كتاب عربي 21

فشل الانتخابات المحلية الفلسطينية

عبد الستار قاسم
1300x600
1300x600
جرت انتخابات محلية فلسطينية بتاريخ 13/أيار/2017 لاختيار أعضاء المجالس البلدية والقروية. 

جرت هذه الانتخابات بهدوء إلا من حالات نادرة، وسادها جو من الطمأنينة والنزاهة. غابت حركة حماس عن المشهد الانتخابي، الأمر الذي ينتقص كثيرا من الوصف الديمقراطي للانتخابات. 

حماس قررت عدم خوض الانتخابات ولم توافق على إجراء انتخابات في قطاع غزة، وهذا يُحسب على حماس وليس لها. إنما ماذا كان من الممكن أن يحصل لو أن حماس خاضت الانتخابات بقوائم انتخابية خاصة بها؟ من المتوقع أن تقوم الأجهزة الأمنية الفلسطينية بإجراءات ضد من يحملون عنوان حماس، وأن يقوم الصهاينة بإجراءات أكثر قسوة ومنها الاعتقال. الأجواء في الضفة الغربية ما زالت غير مناسبة للادعاء بأن هناك انتخابات ديمقراطية، كما أن الديمقراطية في غزة غير متاحة.

على أية حال، جرت الانتخابات وجرى فرز الأصوات، وتشكلت مجالس بلدية وقروية جديدة. من الناحية الشكلية، الانتخابات تمت، وفاز من فاز وفشل من فشل، لكن من الناحية الجوهرية والتي يتحدد وفقها نجاح أو فشل الانتخابات، هناك الملاحظات التالية:

1. غابت التنظيمات الفلسطينية بصورة واضحة عن المشهد الانتخابي، وأغلبها لم يشكل قوائم انتخابية للمزاحمة الانتخابية. بعض الفصائل خاضت الانتخابات تحت عباءات العائلات بخاصة في القرى، واكتفت بعدد محدود من المرشحين، وتركت أغلب المرشحين للعائلات التي ضمتها تحت إبطها. هذا أمر يؤكد الضعف الجماهيري الذي باتت الفصائل والأحزاب الفلسطينية تتميز به. واضح أن التنظيمات واثقة بأن جماهيريتها قد انخفضت بصورة حادة، وأن الجمهور الفلسطيني لم يعد يثق بها.

2. حلت العائلات بخاصة في القرى محل التنظيمات الفلسطينية لقيادة الحملات الانتخابية. حصل فراغ اجتماعي وسياسي كبير على الساحة الفلسطينية بسبب غياب التنظيمات، والتاريخ يكره الفراغ. وبسبب غياب النخب السياسية والثقافية والاجتماعية عن المشهد الانتخابي، كانت العائلات هي البديل الذي يملأ الفراغ الحاصل. وهذا مؤشر خطير على مستقبل الشعب الفلسطيني. التركيب الاجتماعي القبلي أو العائلي هو تركيب افتراقي وعنصري وغير وحدوي، وهو يهدد الوحدة الوطنية الفلسطينية ويهدد التماسك الاجتماعي، ويفكك القدرة على اعتماد منظومة قيمية وطنية إنسانية يتمسك بها الجميع. لكن للفراغ مساوئ، وأحد مساوئه هو التضحية بتماسك المجتمع وبمستواه الأخلاقي.

3. الملاحظ أيضا أن مشاركة الناس في الانتخابات منخفضة جدا بخاصة في المدن. سيطرت العائلات على المشهد الانتخابي في القرى، فجاءت نسبة المشاركة الانتخابية عالية، ذلك لأن العائلات قادرة على حشد طاقاتها الانتخابية بيسر وسهولة ودون تكاليف تذكر. استفزاز المشاعر العائلية والانتماء العشائري في المجتمع العربي سهل ويجد آذانا صاغية. أما في المدن حيث يبقى الترابط العائلي أضعف منه في القرى، كان من الصعب حشد الناس لكي يدلوا بأصواتهم. عزفت نسبة لا بأس بها من الناس عن التصويت، وربما كانت أضعف النسب في مدينة نابلس. تقول الأرقام الرسمية إن نسبة المصوتين في نابلس بلغت حوالي 20%، ويقول آخرون غير رسميين إن النسبة لم تتعد 14%.

4. تشير نسبة المشاركة الانتخابية الضعيفة، والتكتل العائلي إلى مأساة حقيقية تواجه الشعب الفلسطيني على المستوى الداخلي. ضعف النسبة يؤشر على فقدان الناس للثقة بالمجالس البلدية والقيادات المجتمعية والسياسية. الناس يعزفون عن المشاركة عندما يرون أنه لا فائدة مما هو قائم وأنهم لا يريدون المشاركة العبثية. غياب ثقة الناس بالقيادات والنخب والمؤسسات والأحزاب يعني أن المجتمع يجنح نحو الاغتراب والشعور بالوهن والضعف والخسران. الاغتراب خطير على المجتمع لأنه يكرس العزوف والتبعية والاستهتار، ويضعف مشاعر الولاء والانتماء والرغبة في خدمة الصالح العام. وإذا كان هناك من سعداء بضعف نسبة المشاركة في الانتخابات فهم الصهاينة الذين يرون في المشهد انتصارا لهم. لسان حال الصهاينة يقول إنه إذا كان الفلسطيني لم يعد مكترثا بمن يقدم له الخدمات، فهو لن يكون مكترثا بمن يحكمه أو يسيطر عليه. أي أنه جاهز للتعايش مع الاحتلال بدون مشاكل.

5. والعائلية مؤشر قوي على ضعف التماسك الاجتماعي لأن العائلية والعشائرية والقبلية بالتعريف ترتيب اجتماعي عنصري تعصبي يعمل على إلغاء الآخر وإقصائه. القبلي استحواذي متعصب لقبيلته، وهي مصدر أمنه واستمراره في الحياة، ومصلحتها تبقى فوق مصلحة الوطن والشعب. القبلي متحوصل، ولا يرى أمنا اقتصاديا أو جسمانيا له إلا من خلال القبيلة، ويرى في الدولة تحديا له ولسلطة شيخ القبيلة ومجمل الترتيب الاجتماعي القبلي. وهذا الترتيب يشكل هدية للصهاينة من حيث أنهم يبيتون مطمئنين لتركيبة اجتماعية فلسطينية غير صحية ومستعدة للتضحية بالمصلحة العامة من أجل المصلحة الخاصة. ومعروف في التاريخ العربي كيف استفادت السلطة السياسية من الترتيب القبلي من أجل تكريس سياسة فرق تسد، أو بتوفير الولاء القبلي للسلطة من خلال ما يقدم للقبيلة من منح مادية ووجهية.

لو كان للفلسطينيين سلطة عاقلة تدرس الأمور علميا لقررت قيادتها الغياب عن المشهدين السياسي والاجتماعي. تطور العائلية يشكل فشلا سياسيا لأنه يؤكد فشل مختلف البرامج الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية للسلطة السياسية. 

وضعف المشاركة في العملية الانتخابية يدلل على غياب ثقة الناس بمؤسساتهم وقياداتهم. وعندما تغيب الثقة، يغيب العمل الجماعي، فيفتر الإنتاج وتتفكك الأواصر.  وهناك الكثير من المبررات على مختلف المستويات التي تدعو قيادات السلطة الفلسطينية إلى الرحيل.

0
التعليقات (0)