كاريكاتير

على جدران إسبانية .. "زيتون" يكشف نصف وجه "حنظلة"

شخصية حنظلة الشهيرة، رسم ناجي العلي - أرشيفية
شخصية حنظلة الشهيرة، رسم ناجي العلي - أرشيفية
بدأت رسومات لشخصية غريبة تغزو شوارع العاصمة الإسبانية مدريد، حيث يمكن رؤيتها في الشوارع على الجدران وواجهات المؤسسات والساحات العامة خصوصا في منطقة "لابا بييس" التي تعرف بأنها "حي المهاجرين".

"زيتون" هي شخصية طفولية مشاكسة ومرحة، بريشة الفنان الفلسطيني محمد الطيب (35 عاما)، الذي أسس مع عدد من الشعراء، أغلبهم من العرب المقيمين بإسبانيا، مبادرة "زيتون" التي تجمع عددا من مثقفي المهجر في إسبانيا اجتمعوا على دعم الثقافة العربية، من خلال تنظيم ورش ثقافية ومعارض فنية والمشاركة في التوعية بالثقافة العربية في إسبانيا ودعم تعايش الشعوب والثقافات.

وهذه الشخصية التي رسمها الطيب لم تأت من فراغ، حيث قال الفنان الفلسطيني للأناضول "لقد استوحيت شخصية زيتون من شخصية حنظلة الشهيرة التي رسمها الفنان الفلسطيني ناجي العلي"، مضيفا أنها "قصة طويلة تعود بشيء من الاكتشاف الى إبداعات الفنان الفلسطيني ناجي العلي الذي رسم 40 ألف كاريكاتير قبل أن تسكته لغة العنف والقتل، عندما تم اغتياله في ظروف غامضة عام 1987 في لندن".

وبالعودة إلى تاريخ رسومات ناجي العلي فإن شخصية وحيدة لم تكشف عن وجهها في رسوماته، ورغم ذلك فإنها أشهر شخصية كاريكاتيرية في العالم العربي، حيث أصبح "حنظلة" رمزا للهوية العربية.

"حنظلة" شخصية الطفل الذي يبلغ 10 سنوات، الرافض للحلول الخارجية التي تقرر مصير فلسطين، لم يلتفت يوما إلى الناس، ظل دائما يواجه العالم بظهره، بملابسه المرقعة وقدميه الحافيتين، وظل رمزا للتحدي في ذاكرة الشعب الفلسطيني، حتى بعد رحيل ناجي العلي.

"حنظلة" كما رسمه ناجي العلي قرر أن يلتفت للعالم فجأة في شخصية "زيتون" بريشة محمد الطيب، لكنه هذه المرة أيضا لن يعلن عن كل ملامحه.. سيكشف فقط عن نصف وجهه.. يرمق الاحتلال الاسرائيلي بغضب.. ويلف رأسه بالكوفية الفلسطينية، وينكر ذاته.. لكنه يعلن القضية.

ومحمد الطيب هو فنان فلسطيني آخر، لكنه من الجيل الجديد الذي توزع اللجوء على خارطة روحه، لجأ من فلسطين إلى سوريا ومن سوريا إلى لبنان ومن لبنان إلى إسبانيا.. ومن إسبانيا إلى نقطة ما في جغرافيا الوجع.

وقرر محمد أو كما يلقبه أصدقاؤه الإسبان "موخا" أن يلتقط ريشته ذات صباح ليكشف وجه حنظلة الذي لم يكشفه أحد.

وجد محمد الطيب أن شخصية "حنظلة" لناجي العلي تمثل جانبا مهما من النضال الفلسطيني ويقول حول ذلك : "أحببت شخصية "حنظلة" واستوحيت منها شخصية "زيتون"، لأنها كما هو معروف في التاريخ الفني العربي جسدت الواقع الفلسطيني".

وأضاف أنها "شخصية طفل فلسطيني مكتف اليدين، كما هو حال العالم العربي بعد حرب 1973 (بين مصر وسوريا من جانب وإسرائيل من جانب آخر)، ولم يظهر وجهه في انتظار ان تصبح الكرامة العربية أكثر احتراما.. وما فعلته هو أنني قمت بكشف نصف وجه زيتون للإشارة إلى مرحلة من نضالنا، وهنا تجد أن زيتون ليس إلا حنظلة يكشف نصف وجهه".

ومضى قائلا "عندما يكتمل نضالنا بإعلان دولة فلسطين كدولة مستقلة حرة، يمكن لكل من "زيتون" و"حنظلة" أن يكشفا وجهيهما بالكامل حيث لا خوف ولا احتلال غاصب لأرضنا".

لقد نقش الطيب شخصية "زيتون" التي باتت مشهورة في شوارع مدريد، حيث بات رمزا لآلام المهاجرين واللاجئين وحتى الفقراء الإسبان ممن طحنتهم الأزمة الاقتصادية في مدريد.

على جدران ساحة لافابييس يظهر رسم زيتون.. وهو يرمق كل العنصريين في إسبانيا مدافعا عن المهاجرين الذين جعلوا من الساحة ميدانا للتجمع والتعايش ومناقشة قضاياهم.

زيتون أيضا يعتبر رمزا لضحايا الأزمة الاقتصادية الإسبانية، فهم يرفعون رسمه الملفت للانتباه عندما يحتلون مقرا مهجورا لإحدى الشركات الكبرى ويسكنون به، أو يرفضون إخلاء بناية سكنية حجزها البنك.

المترجم والناقد المصري محمد أنس يعيش في مدريد، قال للاناضول إن "مبادرة زيتون تشكل جانبا من رؤية جيل جديد من المثقفين الفلسطنيين وشعراء وفنانين شباب من دول الشرق الأوسط المقيمين في إسبانيا، والذين يعكسون في أعمالهم قضايا بلدانهم الاصلية، ويسعون للمشاركة في تحليل لأحداث وإعادة قراءة التاريخ خلال وجودهم في المهجر كما يحاولون خلق بعد ثقافي لهذا التواجد".

وأضاف أن "شخصية زيتون للفنان محمد الطيب تحمل دفاعا عن القضية الفلسطينية على طريقة حنظلة لناجي العلي، كما ترمز لشخصية الفنان الفلسطيني محمد الطيب الذي رسمها، وكل ما عاناه كشاب فلسطيني عاش مكرها خارج وطنه".

ومضى أنس قائلا إن "حنظلة وزيتون هما رمزان للقضية الفلسطينية وآلام البشرية وانعكاس السياسات الدولية على الإنسان بشكل عام".

بعد أن استقر "زيتون" على جدران مدريد، قرر الطيب أن يسلط منابع الضوء على شخصية "زيتون" الفريدة ليوثق ملامحها بعدسته في فيلم وثائقي يحمل اسم الشخصية لرصد قضية فلسطين التي ليست إلا قضية المخرج ومؤلف الشخصية.

فيلم  "زيتون" مدته 50 دقيقة، أنتجته "مبادرة زيتون"، وهو يوثق رحلة رسم كاريكاتيري يرمز لعذابات الفنان الذي عاش رحلة تنقل ولجوء دائم.

وقال الطيب إن "الفيلم لا ينطلق من سيناريو بل من حكاية"، مضيفا أنها "قصة طفل من الجيل الجديد من أبناء فلسطين الذين عاشوا في المنافي، لقد أخذ زيتون الى جانب هويته الفلسطينية هوية سورية وهوية لبنانية وهوية إسبانية، إنه مزيج من الأشياء، وله ارتباط بعدد من الأمكنة، لهذا فقضيته مسافرة دوما، وتلتقي بكل قضية وجع أخرى، ومن هذه الفلسفة يتواصل الحوار الذي يظهر فيه زيتون بشكله الذي عرفته شوارع إسبانيا".

يحاول الفنان التشكيلي والمخرج الفلسطيني محمد الطيب في فيلمه أن يكتشف ما يخبئ من الوجه الطفولي لشخصية زيتون.

كما تعمل مبادرة زيتون على إنتاج لعبة فيديو وثائقية ترصد القوانين والاتفاقيات الدولية المرتبطة بمصير "زيتون" الفلسطيني الذي يثور غضبا أمام هذا الكم الهائل من الحزن الذي تقره الاتفاقيات الدولية في حين تستمر آلة القتل الإسرائيلية في هدم الحياة في الأراضي المحتلة، بحسب الطيب.

وقال الفنان الفلسطيني إن "لعبة الفيديو الوثائقية الخاصة بزيتون هي لعبة توثق القانون الدولي والقرارات وحتى الأحداث المهمة التي حصلت في فلسطين، وخلال رحلة زيتون في الضفة أو دمشق أو بيروت أو مدريد، فإنه يأخذ عدة اتجاهات ويمر من عدة شوارع وخلال كل موقف تظهر قضية ومعلومات موثقة".

وكما بات "حنظلة" رمزا للقضية الفلسطينية.. بات "زيتون" مشروعا ثقافيا واسع النطاق حيث تتبناه مجموعة من الشعراء والصحفيين والناشطين العرب وعدد من المؤسسات الإسبانية الناشطة في مجال الثقافة والتعايش وعدد من الناشطين من مختلف أنحاء العالم.

وانطلاقا من ذلك يتم تناول قضية اللاجئين، فـ "زيتون ينتقد بيروقراطية المؤسسات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين"، بحسب الطيب

الطيب أضاف أن "شخصية زيتون ترفض أن تكون ضحية تستدعي التعاطف، بل هو رمز للنضال والبحث عن الحرية تماما كفلسطين".

وعلق الفنان الفلسطيني قائلا : "زيتون ليس شخصية واحدة.. هناك مثلا زيتون الفلسطيني الذي يناقش قضية القدس والعودة والانتفاضة، وزيتون السوري الذي يناقش الثورة ومصير بلد تتنازعه القذائف، وزيتون الموريتاني الذي يناقش تدخل الجيش في السياسة وزيتون الليبي الذي يبحث عن الاستقرار.. وهكذا".

واعتبر الطيب أن "قصة هجرة زيتون الصغير من فلسطين وصولا إلى اسبانيا جعلته شخصية متعددة الهويات، إلا أن مسقط روحه يبقى واحدا.. أرض فلسطين".
التعليقات (0)