كتاب عربي 21

بيان إلى الأمة..التفريط خيانة

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600
من المهم أن نؤكد منذ البداية أن التنازل عن الأرض أمر غير مقبول من منظور سيادة الدول على أراضيها، ومن منظور أن تلك الأرض هي كالعرض سواء بسواء لا يجوز التنازل عنها بأي حال من الأحوال، ومن ثم فإن التنازل عن الأرض لا يمكن أن يكون محل وجهات نظر، ولا رؤية رئيس أو صاحب سلطة، أو آراء لبعض الخبراء، حيث أن الجغرافيا والتاريخ لا يمكن أن يزوران إلا من حاكم مستخف بشعبه ووطن، وفي هذا المقام فإن هذه الجزر باعتبار أنها كانت محلا للسيادة المصرية لا يمكن أن يتنازل عنها كائنا من كان، وأن التنازل عن أرض أمر ترفضه كل الدساتير  على مر تاريخ مصر، حتى ذلك الدستور الأخير الذي أقره المنقلب من خلال لجنة الخمسين، كما أن حقائق الجغرافيا والتاريخ تؤكد سيادة مصر على الجزيرتين من كل طريق. 

ثم كان ذلك الحكم القضائي القاطع والبات من المحكمة الإدارية العليا في حكم تاريخي من مجلس الدولة ليؤكد من غير تردد وبشكل حاسم أن الجزيرتين مصريتان، وأن ما قدم من وثائق صارت معه المحكمة مطمئنة إلى مصرية هذه الجزر، بينما لم يقدم محامي الحكومة ما ينفي ذلك أو يؤثر في عقيدة ويقين المحكمة، وإن قراءة عابرة لحيثيات حكم المحكمة يتأكد منها أن المحكمة قدمت من الأسانيد والأدلة والبراهين حيث سدت الطريق على أي محاولة لتلاعب الحكومة والسلطة التنفيذية، بل أنها أوصدت الباب على أي محاولة من الحكومة للالتفاف على الحكم بالذهاب إلى مجلس النواب.

ومع ذلك فإن ما تمارسه الحكومة الانقلابية وبتوجيهات المنقلب من مسرحية هزلية نشهدها في أرجاء البرلمان وفي لجنته التشريعية ـ ولن يكون الأمر مختلفا عند عرض الاتفاقية في الجلسة العامةـ إنما يعبر في حقيقة الأمر عما وصلنا إليه من حال يتعلق بهدم كافة المؤسسات وأدوارها الحقيقية ووظائفها الجوهرية، والسلطة التفيذية مع سبق الإصرار والترصد لا تنهدم فحسب من باب تراخيها ولكن من باب استماتتها في إثبات سعودية الجزيرتين وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الدول وبه تكون هذه السلطات أقرب ما تكون إلى وصف الخيانة على ما أقسمت من صيانة الأرض وحمايتها والحفاظ على سلامة أراضي الوطن، وهو أيضا يهدم ما تبقى من سلطة قضائية حينما لا يقيم وزنا ويستخف بحكم بات وقطعي ونهائي ويتحايل عليه  فيهدم تلك المؤسسة وينقض ما تبقى منها ويتلاعب بأحكامها، وهو في النهاية يهدم البرلمان حينما يورطه في هذه الجريمة في التفريط والتنازل فيجعله يقوم بأقبح دور حينما يتنازل عن أرض مصرية نفاقا وتمريرا وتزويرا لسلطة المنقلب بعد عقده هذه الاتفاقية الباطلة (بحكم محكمة)، فيصرح رئيس المجلس بعدم اعتداده بحكم المحكمة.

نقول وبأعلى صوت من يهدم مؤسسات الدولة ومن الذي يفتعل ما يسمى بتنازع السلطات إلا أن يقوم المنقلب بضرب السلطات بعضها ببعض ويفتعل من خلال تلاعبه صراعا وتنازعا بين السلطات؛ سلطة تنفيذية تضرب في السلطة القضائية، وسلطة تشريعية تتنازع مع السلطة القضائية، وسلطة تنفيذية وسلطة الأمر الواقع تتلاعب بتلك السلطات حكومة وبرلمانا وقضاء، إنه الاستبداد حينما يسخر من الوطن فيفرط في أرضه، ويسخر من المؤسسات فيقدمها كمؤسسات عار وينقض أصل وظائفها وأدوارها، ومن هنا كانت تلك الانتفاضات المهمة التي وقعت في الداخل والخارج لتؤكد على خيانة النظام للوطن أرضا وعرضا، ورغم أن الأمر لا يمكن أن تشكل فيه البيانات الطاقة الأساسية في الاحتجاج فإنها تعد مؤشرا مهما على ضرورة استنهاض همم عموم الناس لمواجهة جريمة الخيانة الواضحة والفاضحة، فكان هذا البيان الذي جعل من عنوانه "التفريط خيانة".

تيرانوصنافيرمصرية ... التفريط خيانة
بيان القوي والشخصيات السياسية والأكاديمية المصرية، 11 يونيو 2017

في هذا اليوم المشهود من تاريخ أمتنا ... الفاصل بين الحق والباطل.. بين الوطنية والخيانة.. بين من يدافعون عن الوطن ومن يفرطون في ترابه ومقدساته ... اليوم الذي انحدر فيه نظام يدعّي الوطنية إلى حد التنازل لدولة أخرى عن جزء من أرض مصر،عجز أعداؤنا عن استلابه بالرصاص والدم، مستدعياً برلماناً زائفاً لتمرير اتفاقية العار والخيانة.

وفي الوقت الذي يتحدث فيه قائد الانقلاب عن أراضي مصر المنهوبة، التي يُسيطر عليها أركان نظامه، ويلاحق المواطنين بالقضايا، يقوم ببيع هذه الأراضي والتنازل عنها للأجانب.

إن دفاعنا عن تيران وصنافير هو دفاع عن أرض وعرض ... عن دماء روت هذه الأرض ... عن حقوق رسخها التاريخ والجغرافيا وقننتها اتفاقيات ومعاهدات دولية، وتوجَها حكم قضائي بات لمجلس الدولة المصري .. أكد على بطلان البيع والتفريط ... فلا تحكيم ولا استفتاء في السيادة الوطنية.

إن تيران وصنافير ليست قضية حزب أو تيار سياسي ولكنها قضية سيادة وطنية ... قضية شعب بكل تياراته وفئاته ... قضية وطن بكل تاريخه وحاضره ومستقبله، الأمر الذي يفرض علينا جميعاً الوقوف صفاً واحداً في جبهة وطنية عريضة ضد أي خيانة أو تفريط.

إن التفريط في تيران وصنافيرليس منفصلاً عما يسمى صفقة القرن التي تشمل التفريط في شبه جزيرة سيناء، وفرض حصار ظالم على دولة قطر، واستهداف شامل للثورات العربية، كما أن ذلك ليس منفصلاً عن تحجيم مصر وتقزيم دورها وتدمير حاضرها ومستقبلها بمجموعة من الاتفاقيات المذلة حول مياه النيل وغاز شرق المتوسط، بل واستخدام جيش مصر أداة لتنفيذ أجندات خارجية في ليبيا وسوريا واليمن والسودان، وحصار غزة والمقاومة الفلسطينية، من أجل تصفية القضية الفلسطينية وفرض واقع جديد على المنطقة كلها.

إننا نجتمع اليوم معبرين عن ضمير هذا الوطن بكل تياراته وانتماءاته دفاعاً عن سيادته، وعن مصرية تيران وصنافير، ونؤكد الرفض المطلق لكل الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعها نظام ما بعد 3 يوليو 2013 والتي تهدد الأمن القومي المصري.

وأمام ما يقوم به قادة الانقلاب من ممارسات، نوجه سؤالنا للجيش المصري: هل تسمحون بخروج هذه الجزر من السيادة المصرية وقد سالت دماء جنود مصر عليها ومن أجلها؟ هل تسمحون للتاريخ أن يُسجل أن جيش مصر قد تخلي عن وظيفته في حماية حدود وتراب الوطن في سابقة لم تحدث في تاريخ أية دولة، وقام بالتفريط في السيادة والأرض؟

أين قسمكم وأين شرفكم العسكري، وأين عقيدتكم القتالية؟ وهل تسمحون لهؤلاء الخونة بتمرير المشروع الصهيوني على حساب شرفكم وأرض وطنكم؟ إنكم إذا قبلتم بذلك فاعلموا أن متوالية التنازل عن الأرض والعرض ستستمر، وستكونون شركاء في الجرم، وسيطاردكم عار الخيانة للأبد.

إننا نحذر كل الدول حرصا على علاقاتنا التاريخية وروابطنا الاجتماعية والدينية، ألا تتورط في اتفاقيات غير شرعية مع نظام فاقد للشرعية. لا تراهنوا على نظام غير شرعي ولكن راهنوا على الشعوب وإرادتها واحترموا حقوقها ومقدساتها، فهي مصدر الشرعية لكل النظم السياسية ولكل الاتفاقيات الدولية.

إن تيران وصنافير مصرية، وستبقى مصرية، ولن نعترف بأي وضع أو اتفاق ينال من حقوق مصر وثرواتها، مؤكدين أنه قد آن الأوان لهذا النظام، بعد كل ما ارتكب من جرائم، أن يرحل وأن نعمل جميعا على إسقاطه.
عاشت مصر حرة مصونة أرضها وترابها.

إن أهم ما جاء في ذلك البيان ليس فقط تلك الإشارة إلى مصرية الجزر أو إلى الحكم القضائي، ولكن تلك الإشارة الواعية البصيرة التي تتعلق بأن مهزلة التنازل عن الجزيرتين إنما تشكل واحدة من صفحات الخيانة في صفقة القرن التي تتخذ أبعادا عدة لا يمكن إلا أن نربط بين متوالية التفريط والتنازل عنمقدرات البلاد ومواردها من غاز وماء وأرض استراتيجية تتمثل في الجزيرتين وحصار قطر، والمشاركة في معزوفة إدانة المقاومة بالإرهاب حفاظا على مصالح الكيان الصهيوني،وفرض طبعة من السلام الإسرائيلي كما يراها الكيان الصهيوني، وما يعني ضمنا  تصفية القضية الفلسطينية في الأرض وعلى الأرض، وأبعد من ذلك أن تمارس صفقة القرن من خلال سياسات عدة تفكيك وإعادة تركيب المنطقة على المقاس الصهيوني وبدعوى مكافحة الإرهاب، كما يعني كذلك طي صفحة الثورات العربية إلى الأبد وتمكين الثورات المضادة من كل طريق كل ذلك ضمن طبعة "الشرخ الأوسخ الكبير". 

إلا أن هذا البيان يقع في ذروته ذلك الخطاب الذي يوجهه إلى جيش مصر ليضعه أمام مسؤولياته حيال قادة قلبوا العقيدة القتالية فجعلوا أمن إسرائيل أمنا قوميا مصريا وتنازلوا عن الجزر لمصلحة إسرائيل، فهل يمكن أن يصمت جيش مصر على تلك الجريمة وهذا الهوان ومسار الخيانة الفاضح، إنها قضية مصر التي تقزمت مكانة، وامتهن فيها كل شيء، واستخف هؤلاء بالأرض والعرض، واستباحوا النفس التي لها حرمتها، وصار هذا النظام علامة على الفشل تارة في سياساته وعلى الخيانة للوطن تارة أخرى في تفريطه، وعلى فاشية فشت في أرجاء الوطن ولم يعد أمام أي مواطن كريم في هذا الوطن إلا أن يطالب تلك المنظومة بالرحيل ويسهم في إسقاطها. 
0
التعليقات (0)