نحاول بهذا المقال أن نقارب المعنى الذي يفهم به الرئيس التونسي "تصحيح المسار" وعلاقته بقضيتي الشرعية (بمعنى الأساس القانوني) والمشروعية (بمعنى الإنجاز) خلال حالة الاستثناء "إلى إشعار آخر"، أي إلى حين اكتمال شروط "شرعنة" تصحيح المسار وجعله دستورا للجمهورية الثالثة، كما تعكس ذلك خطابات الرئيس وإجراءاته
إن تقاطع الرئيس مع بعض رموز المنظومة القديمة في الموقف من "الإسلام السياسي" وفي القرب من محور إقليمي معروف، وتقاطعه معهم في نقد النظام البرلماني المعدل والميل إلى النظام الرئاسي، لا ينبغي أن يجعلنا نغفل عن الاختلافات الجذرية بينه وبينهم في مستوى الطرح السياسي العام،
ما لم تفهمه "العائلة الديمقراطية" إلى حد الآن هو أن صراع الرئيس ضد حركة النهضة سببه الأهم هو أنها الحزب الأهم في الديمقراطية التمثيلية وفي المنظومة الحزبية، كما لم تفهم أن الرئيس كان سيصارع أي حزب آخر لو اختلفت السياقات، ولو كان ذلك الحزب دستوريا أو قوميا أو يساريا
تونس تحتاج إلى خارطة طريق تعيد هندسة المشهد السياسي وتعيد للثورة مضمونها الاجتماعي بعيدا عن منطق الإقصاء أو التعامل الانتقائي (من لدن الرئيس وأنصاره)، وبعيدا أيضا عن سياسة الهروب إلى الأمام وعدم تحمل المسؤولية ورفض المراجعات الجذرية (من لدن النهضة وقياداتها التوافقية التي أثبتت الوقائع فشل سياساتها)
النخب التي أدارت تونس بعد الثورة قد فشلت في التخلص من ميراثهما معا. وهو فشل جعل ورثة المنظومة القديمة يتصدرون المشهد العام ويتحكمون – من مواقعهم المختلفة - في مسار الانتقال الديمقراطي ومخرجاته الهشة
رغم أن موضوع العدالة الانتقالية كان موضوعا "إجماعيا" بين مختلف الفاعلين الجماعيين بعد هروب المخلوع، فإن مسار "الانتقال الديمقراطي" - بالإضافة إلى كون أغلب المستفيدين من جبر الضرر هم من النهضويين رغم وجود غيرهم من اليساريين والقوميين بل الدساترة - جعله يتحول إلى موضوع تنازع أيديولوجي وسياسي
حركة النهضة لن تستطيع مغادرة هذه "الوظيفة" إلا عندما تمتلك الشجاعة للاعتراف بطابعها "العلماني" من جهة أولى، ثم تنحاز من جهة ثانية بصورة مبدئية للمقهورين وضحايا المنظومة بصرف النظر عن خياراتهم الفكرية والسلوكية، رغم ما يعنيه ذلك من خسارة لجزء مهم من قاعدتها الانتخابية
مهما كانت مواقفنا من رئيس الجمهورية التونسية السيد قيس سعيد ومن طبيعة مشروعه السياسي أو حقيقة ارتباطاته محليا وإقليميا ودوليا، فإن وصوله إلى قصر قرطاج قد أظهر مدى هشاشة التوافقات الانتهازية التي حكمت تونس
لعل انحصار مقترح الرئيس في المستوى السياسي وتجنبه أية مقترحات اقتصادية واجتماعية؛ يدلان على هشاشة ذلك المقترح واشتغاله بمنطق "التأجيل" المتعمد للقضايا الحقيقية للفئات المسحوقة، التي جعل الرئيس نفسه ناطقا أوحد باسمها
مهما اختلفنا في تحديد دور رئيس الجمهورية في الأزمة الحالية، ومهما تباينت آراؤنا في توصيف حقيقة ارتباطاته الداخلية والخارجية، فإن الإنصاف يقتضى منا التذكير بأن هذا الوافد "الملتبس" على الحياة السياسية لا يفعل غير تعرية أزمة سابقة عليه، والدفع بها نحو نهاياتها المنطقية
بالإضافة إلى مخاطر "تسييس" المؤسسة العسكرية وإقحامها في الصراعات العبثية بين الرئيس وخصومه، فإن التوجه إلى القضاء العسكري في قضايا تهم مدنيين وترتبط بحق النشر والتعبير، سيظل هاجسا يهدد التجربة الديمقراطية التونسية ما لم يبادر المشرّع إلى حسم هذه القضية.
مجمل ما يُسمى بـ"الانتقال الديمقراطي السياسي" هو انقلاب ناعم على روح الثورة وعلى انتظارات التونسيين، وهو ما يجعلنا نعتبر الوثيقة جزءا من مسار انقلابي كامل
حضور الرئيس التونسي للمؤتمر الباريسي هو تعبير عن اندراج تونس في الاستراتيجيات الفرنسية في المنطقة وحرصها على عدم التخلص من "الوصاية" الفرنسية أو استعمارها غير المباشر لتونس، ثقافيا واقتصاديا