كتاب عربي 21

معارك التنظيمات

شريف أيمن
1300x600
1300x600
يتبادر معنى التنظيمات في الذهن إلى التنظيمات الإسلامية بشكل حصري، لكن مفهوم التنظيمات أوسع من ذلك فهو يضم أي تنظيم ينشأ لخدمة فكرة أو تجمعات بشرية كالأحزاب والجمعيات والطوائف والمذاهب حتى يضم في منتهاه جهاز الدولة، إذ هو مؤسسات/تنظيمات (إدارية - تنفيذية - عسكرية - أمنية - معلوماتية) تعمل لتنظيم شؤون الجماعة المحددة بحدود سياسية، وإذا قَرَّ ذلك في الذهن فسيمكن إدراك معنى معارك التنظيمات.

يشترك الساسة المصريون في تحديد التنظيمات الفاعلة بمصر في (المؤسسة العسكرية والإخوان والكنيسة) أما تنظيمات الأحزاب فهي موجودة ولها أثرها لكنه يبقى محدودا مقارنة بباقي التنظيمات، وكذلك يتضاءل تأثير الكل أمام مؤسسة تملك السلاح إذا قررت استخدامه بخشونة.

استجَدَّ عقب الثورة المصرية في كانون الثاني/يناير 2011 نشوء دور (مباشر) للمؤسسة العسكرية في إدارة الدولة، وبروز دور الجهازين الأمني والاستخباراتي في عملية الإدارة، وهي أدوار لم تغِبْ في أي وقت قبلها لكنها اتخذت أبعادا جديدة في الحالة السائلة عقب الثورة وبلغت ذروتها قبل وبعد انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 وأصبح الجهازان الأمني والاستخباراتي أندادا للمؤسسة العسكرية لا مجرد أدوات معلوماتية أو باطشة وإن كانت تلك النديّة تضع حسابات تفاوت موازين القوى في الحسبان، وعلى مسار موازٍ ظنت أحزاب وحركات 30 يونيو/حزيران أنها شريكة كذلك باعتبار ما قدمته من غطاء سياسي لعملية إزاحة النظام السابق، لكنهم سرعان ما أدركوا أنهم خارج المشهد، ويبدو أن المؤسسة الأقوى تململت سريعا من نديّة المؤسستين الأخريتين وأرادت استعادة تمايز وضعها فقامت بتدخلات خشنة في الجهاز الاستخباراتي وقامت بعمليات تغيير شملت رئيسين للجهاز بخلاف وكلائه وعشرات من أفراده، كما هيمنت تماما على الخطوط العريضة للتوجه الأمني فأصبح التململ متبادلا وحدثت خروقات لم تعد صالحة للرتْق في ثوب تحالف 30 يونيو/حزيران وبدت سَوْءة نظام الحكم.

كانت أزمة تيران وصنافير إحدى مراحل تعميق الخلاف بين التنظيمات الأهم بجهاز الدولة، وتواترت النقولات عن سخط الأطراف كلها من إدارة رئيس السلطة التنفيذية خاصة عقب اتفاقية التنازل عن الجزيرتين، وبدأنا نسمع عن تعاون أطراف داخل الدولة لإعاقة عملية التنازل وخرجت أصوات غير مألوفة في الإعلام المصري -المقسّم بين أجهزة النفوذ في الدولة- لنقد النظام إلى أن وصلنا لدعوة الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر.

خرجت دعوة 11/11 من خارج مصر وانتشرت بصورة غير مفهومة في ظل عدم تبني أحد الأحزاب أو القوى المصرية لها، مما لا يسمح لها بالانتشار على الأرض أو على مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى الآن تبدو محدودية الانتشار على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، لكن انتشارها في الشارع كان ملفتا للغاية ومؤشرا على أن هناك تنظيمًا يتحرك للحشد بقوة، وهذا التنظيم يبدو أنه من داخل الدولة إذ لم نسمع عن اعتقالات لداعين لتلك الفعاليات، وقامت (الأذرع الإعلامية) للأجهزة بالدعاية العكسية لذلك اليوم بتحذير الناس منه ولم يكن مفهوما سبب التحذير من أمر لا صدى له بين وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، مما أوحى بأن هناك في جهات النفوذ من يريد للشارع أن يسمع بدعوات الاحتجاج، وليس معلوما حتى الآن الجهة التي دعمت الدعوة ولا غايتها من ذلك اليوم.

أصبحت الساحة الآن في مصر حكرا على التنظيمات، فمن يمتلك تنظيما سيكون مشتركا في تحديد أُطُر أي حراك بحسب الوزن النسبي لتنظيمه (العسكري - المدني - السياسي - الديني)، وهو ما يبدو الآن من إحجام القوى السياسية عن التفاعل بمجرد الاحتجاج على القرارات الاقتصادية التي جرت في الخميس الأسود، خوفا من إلصاق دعوتهم بفعاليات 11/11، لكن تنظيم الإخوان هو الفصيل الوحيد الذي صرّح ببدء الاشتباك في بيانه الأخير الذي ذكر في مضمونه أنه لن يتأخر عن مشاركة المصريين في الاحتجاج، وبغض النظر عن تقييم بيان الإخوان أو قرارهم، فما يعنينا أن الجهة السياسية الوحيدة التي لا تزال تعلن عن نفسها تنظيم الإخوان المسلمين، فضلا عن التنظيمات الأخرى التي تتحرك داخل الدولة سواء كانت عسكرية أو أمنية أو مدنية، فنحن أمام صراع تتجاذبه "التنظيمات" فقط، وكل من أخفق في تنظيم نفسه بشكل حقيقي أصبح خارجا عن المشهد تماما.

يمكن القول إن باقي أطياف المعارضة لا تزال قادرة على الدخول في المشهد بمحاولة تنظيم نفسها في ائتلاف يتبنى مطالب الشارع الرافضة لقرارات السيسي الأخيرة، دون الارتباط بدعوة 11/11 أو يمكنها أن تقوم بضبط مسارات الشارع إذا خرج في ذلك اليوم وقررت الاشتباك مع الدعوة، حتى لا تكون الحركة تحدد مساراتِها أطرافٌ ترعى مصالحها فقط، أو تغذي حجم الفوضى والعنف بالشارع لأجل الوصول لوضعية تفاوض أفضل، وحتى لا يُحمل الكلام على غير مراده فالمقصود لفت النظر لأهمية عملية التنظيم، وليس المقصود دعوة أي طرف للمشاركة في 11/11 أو حتى مقاطعته، إذ لكل تجمّع تقديره.

الدرس الأساسي المستفاد من التجربة السياسية بحلوها ومرها منذ ثورة 2011 أن مَن مَلَك تنظيما فإنه يقدر على المشاركة في صياغة المشهد العام ويحقق ما يقدر عليه من مكاسب لتنظيمه، هكذا فعل التنظيم العسكري والتنظيم السياسي الإسلامي والتنظيم الكَنَسي المسيحي وتنظيم الحزب الوطني والتنظيم الائتلافي الذي تشكّل لإسقاط الإخوان، وكذلك في 3 يوليو/تموز تم استدعاء كل التنظيمات الموجودة للإطاحة بأقوى التنظيمات المدنية، ولا تزال المعارك كلها تدار بالتنظيمات سواء كانت تنظيمات منفردة أو مؤتلفة، ويبدو أننا مقبلون على معركة حول نفوذ التنظيمات القوية ولا يعلم مداها أحدٌ إلا الله.
0
التعليقات (0)