مقالات مختارة

الوزير الإماراتي وفزاعة معاداة السامية

حسن البراري
1300x600
1300x600
"معاداة السامية" هي تهمة معلبة وجاهزة وظفتها إسرائيل ضد منتقديها، لتكون سحابة من الدخان الكثيف التي تخفي خلفها حقيقة الاحتلال البشعة، بمعنى أن التوظيف الممنهج لهذه المقولة إنما كان بقصد إخراس خصوم ومنتقدي إسرائيل لإعدام أي شاهد على ممارسات آخر احتلال كولنيالي على وجهة هذه البسيطة.

وليت الأمر توقف عند رامي مخلوف الذي حاول استعطاف إسرائيل للوقوف مع نظام بشار عندما أوصل رسالة واضحة مفادها أن سقوط نظام بشار سيشكل تهديدا مباشرا لأمن إسرائيل، وحينها كانت المعركة في أوجها وشكلت مسألة إسقاط نظام بشار سيناريو يلوح في الأفق قبل أن يتبدل الحال ويدخل الدب الروسي بكامل ترسانته الجوية لقلب موازين المعركة.

الوزير الإماراتي أنور قرقاش غرد قائلا بأن قطر هي معادية للسامية، وفي ذلك محاولة بائسة لجر إسرائيل لجانب دولة الإمارات وحلفائها في المعركة على دولة قطر، ويبدو كما غرد الصحفي الأردني عريب الرنتاوي بأن تهمة الإرهاب لاستجلاب أمريكا إلى جانب التحالف الرباعي لم تعد كافية؛ إذ برزت حاجة لدفع إسرائيل ولوبي إسرائيل المؤثر في واشنطن للوقوف إلى جانب هذا التحالف.

لكنها ليست المرة الأولى التي تحاول بها هذه الدول التقرب من إسرائيل بغية إيجاد أرضية مشتركة لتشكيل حلف جديد، وكأن إسرائيل أصبحت بقدرة قادر دولة سنية مرشحة بقوة للانضمام للنيتو السني الذي بشر به الرئيس ترامب وتلقفه بلهفة شديدة ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، فهناك الكثير من التقارير بالصحف الغربية تشير إلى أن الأمير محمد بن سلمان بات يرى بإسرائيل حليفا مخالفا بذلك تقليدا عربيا رضعناه مع حليب أمهاتنا يفيد بأن إسرائيل هي الدولة العدو للعرب جميعا!

ما زال الغموض يكتنف تطورات العلاقة مع إسرائيل، فالمتابع لا يمكن له التأكد من أين وصلت الترتيبات مع إسرائيل، غير أن الوزير الإماراتي يكشف عن حقيقة تتجلى بأبشع صورها في تغريدته وتفيد بأن الخصومة مع قطر تبرر وسم قطر ليس فقط بالإرهاب وإنما بمعاداة السامية. الحق بأنني لست متأكدا من أن الوزير الإماراتي يفهم جيدا ماذا تعني معاداة السامية ولا يبدو بأنه مطلع على أن معاداة السامية كانت مبررا لقيام الصهيونية في عام 1897 بهدف إقامة دولة لليهود في فلسطين، فالوزير بكلامه هذا إنما يمنح إسرائيل وبالمجان صك اعتراف بأن سرديتها التاريخية صحيحة، فكل محاولات إسرائيل حتى بعد عملية أوسلو لم تنجح في خلق انطباع بصواب روايتها للتاريخ، وبقي الصراع حتى بعد حسمه سياسيا مع دولتين عربيتين صراعا على السردية التاريخية.

لو نهض عتاة الصهاينة من قبورهم وعلى رأسهم مؤسس الحركة ثيودور هيرتسل أو حاييم وايزمان أو ديفيد بن غرويون أو حتى الفلاسفة اليهود منهم من أمثال مارتن بوبر (الملقب بـاحاد هعام) أو حتى مؤسس اليمين الفاشي بإسرائيل جابوتنسكي لو نهضوا من قبورهم لأصيبوا بدهشة غير مسبوقة من هدية الوزير الإماراتي المجانية!

في بداية الأزمة، كنت أعتقد بأن هذه الدول تعد خطة محكمة، وإذ نكتشف جميعا بأن الانفعالية وردّات الفعل المتشنجة هي من حكم مزاج المخططين لهذا التصعيد مع دولة قطر، وإلا كيف يمكن تفسير محاولات استجلاب الدعم الإسرائيلي ضد قطر؟! فبعد هدايا إيفانكا ترامب -وهي هدايا يمكن تعويضها ما دامت مادية- جاء الدور على الوزير الإماراتي لتقديم الهدية النفيسة على شكل تقديم اعتراف ما كان عتاة الصهاينة أن يحلموا به. على أي حال، الكاسب هنا هو إسرائيل.

الشرق القطرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل