كتاب عربي 21

ترامب "متخابرا".. والسيسي "عميلا" (1)

طارق أوشن
1300x600
1300x600
يقدم السيد أوليغ فاسيلي أورلوف نفسه إلى مصالح المخابرات المركزية الأمريكية راغبا في تزويدها بمعلومات سرية غاية في الخطورة تمس الأمن القومي الأمريكي.

يتم تكليف العميلة ايفلين صولت باستجوابه تحت أعين زملائها في الجهاز.

أورلوف (متحدثا باللغة الروسية): لدي حكاية أود أن أقصها عليك.
ايفلين: لا أحب القصص. لكنني سأستمع إلى حكايتك. لا تتحدث باللغة الروسية فهناك من يسمعنا جانبا.

أورلوف: في العام 1975، أيام الحرب الباردة. داخل قاعة للألعاب الرياضية بغروزني، بطل سوفياتي أولمبي في المصارعة، اسمه ساشا تشينكوف، يقابل لأول مرة لاعبة شطرنج هي الأفضل في العالم تدعى أنيا. بعد أقل من شهر يتزوج الاثنان، وبعد أقل من سنة يرزقان بمولود ذكر. شهرا بعدها، يعود الطفل الرضيع إلى المستشفى وهو يشكو من ارتفاع في حرارة جسمه وفيه سيموت فجأة. صحيح أن طفلا مات وأن طفلا قد دفن. لكن الطفل تشينكوف لم يمت بل صار ملكا لرجل آخر. كان الرجل عميل مخابرات بارز، وصاحب أكبر مشروع يمكن أن يصدر عن مواطن روسي: تدمير أمريكا.

بدأ كل شيء مع شخص أمريكي يدعى هارفي أوزوالد في العام 1959 حيث هاجر إلى روسيا قبل العودة إلى بلاده ثلاث سنوات بعد ذلك التاريخ. الحقيقة أن العائد لم يكن أوزوالد بل عميلا روسيا اسمه أليك. في الثاني والعشرين من شهر نوفمبر 1963 حقق أليك أولى نجاحات المشروع وتحول لبطل قومي في الاتحاد السوفياتي. شكل ذلك النجاح الضوء الأخضر لعميل المخابرات البارز لخلق نماذج أخرى من نوعية العميل أليك. صار مطلوبا إحلال عدد غير محدود من الذكور والإناث الروس مكان مواطنين أمريكيين.

في موقع بعيد ومجهز، كان الطفل تشينكوف ونظراء له من نفس السن يتلقون تعليمهم الأولي باللغة الإنجليزية قبل أي تعليم روسي. بالمقابل، كانوا يشحنون بالأيديولوجيا الوطنية والقومية، ويتلقون تداريب جسدية ونفسية على قدر عال من الحرفية. والهدف كان تخريج "جنود" أقوياء يدينون بالولاء التام للاتحاد السوفياتي.

ايفلين: ومتى سيظهر تشينكوف؟

أورلوف: تعرضت عائلة أمريكية لحادثة سير مميتة قضت عليهم جميعا. ألحق تشينكوف بأمريكا بديلا عن ابن العائلة الأمريكية في إطار كذبة كبرى في انتظار توصله بأمر شن الهجوم من الداخل الأمريكي. وها قد وصل اليوم الموعود. مهمة تشينكوف ستكون اغتيال الرئيس الروسي خلال حضوره جنازة نائب الرئيس الأمريكي.

ايفلين: تريد القول إن عميلا روسيا سيقتل رئيسا روسيا. أليس كذلك؟ جيد. نشكرك على هذه المعلومات.

هذا مشهد من فيلم (صولت – 2010) للمخرج فيليب نويس. والهدف من الخطة الروسية، حسب الفيلم، منح الذريعة للاتحاد السوفياتي لمهاجمة وتدمير الولايات المتحدة الأمريكية انتقاما لمقتل رئيسها. لكن خطة العميل الروسي الحقيقي، المتخفي في دور مدير في السي اي ايه، كانت أشد وأقوى بالنظر إلى ما تعرض له الاتحاد السوفياتي من ترهل وإضعاف انتهى بزواله.

في نهاية الفيلم، وبعد أن يتمكن العميل الروسي تيد وينتر من الدخول إلى الغرفة الرئاسية الأمريكية المحصنة، وقتل الرئيس ومستشاريه المقربين بعد فتحه الحقيبة النووية، يعدل من المدن المستهدفة بالقصف النووي ليحصرها في مدينتين لا ثالث لهما: مكة وطهران. يعتقد الروس أن ضرب المدينتين كفيل باحتضار ذاتي للولايات المتحدة الأمريكية التي ستجد نفسها في مواجهة أمة إسلامية تعدادها يفوق المليار.

قد لا تكون قصة الطفل تشينكوف، الذي تحدث عنه العميل فاسيلي أورلوف، بعيدة عن الشكوك التي تحوم حول الارتباطات الخفية للرئيس دونالد ترامب مع الروس. فالمؤسسة الأمريكية الرسمية، ومعها أجهزة الإعلام، لا تزال تنبش وتحقق في خفايا الدور الروسي المفترض في ترجيح كفة ترامب في مواجهة مرشحة الحزب الديمقراطي. الشكوك ليست وليدة اللحظة بل بدأت منذ أيام الحملة الانتخابية وتطرق لها الرئيس باراك أوباما وبعده كثير من ساسة البلاد المخضرمين. ورجال مثل هؤلاء ما كانوا ليدلوا بدلوهم في قضية حساسة كهذه لولا وجود استفهامات حقيقية لم تزدها الأيام إلا تأكيدا.

ولعل أهم التطورات التي سارت في اتجاه تأجيج الشكوك كانت إقالة جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق، وهو الذي كان الرئيس قد طالبه بالبحث عن طريقة لوقف التحقيقات مع مستشاره للأمن القومي المستقيل مايكل فلين. جيمس كومي، أكد أمام لجنة للكونغرس أنه ليس لديه أدنى شك بأن روسيا تدخلت في الانتخابات الأمريكية وأن سلوك ترامب حيال الأمر كان مقلقا للغاية. أمر الفصل في القضية موضوع بين يدي روبرت مولر، المحقق الخاص الذي عينه الكونغرس لتولي التحقيق في مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات.

في فيلم (صولت) لم يكن مكتب التحقيقات الفدرالي بعيدا عن قضية كشف "الخلايا الروسية النائمة". لكن ضابط الأف بي اي واجه كثيرا من العراقيل للوصول إلى الحقيقة حيث أمعن العميل الروسي تيد وينتر في تضليله ومحاولة إبعاده عن الوصول إلى الحقيقة كما عاناه جيمس كومي بالضبط.

علاقات الرئيس الأمريكي بروسيا ليست وليدة اللحظة بل كانت له مصالح اقتصادية ومالية مع الروس. لكن عندما يتطوع بتسريب معلومات اعتبرت غاية في الحساسية بمجرد اجتماعه بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافاروف، فإنه يضع نفسه في دائرة "التخابر" مع العدو. كما أن العلاقة المتشنجة التي تجمع ترامب بوسائل الإعلام الرئيسية ببلاده وعدم تقبله لمحاولاتها المستميتة في النبش في ماضيه وفي تداعيات التحقيق الذي يطال دائرته المقربة، تحيل على شحن أيديولوجي أقرب ما يكون للتوجه الشمولي السوفياتي المناوئ لحرية الرأي والتعبير، كما تجسد في الماضي الشيوعي وفي حاضر روسيا بوتين.

إن كان هذا الجزء من قصة ترمب/ تشينكوف يشوبه الكثير من الغموض وتعوزه الأدلة، إلى الآن، فإن الرئيس دونالد ترامب ينفذ بالحرف خطة العميل السوفياتي القاضي بتأجيج الصراع الشيعي السني بما يجعل من الصدام بين عاصمتيه (مكة وطهران) مجرد مسألة بالنظر إلى ما تعرفه منطقة الشرق الأوسط من إعادة تحديد المحاور والاصطفافات. صحيح أن المحددات التكتيكية للخطة قد تكون تغيرت بتغير الظروف الذاتية والموضوعية، لكن الهدف الاستراتيجي لا يزال واضحا في ذهنية من وضعوها. ما لم يكشفه الفيلم هو الدور المنوط ببعض الأدوات الأصيلة أو الطارئة في المنطقة التي تبدو في غالبيتها منساقة لمصيرها في خنوع واستسلام.

قد يلوِّح دونالد ترامب باستعمال القوة العسكرية ضد طهران وقد يستخدمها. لكن ليس السلاح النووي دوما الوسيلة الوحيدة للقضاء على "الخصوم"، فلربما كان استنزاف مدخرات البلد المعني طريقا أسهل لتدميرها. في الولايات المتحدة الأمريكية، حكم قضائي قبل أيام بتغريم إيران بما يقارب ملياري دولار على خلفية دعمها "الإرهاب"، وتكثيف الاستثمارات السعودية بأمريكا مع وجود سيف دمقليس الممثل في قانون (جاستا) يعادل أسلحة الردع النووية تأثيرا.

الأكيد أن الحرب الشيعية السنية لن تقوم حتى نجاح خطة إنهاك الجانبين بالصراع المجاني وبتفتيت كتلتيهما الأساسيتين وجعلهما مجرد كيانات هشة لن تقوى يومها عن توجيه أي ضربة للمغتصبين. في فيلم (صولت)، انتهت حكاية العميل الروسي تشينكوف بمصرعه على يد زميلته ايفلين. وفي واقع الأمر يبدو أن الدمار والخراب والدماء قد تسيل أنهارا ولن يستثني أحدا.
0
التعليقات (0)