مقالات مختارة

السقوط المستمر

هشام ملحم
1300x600
1300x600
كتب هشام ملحم: تميزت 2014 ببروز "الدولة الاسلامية" (داعش) خطرا إقليميا وعالميا بعدما أحكمت سيطرتها على أراض واسعة في سوريا والعراق، ومع زيادة نفوذ إيران بشكل مهيمن في سوريا والعراق ولبنان واليمن وتفاقم نزاعات هذه الدول، إلى ليبيا. وحتى في مصر، وعلى رغم تأكيد النظام القديم سيطرته على السلطة المركزية بحلته الجديدة بعد هزيمة الإخوان المسلمين، واعتقال قياداتهم، فإن الدولة المركزية لا تزال تجد نفسها أمام تحد إسلامي يتمثل بقوى متطرفة تمنع جيش مصر من السيطرة الكاملة على شبه جزيرة سيناء وتهدد بقية مصر. صحيح أن العراق تفادى خطر التفكك والتقسيم الرسمي، إلا أن مستقبله دولة موحدة لا يزال مشكوكا فيه، كما لا يزال وضعه السياسي هشا للغاية ومعرضا لانهيارات جديدة. في لبنان، وبعدما زج "حزب الله" نفسه في اتون الحرب السورية، يواجه البلد الهش سياسيا في الأصل تحدي تفاقم المواجهات في 2015 بين تيارات إسلامية سنية متشددة مثل "جبهة النصرة" وغيرها و"حزب الله" الذي يحاول استدراج الدولة اللبنانية ومؤسساتها الضعيفة في المواجهة مع أعدائه في لبنان وسوريا.

كل هذه النزاعات السياسية والأمنية تتفاقم على خلفية انهيارات اجتماعية واقتصادية مرعبة تتمثل بأزمة لاجئين ومقتلعين سوريين وعراقيين تهدد منطقة المشرق بكاملها، جلبت معها تطهيرا مذهبيا ودينيا بشعا لا سابق له منذ حقبة الاستقلال. الكساد الاقتصادي في سوريا وإلى حد أقل في الدول الأخرى التي تستمر فيها الصراعات السياسية والفوضى الأمنية ستكون له مضاعفات بعيدة المدى على مستقبل هذه المجتمعات والدول المرشحة لمزيد من التفكك.

مختلف المؤشرات تبين أن سنة 2015 مرشحة لمواجهات أوسع وأشرس سوف تضطلع فيها التيارات الإسلامية الناشطة خارج إطار الدولة بالدور الأبرز في مواجهة دول ذات بنى سياسية واقتصادية ضعيفة لم تكن لتبقى على قيد الحياة بشكلها الراهن في وجه التيارات المتشددة لولا الدعم الخارجي الذي يقدمه ائتلاف دولي وإقليمي أقل ما يقال فيه إنه غريب لأنه يضم الولايات المتحدة ودولا عربية وإيران.
في 2015 لا يبدو أن أيا من اللاعبين الرئيسيين الناشطين على هذا المسرح الدموي في المشرق العربي أكانت إيران أم دول الخليج العربية، أم الحركات التي تدعي أنها إسلامية والولايات المتحدة، سيحقق انتصارا حاسما في هذه المواجهات التي يحاول بعض قادتها صياغتها على أنها مواجهات "وجودية" وخصوصا بعد محو الحدود الفاصلة بين اللغة السياسية واللغة الدينية. سوف تنحسر الهوية العربية لشرق المتوسط في 2015 في مقابل نمو النفوذ الإيراني وحتى التركي، على خلفية السقوط العربي المستمر.



(صحيفة النهار اللبنانية)
التعليقات (0)