة الأمريكية منها من صحافة وإذاعة وتلفزيون وسينما وحتى الكتب الدراسية، ترسم صورة مشوّهة وسلبية وغير صحيحة عن الإسلام. وهذه الصور النمطية تكون في معظم الأحيان نتيجة لأفكار مسبقة ولحقد على الأمة العربية والإسلامية، ولجهل وتجاهل تاريخ المسلمين وحضارتهم وثقافتهم، وأخيرا نتيجة للصراع الحضاري بين الغرب والإسلام.

وسائل الإعلام مقيّدة بآليات سياسة الدولة حيث إنها، بطريقة أو بأخرى، تمثل هذه السياسة وتدافع عن النظام الذي تعمل في إطاره. فالحركة الصهيونية، على سبيل المثال، وعبر تنظيماتها المختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، تسيطر على الصناعات الثقافية ووسائل الإعلام ودور النشر، وتتحكم بذلك في محتواها وتحددها وفق ما يخدم مصالحها وأيديولوجيتها وأهدافها، وهذا عملا بتوجيهات وتوصيات برتوكولات حكماء صهيون. والأخطر من هذا أن رؤوس الأموال الصهيونية توّظف في المقام الأول في وسائل الإعلام، والصناعات الثقافية وفي الوسائط التي تؤثر في الرأي العام، وفي تفكير وإدراكات البشر. فالنفوذ الصهيوني في وسائل الإعلام الغربية وُظف بطريقة منظمة ومنهجية، من أجل تقديم صور ذهنية وصور نمطية عن الإسلام والعرب بما يخدم المصالح الصهيونية بالدرجة الأولى. وبطبيعة الحال ما يخدم المصلحة الصهيونية هو تشويه سمعة العرب وتقديم صور نمطية، تجعل الرأي العام يتخذ موقفا معاديا وسلبيا ضد كل ما هو عربي ومسلم، وهذا الرأي العام يسّهل مهمة المشرع وصاحب القرار في عملية اتخاذ إجراءات وقرارات تضر بالعرب وبالمسلمين وبمصالحهم، وتساند وتساعد الكيان الصهيوني دون نقاش و لا مساءلة.

الكلام عن مخرجات المؤسسات الإعلامية يقودنا للنظر في الضغوط التنظيمية وفي القوانين والأعراف والأحكام والقيم التي تدير العمل الصحفي. فالمؤسسة الإعلامية هي مؤسسة تجارية بالدرجة الأولى، لكنها تصنع الفكر والمخيال الاجتماعي والذاكرة الجماعية، وتحدد للمجتمع كيف ينظر للعالم وكيف يقيِّم الأحداث ومجريات الأمور من حوله. وسائل الإعلام تمثل وتعبر عن البنية الفوقية، التي هي عبارة عن جملة المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد والأعراف ونمط الحياة والمخيال الاجتماعي والموروث الثقافي...الخ، و هي في ذات الوقت تعمل على المحافظة عليها ونشرها وترسيخها في المجتمع. والصحفي، ما هو إلا نتاج المجتمع ونتاج هذه القيم والتقاليد، وبذلك فإننا نجده من خلال الميكانيزمات التي تربطه بالمؤسسة الإعلامية يعمل على تثبيت وترسيخ شرعية النظام والقيم التي تحكم هذا النظام، و إذا خرج عن المنطق فإنه يهمَّش و يستبعَد ويوصف بالخائن و المتمرد و الخارج عن النظام، وللعلم قد تكون بعض هذه القيم أو المبادئ غير سليمة أو تتناقض مع القيم الانسانية و الأخلاقية.

وحسب بعض المختصين والباحثين فإن التشويه والتضليل والانحياز في تغطية الإسلام من قبل وسائل الإعلام الغربية يعود بالدرجة الأولى إلى الصراع الحضاري والثقافي بين الغرب والإسلام. وقد ظهر هذا الصراع جليا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار القطبية الثنائية، حيث ظهر النظام الدولي الجديد وتهميشه للثقافات والديانات المختلفة في العالم وخاصة الإسلام. وجاء مصطلح "الإسلاموفوبيا" للتعبير عن الهستيريا التي أصيب بها الغرب ضد الإسلام بعد انهيار الشيوعية، حيث أصبح هذا الأخير يتصدر قائمة أعداء أوروبا وأمريكا. وأكدت دراسات تحليل المضمون أن كتب التاريخ المدرسية وكتب الاجتماعيات في المدارس الابتدائية في بعض الدول الغربية وأمريكا، أسهمت هي بدورها في إيجاد فكر باطني معاد لكل ما هو إسلام وعرب، وكانت النتيجة أن الأمريكي يتعرض منذ نعومة أظافره إلى جملة من الصور النمطية ومن الأفكار المضللة والمزيفة ضد كل ما هو عربي ومسلم، وأصبح الإسلام مرادفا للتخلف وللإرهاب وللجهل وللأنانية ولحب النفس ولإلغاء الآخر وعدم احترامه وللغطرسة و التعصب ...إلخ.

الشرق القطرية
0
التعليقات (0)