مقالات مختارة

في موسم بيع الأوهام

فهمي هويدي
1300x600
1300x600
في اليوم الذي أعلن فيه رئيس البنك المركزي المصري أن العام المقبل (2018) هو عام «الطفرة»، كانت إحدى سيدات محافظة الشرقية تجلس أمام مبنى المحافظة ووراءها لافتة، أعلنت فيها أنها تريد بيع طفلها لكي يعيش إخوته الآخرون! والمسافة بين الإعلانين ترمز للمسافة بين تصريحات المسؤولين وكلام «الجرايد»، وبين الواقع الراهن. ذلك أننا نلاحظ في الوقت الراهن إسرافا من جانب المسؤولين في الحديث عن الإنجازات ودغدغة المشاعر، الذي بات يملأ صفحات الصحف القومية على الأقل. في الوقت الذي تتعدد فيه وتتعقد حينا بعد حين مظاهر معاناة الناس.

 وأيا ما كانت جدية الأم في محاولة بيعها لطفلها، فأظن أن أحدا يمكن أن يجادل في أن مصر أصبحت أحد أهم البلدان التي تروج فيها تجارة الأعضاء البشرية. فضلا عن أنها صارت مصدرا للهجرات البشرية عبر البحر إلى أوروبا. كما لا أظن أن أحدا يمكن أن ينكر أن تعويم الجنيه المصري وفقدانه نصف قيمته، صار نقطة تحول موجعة لملايين المصريين الذين تم إفقارهم تلقائيا بسببه، خصوصا أن التعويم اقترن بموجة موجعة أيضا لزيادة الأسعار، كرست الإفقار ووسعت من دائرته. وليت الذين ينشغلون بمتابعة النشطاء وتسجيل ما يبدونه من آراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو التنصت على مكالماتهم الهاتفية يصرفون بعضا من وقتهم للاستماع لصوت المجتمع ورصد صور معاناة الناس في الأسواق، التي باتت تبيع فضلات الطعام، بعدما عز الطعام ذاته، أو جمع قصص تفننهم في الاحتيال للاستمرار في الحياة ببعض الكرامة، وأحيانا بلا كرامة. هذا الإجمال له تفصيلات صادمة، لا يتسع المجال لذكرها، وأكثرها مما يشيب له شعر الرأس، وإذا تعرضنا لها فقد يعد ذلك إزعاجا للسلطة وتكديرا لمزاجها، وربما اعتبر من قبيل نشر الغسيل القذر. وعواقب الأمرين لا تحمد وقد لا تحتمل.

لست ضد الحديث عن الإنجازات بطبيعة الحال، وما آخذه على تصريحات المسؤولين هو «الإسراف» في ذلك، وأشدد على أن الإنجاز الحقيقي هو الذي يستشعره الناس وليس الذي يقرؤون عنه في الصحف. وفي عدة مرات سابقة ذكرت أن تحقيق الإنجاز قد يستغرق وقتا، لكن الثقة في بلوغ المراد تشجع الناس على الصبر والاحتمال، وتهتز تلك الثقة إذا حددت للإنجاز مواعيد ثم جرى الإخلال بها، كما تهتز إذا استحكمت معاناة عموم الناس. ثم جرى الإغداق على بعضهم دون غيرهم، أو حين يتم تقليص الإنفاق على بعض الضروريات (التعليم والإسكان والصحة مثلا)، ثم فتح الخزائن بغير حساب لحساب مشروعات لا أولوية لها، أو مشروعات أخرى كمالية أو ترفيهية لا ضرورة لها. ناهيك عن البذخ في الإنفاق على فنادق وبنايات تخص بعض الأطراف المتميزة في مواقع السلطة.

يفاقم المشكلة ويثبط الهمم، أن يشعر المجتمع بأنه معزول عما يجري وليس شريكا فيه. كما أن بين المتحدثين من يستهين بالناس، فيطلق التصريحات والوعود مطمئنا إلى أنهم من السذاجة بحيث يصدقون كل ما يقال، أو أنهم من الوهن والاستسلام بحيث لا يجرؤون على المساءلة والحساب. وحين يتمادى المسؤولون في ذلك مطمئنين إلى أن الناس يصدقون أو يبتلعون ما يقال لهم، فإنهم ينسون أن الدنيا تغيرت، وأن الحقائق يتعذر إخفاؤها. كما أن ما لا يقال في الصحف يملأ مواقع التواصل الاجتماعي. ناهيك عن أن سكوت الناس لا يعني أنهم يبتلعون ما يقال لهم ويهضمونه، غير مدركين أن هناك من يختزن المشاعر ويراكمها، وعليه، فالسكوت ليس علامة استسلام وقبول، ولكنه من قبيل الصبر على المكاره، الذي له حدوده وأجله.

مهما علا الضجيج الإعلامي، ومهما كانت الوعود مبشرة وجذابة، فإن الإنجاز إذا لم يطرق أبواب بيوت الناس، وإذا لم يؤد إلى طمأنتهم وإعادة الثقة إلى نفوسهم، فإنه سيظل من قبيل الطبل الأجوف لا يسمعه إلا الذين يقرعون الدفوف ويتصدرون «الزفة».

الشرق القطرية
1
التعليقات (1)
أيمن عصمان ليبيا
السبت، 20-05-2017 12:38 م
إعادة الجيش لوضعه الطبيعي حاميا للوطن وليس صانعا للمعكرونة!!!!! هي من ستنقذ مصر من الكارثة القادمة إن استمر تغول الجيش على الاقتصاد ، لا نهضة لمصر تحت حكم نظام العسكر ، أحسنت أستاذ فهمي

خبر عاجل