قامت حملة مسعورة الأيام الماضية على الأستاذ الدكتور سيف الدين عبد الفتاح؛ بسبب مشاركته فيما سمي "مبادرة واشنطن"، ورغم أني لست ممن شاركوا فيها، ولا اطلعوا عليها قبل تسريب بنودها للإعلام، ولست موافقا على بنود فيها، لكن كلامي هنا عن الحملة التي صاحبت هذا الإعلان، وكل شخص مهما بلغ شأنه وعطاؤه يظل بشرا يؤخذ منه ويترك، فلا عصمة لفرد ولا لكيان، نختلف أو نتفق معه، وهذه عظمة الإسلام الذي يُعلِّم أبناءه تقدير كل صاحب مكانة دون تقديس، فلا أحد فوق مستوى النقد والرد، ولكن في إطار تقدير الناس.
ولست أعني هنا بمقالي عن سيف عبد الفتاح محاولة تصنيم شخص، بقدر ما هو الدفاع عن فكرة معينة، ومبدأ مهم، أرى أن تجاوزه مرحلة خطرة تودي بحراكنا الثوري والسياسي والفكري إلى الهاوية، سواء كان بدراية وتعمد أم لا، عن قصد أم غير قصد، فقد دأب بعض من لا نعرف لهم تاريخا ولا سبقا على النيل والتخوين من كل من يخالف رؤيتهم، إن صح أن نسمي ما يقومون به رؤية، على نحو قول الشاعر:
يقولون هذا عندنا غير جائز ومن أنتم حتى يكون لكم عند؟!
الأخطر في الحديث عن سيف عبد الفتاح وغيره هو استحلال البعض للكذب والافتراء، المهم عندهم هو النيل من أشخاص بعينهم، والتحريض عليهم، ومحاولة اغتيالهم معنويا، لتخليص ثارات شخصية، أو عدم بزوغ أي توجه يمينا أو شمالا، وتظل بوصلة الناس متجهة لأشخاص بعينها، وكيانات محددة، لقد وصل تحريض بعضهم من قبل في تركيا مثلا لإخراج فيديوهات كاذبة عن أشخاص تاريخهم وموقفهم معروف من الانقلاب في مصر وغيره، ومن حكم العسكر والاستبداد، فيخرج من يكذب ويشيع عن بعض الأشخاص أنهم مؤيدون للانقلاب في تركيا ومصر، وهو أسلوب رخيص لا يقوم به إلا مخبرو أمن الدولة ومرشدوها.
من الأمور الخطيرة في النقاش الدائر حول الدكتور سيف ورفاقه، استخدام نبرة التكفير، وادعاء البعض أنهم ضد الدين والإسلام، وأنهم لا دين لهم، هكذا فتح هؤلاء ناديا للتكفير يحشدون الناس فيه حشدا، ليخرجوهم من دين الله أفواجا، ولعل كثيرا من الناس لا يعلم، أن كل من نالوا من سيف عبد الفتاح في دينه وعلمه الشرعي تحديدا، أمامهم مراحل طويلة كي يصيروا تلامذة عند الرجل في مجال واحد، وهو مجال (مقاصد الشريعة) والتي للرجل فيها باع طويل، فسيف عبد الفتاح الذي قرأ (الموافقات) للشاطبي أكثر من (13) مرة، وشرحها أكثر من (30) مرة، وقدم بحوثا علمية في مقاصد الشريعة بحضور كبار علماء الشريعة في العالم الإسلامي، ياللعجب أن نرى من لا يحسن قراءة صفحة في المقاصد يتكلم عن رجل من علمائها بأنه عدو للإسلام، وأنه مرق من الدين، وهذه نكتة كبرى، ولكنها نكتة سوداء مبكية.
بل زاد الطين بلة، فرأينا من هاجموه، نسوا جهاده ونضاله، ومحوه بجرة قلم، إن كانوا يحسنون الإمساك بالقلم والكتابة به، فلا يذكرون له إلا أنه استقال من منصبه كمستشار للرئيس الدكتور محمد مرسي فك الله أسره، ونسوا جهاد الرجل وقت مبارك، عندما كنا لا نعرف هؤلاء المجاهيل، بينما كنا نعلم ونرى دكتور سيف ضيفا على قناة الجزيرة وقت ثورة يناير متخذا قرار اللاعودة في مهاجمة نظام مبارك، ولما جاء الانقلاب العسكري، حشد الدكتور سيف ومعه عدد من أعضاء هيئة تدريس جامعة القاهرة أنفسهم، ووقفوا أمام اعتصام النهضة، ثم رابعة، ليصنعوا من أنفسهم دروعا بشرية للحيلولة دون فض الاعتصام، كل هذا يهال عليه التراب ممن لا نعلم لهم تاريخا، ليؤرخوا تاريخا لم يشاركوا فيه، فليصنعوا أمجادهم بعيدا عن الاقتراب من أصحاب الفضل والعطاء، فلم تمح ذاكرتنا بعد حتى يأتوا لنا بقصص وحواديت الجدة قبل النوم، ليلقوها على مسامع الناس، مغفلين تاريخ الرجل.
الأمر الأخير الذي أنبه إليه، ونبهنا إليه كثيرا عند حديثنا عن خلافات الإخوان، نلاحظ منذ أكثر من عام، كلما جاءت موجة ثورية يشتد فيها الحراك على الأرض، أو تلوح بادرة أمل في توحد القوى الثورية، يخرج علينا من يسرب تسريبا من هنا، أو فرقعة من هناك، ليشعل السوشيال ميديا والإعلام بعيدا عن هذا المشهد المهم، وهو نفس ما حدث هذه المرة، فبينما يستعد الأحرار في أمريكا لاستقبال السيسي وفضحه وإجرامه هناك، خرج هذا التسريب، وشغل الناس لأيام في هذا الكلام الذي لا يقدم ولا يؤخر، وترك السيسي وأنصاره والكنائس تحشد الحشود، بينما نحن مشغولون بأنفسنا، وهو ما يجعلنا نقول بإلحاح: طهروا صفوفكم يرحمكم الله، فالاختراق قد يكون موجها بأشخاص، أو أن يكون بحمقى بيننا لا هم لهم إلا شغلنا بعيدا عن معركتنا الحقيقية.