قانون الخدمة المدنية، قانون "مروع"، بل بات في الضمير العام سيئ السمعة، إذ اعتبر مفصلا على مقاس "الغلابة" أو "المرابعية" الذين يعملون بالسخرة تحت أقدام وأحذية الباشاوات الباريسية.
القانون فهمه المصريون بأنه البوابة التي نصبتها "دولة يوليو"، لتصفية أكبر عدد من موظفي الدولة، ولا يخلو من أدوات قمع أقرب إلى القانون الفاشي، وتكفي وشاية واحدة بأن الموظف الفلاني ضبط في مظاهرة، لطرده وفصله من وظيفته بلا أي مستحقات ولا معاش وتحيله إلى "شحات" يتكفف الناس في الشوارع!!
قانون الخدمة المدنية صدر كإعلان تشريعي بقيام "الدولة الطبقية" في مصر.. والاعتراف بانتصار "إنجي" بنت الباشا، على "علي" ابن الجنايني.. بكل ما يحمله الاسمان من رمزية وتعبير دال على حكم الطبقة التي تستنزف الشعب وتسحقه.
المدهش أن القانون صدر ليطبق على فئات معينة، ويعفي أخرى.. ولا ندري على أي أساس تم ذلك، وإن كان ظاهر الأمر قياسا إلى الممارسات الرسمية منذ 30 يونيو، أو قياسا إلى انحياز الدولة إلى الفئات المخملية، ويشير إلى أن التطبيق والإعفاء جاء على الفرز الطبقي والفئوي.. يعني قانون مؤسس على التمييز وعدم المساواة.. وأخطره التمييز المفضي إلى بث الكراهية بين المصريين.
منذ أقل من شهر، نشرت وثائق خطيرة، عن رفض المؤسسات الأكثر تدليلا، أن يطلع الجهاز المركزي للمحاسبات ومندوبو وزارة المالية على رواتب أصحاب المقام الرفيع من موظفيها.. يعني ترفض الرقابة القانونية والدستورية على أدائها المالي.. "كده بالعافية".. وفي مكاتبات رسمية، تم نشرها، فيما لم يتحرك أحد، أو ينفي ما نشر، رغم خطورته وتعزيزه لتقارير المستشار هشام جنينة، وتأكيده على أن الرجل كان صادقا، وأنه أقيل بسبب تصديه بشجاعة وصلابة لانحرافات مؤسسات ذات الوجاهة الاجتماعية والسيادة والسلطة وتعديها على المال العام.. وذلك بعد شهور قليلة من كلام الرئيس عبد الفتاح السيسي بأننا في "دولة قانون".. وأن المخطئ لابد أن يحاسب، ولو كان رئيس الجمهورية نفسه!!
مساء يوم 30/8/2016.. قال مستشار وزير التخطيط للهيكلة والتطوير المؤسسي الدكتور طارق الحصري، خلال لقائه ببرنامج "ساعة من مصر"، المذاع على قناة "الغد" الإخبارية، إن قانون الخدمة المدنية سيطبق على جميع الوزارات عدا أعضاء السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية والقضاة وأعضاء هيئة التدريس وضباط القوات المسلحة والشرطة، قائلا: "الموظف المدني الموجود في مؤسسات القضاء أو الشرطة أو الخارجية ينطبق عليه القانون". وأوضح الحصري أنه يوجد في مصر 231 هيئة عامة منها ما هو اقتصادي وخدمي ومستقل، متابعا أن كل الهيئات العامة الاقتصادية مستثناة من قانون الخدمة المدنية، قائلا: "5 ملايين موظف سيطبق عليهم قانون الخدمة المدنية، ما عدا 1,6 مليون". انتهى كلام وزارة التخطيط.
وهو إعلان رسمي من الدولة بالتمييز المؤسس للكراهية وللحروب والمواجهات والأحقاد والثارات الطبقية بين شعبين أحدهما تستضعفه الدولة، وتعتبره عبئا عليها.. وآخر تستقوي به على المستضعفين.. وحسبنا الله تعالى ونعم الوكيل.
المصريون المصرية