كتاب عربي 21

حفلة تعري "إعلامي"

طارق أوشن
1300x600
1300x600
في خضم التحضيرات لحفل زفاف ابنة وزير الداخلية في فيلم (قط وفار – 2015) للمخرج تامر محسن، يصل خبر وفاة ألطاف حسنين القط، ابنة عم الوزير عباس القط، إلى علم سعيد عبد الجليل، رئيس مجلس إدارة جريدة قومية كبرى.

سعيد عبد الجليل: برضه مش بيرد.
السكرتيرة: أكيد مشغول في إجراءات الدفن.
سعيد عبد الجليل: أو جايز مشغول في الحفلة.
السكرتيرة: طيب.. احنا كنا بعثنا ورد باسم سعادتك وزمانه في السكة.. تعمل ايه؟
سعيد عبد الجليل: مش عارف.

السكرتيرة: لو حضرتك عاوز الناس تلحق تنشر نعي في أول طبعة بكره لازم نبتدي نبلغ دلوقتي.

سعيد عبد الجليل: ايوه.. بس لما أعرف الأول إن كان فرح ولا عزاء.. أبعث ورد ولا أنزل نعي.. لو فرح وأنا عملت نعي وبلغت المسؤولين حتبقى مصيبة، ولو عزاء وأنا تجاهلت الموضوع كله رغم علمي بيه وكمان بعثت ورد.. لأ لأ.. حتبقى المصيبة أكبر.. أنا مش عايز أغلط.

السكرتيرة: يا افندم ده اتصل بيك علشان يلاقي واحد من قرايبه يبلغه.. معقول يعمل حفلة وبنت عمه لسه ميتة؟
سعيد عبد الجليل: ومعقول حفلة بنته ايلي عازم فيها نص كبارات البلد يلغيها علشان الست ألطاف أم حمادة الفار ماتت.. لأ لأ أنا مش حأعمل حاجة من نفسي.. أنا حأكلهم في الوزارة وهما يقولوا لي.. آه، الغلطة بفورة.

الأكيد أن رؤساء مجالس إدارة ومديرو قنوات وغرف أخبار تلقوا الرسالة من "أولي الأمر" بساعة الصفر ليلة الرابع والعشرين من مايو للانطلاق في أولى فصول حملة إعلامية "شرسة" استهدفت دولة خليجية عضوة في مجلس التعاون، أياما فقط بعد انتهاء "قمم" الرياض التي "غنم" منها السيد الأمريكي عقودا بمليارات الدولارات، واكتفى البقية بوضع أيادي على كرة أرضية منيرة أو مجرد الفرجة على المشهد من بعيد.

ساد الاعتقاد ليلتها أنها ربما تكون زوبعة إعلامية محدودة في الزمان والأهداف خصوصا مع الفشل الذريع الذي رافق أداء من أوكلت لهم مهمة "القصف واختلاق التصريحات".

لكن الواضح أن الفشل لم يمكن يوما محددا لسياسات "حرق الأرض" ولا دافعا لتوقيف "المهازل" لاستعادة الأنفاس وتصويب الطلقات على الأقل. 

الحرب الإعلامية ما كانت يوما قصفا عشوائيا ولا بحثا في الأدراج عن خبر أو معلومة مكذوبة وإعادة تدويرها. الحرب الإعلامية علم له أصوله ومنهج له نظرياته وليس أقلها قدر يسير من المصداقية يعتمد عليه في "التصريف"، وهو نقطة الضعف الأساسية عند كل منصات القصف الأخير.

لم يعد بالإمكان تطبيق مفهوم الكذب المتواصل حتى يصدقك الناس في زمن صارت فيه السماوات مفتوحة ولو سعى "أولي الأمر" إلى حجب القنوات والمواقع "المعادية" عن العالمين، في خطوة أثارت استهزاء الأقرباء قبل الأعداء.

للفشل عناوين ومقرات فضحها أصحابها ليلة الرابع والعشرين من مايو وما تلاها. والنتيجة حقيقة مفادها أن إملاء القرار الإعلامي من خارج قاعات التحرير يحوّل الأداء الإعلامي إلى مجرد حفلة تعري على المباشر مهما توالت التقارير وتناسل الضيوف وتناوبوا.

يجلس رئيس مجلس إدارة سعيد عبد الجليل قبالة حمادة الفار، عامل خدمات بالجريدة، لرغبته في نشر نعي وفاة والدة حمادة باعتبارها قريبة لوزير الداخلية.

سعيد عبد الجليل: قولي يا حمادة.. هي والدتك اسمها ايه؟ اكتبي يا نشوى..
حمادة الفار: اسمها ألطاف حسنين.

سعيد عبد الجليل: اسمها بالكامل.. ألطاف حسنين ايه؟
حمادة الفار: يا افندم متشكرين جدا.. ملوش لزمة النعي.. كده كويس..

سعيد عبد الجليل: ماهو لازم نعمل الواجب يا ابني.. اسمها ألطاف حسنين ايه؟
حمادة الفار: (بعد تردد) حسنين..... القط.

سعيد عبد الجليل: هو انت ومعالي الوزير قرايب؟ قولي يا حمادة.. جه أنا كده يا ابني عرفت والأصول أني أعمل الواجب.

حمادة الفار: امي الله يرحمها بنت عم معالي الوزير.

سعيد عبد الجليل: ده كلام يا حمادة؟ وده حاجة تخبيها علي برضه. أنا لي عتاب معاك بس ده مش وقته.

حمادة الفار: أصل هو كان محرج علينا سعادتك أن أي حد يجيب سيرة الموضوع ده لأي بني آدم.

سعيد عبد الجليل: طبعا! راجل محترم ما بيستغلش نفوذه ومش عايز حد من أهله يستفيد من منصبه.. ما أنا لو عرفت أنك قريب عباس باشا كنت عينتك مدير تحرير.

حمادة الفار: بجد؟
سعيد عبد الجليل: إنت مش بتعرف تقرا وتكتب؟
هذا في الصحافة المكتوبة أما في مجالات التلفزيون والإذاعة، فقد ساد العرف أن البراعة في فتح الفاه للتحول إلى قناة صرف صحي للشتائم والبذاءات باسم "الأسياد" ومختلف مراكز التأثير والأجهزة الأمنية، كفيل بفتح الأبواب مشرعة أمام صاحبه لاحتلال الشاشات وتصدر المشهد الإعلامي.

 في مصر، وجدت كثير من الأذرع "الإعلامية" للنظام الانقلابي الفرصة مواتية للوصول بالخطاب الإعلامي إلى دركه الأسفل قبل أن تفاجأها الأحداث بحادث أليم ذهب ضحيته عدد من الأبرياء، فخرجوا يدافعون عن "رئيس مشير"، كان وصوله للحكم على وعد تحقيق الأمن في مواجهة "الإرهاب"، فصار يستجدي سيده الأمريكي في خطاب مباشر بعد أن عجز في اتخاذ أي إجراء يطمئن الشارع كما في كل المحطات الأليمة السابقة. وحدها ليبيا "شبه الدولة" كُتِب عليها، لأهداف لا علاقة لها بما شهدته المينيا، تحمل وزر ضعف "العاجز" عن اعتقال ملثمين تحركوا بحرية في فضاء مفتوح بعد تنفيذ عمليتهم النكراء.

وكما وقع بعد ذبح أكثر من عشرين قبطيا قبل شهور، استدعت القنوات المصرية أسطوانة الأغاني "الوطنية" المتغنية ببطولات الجيش وأبطاله، على خلفية صور طائرات تقلع في اتجاه "المجهول" وانفجارات تدعي الرواية الرسمية أنها دك لمنابع الإرهاب ومراكز تدريب أجناده. وفي المقابل، صار الفشل الأمني عندهم "إنجازا" والهزيمة أمام العمليات المسلحة “انتصارا". فاشلون يغطون على فاشلين. لكن ما من أحد يضمن تقلبات المستقبل مع تغير الولاءات وعقد المصالحات. 

يستيقظ وزير الداخلية عباس القط على واقع تسرب خبر وفاة ابنة عمه الذي أراد أن يبقيه سرا لتتواصل ترتيبات حفل زفاف ابنته، فيتوجه مباشرة إلى مقر الوزارة لمعالجة آثار التسريب.

مساعد وزير الداخلية: الخبر اتسرب عن طريق مكالمات تلفونية تمت بين الساعة 3 والساعة 4.
عباس القط: مين يا يحيى؟
مساعد وزير الداخلية: سعيد عبد الجليل يا افندم.

عباس القط: أنا توقعت كده برضه... شغل يا ابني 
يقوم أحد أعوانه بتشغيل آلة تسجيل يستمعون من خلالها لمكالمات التسريب.

عباس القط (غاضبا): عامل فيها صاحبي.. ده أنا حأفرمه.. قال بيكلمني وهو متأثر. أنا عاوز ملف الكلب ده يجيني هنا دلوقتي.

للتذكير فقط...
في إطار الترتيبات التي كان يحضّر الرئيس المصري الأسبق بموجبها ابنه البكر لخلافته، شهدنا ليلة الثامن عشر من نوفمبر للعام 2009، فصول حملة إعلامية وهجوم شرس على الجزائر تواصل لأيام واستعملت خلاله كل الأسلحة الدنيئة للمس بشرف أبناء البلد والتشكيك في تاريخ وحاضر البلاد.

اليوم، ونحن على أعقاب تحضير "الخلافة" في كثير من أنظمة منطقة الشرق الأوسط، نعيش فصول ذات التجربة مع بعض الاختلاف في السياقات. إعلام الدول "الكبرى" يعيب على قطر أنها دولة كبرت فصارت قناة. لكن الأكيد أن من يدعون العظمة هم الذين صغروا وصغروا وصغروا لدرجة لم يحصّلوا معها "قناة".
2
التعليقات (2)
أيمن عصمان ليبيا
الجمعة، 02-06-2017 04:47 ص
حتى مواخير العهر السعودي والإماراتي الإعلامية فاشلة!!!!، أحسنت أستاذ طارق
محمد
الخميس، 01-06-2017 11:11 م
لا فُض فوك أستاذنا طارق