هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا زالت مدينة جنين ومخيمها تشكل مأزقا أمنيا عسكريا لقوات
الاحتلال، بزعم أنها حاضنة خطيرة للعمليات الفدائية، لا سيما خلال الموجة الحالية من
التصعيد، ورغم المخاوف الإسرائيلية من الشروع في نسخة جديدة من عملية "السور الواقي"،
لكن الأوساط العسكرية تطالب قيادة جيش الاحتلال بالعمل على تجنب ارتفاع الأثمان المدفوعة
في المستقبل، من خلال تنفيذ عمليات أمنية متواصلة في المدينة ومحيطها، رغم عدم التأكد
من نجاحها في وقف سلسلة عمليات المقاومة.
تتزامن هذه الدعوات الإسرائيلية مع ما تتعرض له دولة الاحتلال
من هجمات فدائية منذ أواخر آذار/ مارس، قُتل خلالها 19 إسرائيليا، ومعظم المنفذين
كانوا من منطقة جنين ومخيمها.
كوبي ميخائيل رئيس الشعبة الفلسطينية بـ"معهد أبحاث الأمن القومي"
بجامعة تل أبيب، نشر ورقة بحثية ترجمتها "عربي21" جاء فيها أن "حالة
المقاومة العنيفة الحاصلة في الضفة الغربية تغذيها بشكل فعال جهود جميع الفصائل، حماس
والجهاد والجبهة الشعبية وحزب التحرير والحركة الإسلامية في فلسطينيي48، وعلى مر السنين،
أصبحت روح المقاومة في جنين راسخة، وباتت مصدر إلهام ورمزا للمقاومة الوطنية، وبدأ ذلك
منذ ثورة الشيخ عز الدين القسام زمن الانتداب البريطاني، وانتفاضة الأقصى، وتحولت جنين
معقلا للمقاومة، وألحقت بجيش الاحتلال خسائر فادحة".
وأضاف أن "جنين لا تزال حاضنة مسلحة نشطة، وتستمر روح
المقاومة في الظهور فيها، بل نجحت بتصديرها على نطاق واسع، كونها مصدر إلهام، إلى مناطق
أخرى في الضفة الغربية، وخارجها، بما في ذلك قطاع غزة، لا سيما في ضوء مكانة حركة الجهاد
الإسلامي فيها، بجانب سياسة إسرائيل المترددة، مما رفع مستوى الدافع، وإصرار جيل الشباب
على الانضمام لمسيرة المقاومة المناهضة للاحتلال".
لا يخفي الإسرائيليون أن فكرة المقاومة في جنين تصاعدت مع
مرور الوقت، لأنها أعادت القضية الفلسطينية إلى جدول الأعمال العالمي، وكلفت الاحتلال
ثمنا باهظا من دماء جنوده ومستوطنيه، مع شعور بالإنجاز على الساحة الدولية، وافتراض
أن جيش الاحتلال سيتردد في التصرف مرة أخرى بالصيغة التي عمل بها خلال الانتفاضة الثانية،
والاكتفاء باعتقال المطلوبين عبر نشاط استخباراتي ويهدف في معظم الحالات لإحباط الهجمات
الفورية.
في الوقت ذاته، فإن التقييم الإسرائيلي لعمليات الجيش الهادفة
لإلحاق ضرر كبير بالبنية التحتية للمقاومة، يسمح لها بإعادة تنظيمها بسهولة نسبية،
وتركيز جهودها، وقوتها النارية ضد القوات الخاصة الإسرائيلية، تسفر عن إصابات في صفوفها،
ونخر في الردع الإسرائيلي، وبالتالي فإن التخوف الإسرائيلي من حملة واسعة في جنين،
على غرار "السور الواقي" من شأنه أن يعمم نموذج جنين إلى كامل أنحاء الضفة
الغربية، وصولا إلى فلسطينيي48.
هذا الخوف يُنظر إليه فلسطينياً على أنه ضعف إسرائيلي، ويدعو
للجرأة من جانب العناصر المسلحة في جنين، ويطلق لقيادة حماس العنان بتحدي إسرائيل،
مما قد يدفع الأخيرة للتفكير بشكل استراتيجي لتنفيذ حملة أوسع بكثير، وعلى نطاق أكبر،
وقد تتركز في ريف جنين ومناطقها الحضرية، بزعم كبح جماح فصائل المقاومة التي ستعمل
في وقت واحد، وفي مختلف القطاعات، وعلى نطاق واسع.
الخلاصة الإسرائيلية أن تردد الجيش في تنفيذ عملية عسكرية
واسعة في جنين من جهة، ومن جهة أخرى عدم اتهام قيادة حماس في قطاع غزة بالمسؤولية عما
تشهده الضفة الغربية من هجمات متلاحقة، ينظر إليها الفلسطينيون على أنه ضعف إسرائيلي،
مما قد يتسبب بتشجيع الجهود الفدائية، وإلحاق خسائر فادحة في صفوف الإسرائيليين، ويعيد
تشكيل قواعد اللعبة على الساحة الفلسطينية.