لنسأل بعض قادة أمة العرب وأمم الإسلام: هل سمحت لهم مشاغلهم بأن يشاهدوا أطفال الملايين من المهاجرين العرب والمسلمين الهائمين على وجوههم في كل أصقاع الدنيا، وهم يتسولون في شوارع المدن بذلة وانكسار وانحناء نحو أرجل المارة؟ هل سمحت مشاغلهم أن يروا بنات ونساء أولئك المهاجرين وهن يتوسلن المارة لإعطائهن قليلا من الطعام أو بضع قروش؛ لشراء حليب للأطفال الرضع، ويتعرضن للتحرش وغواية البغاء؟ هل سمحت مشاغلهم أن يروا على شاشات تلفزيونات بلادهم، دموع ولطم عجائز وأطفال المنكوبين في صحراء نقب فلسطين المحتلة وبين خرائب المدن المدمرة في سوريا والعراق وليبيا واليمن وأفغانستان والصومال والسودان؟
لا يعتقد الشعب العربي المنهك المنكوب المضيع المشتت الذهن أن لدى بعض القادة الوقت، للانشغال بتلك التفاهات؛ إذ إن لديهم ما هو أهم وأجدى، لديهم إدارة معركة الإسلام الكبرى، بين مذاهب السنة والشيعة، بين الوهابية والصفوية، بين الزيدية والشافعية، بين الحركات الإسلامية السياسية السلفية والحركات الوسطية الحداثية، إلخ.. من انقسامات وصراعات أمنية وسياسية تحت رايات دينية طائفية ما أنزل الله بها من سلطان. يسأل الناس: أين رسالة الله العلي القدير التي تحدثت عن أمة الوسط وأخوة المؤمنين وتراحمهم فيما بينهم؟ أين الأخلاق والحكمة المحمدية؟ أين الحق والعدل والقسط والميزان والإحسان والتساوي في الخلق وعدم الفحش في القول؟ أين تقوى الله؟ وبمعنى آخر، أين الإسلام فيما بين دول الإسلام وسلطات المسلمين؟
الجواب القاطع الذي يجب أن يتحمل مسؤوليته الكاملة بعض قادة العرب والمسلمين هو النفي الموجع للقلب، هو: كلا. وهم يتحملون هذه المسؤولية أمام شعوبهم وأمام رب العالمين.
قد يكون هذا الحكم قاسيا وموجعا، لكنه يعبر بصورة صادقة وصريحة عن مشاعر الخوف والهلع واليأس التي تنتشر بسرعة مذهلة بين معظم مواطني أقطار وطن العرب ودول عالم الإسلام، وهي مشاعر إمّا أنها ستلهب الأوطان والشعوب وتحرق الأخضر واليابس، وإما أنها ستؤدي إلى حالة من اللامبالاة وفقدان الثقة بجدوى أي عمل أو نضال سياسي في أرض العرب البائسة.
إن كل محاولات الاستعانة بأمريكا أو أوروبا أو روسيا أو غيرها لا فائدة منها سوى الفوضى وتسعير الاضطرابات.
إن الوجود العربي، الذي يمتد إلى أعمق أعماق التاريخ، هو في خطر كبير، ويحتاج إلى تغييرات كبرى قبل أن يخرج العرب من ركب حضارة العالم ويصبحوا على هامش الركب الإنساني، وإن الإسلام هو في محنة، بعد أن أدخله الجهاد التكفيري المجنون العبثي في ورطة التصادم مع العالم كله.
فإذا كان كل ذلك لا يحرك في ضمائر وعقول بعض مسؤولي العرب والمسلمين استعمال أخوة العروبة والتزاماتها التضامنية، إن لم تكن الوحدوية، ولا استعمال واجبات وإملاءات الدين الإسلامي، فإنه لا يحق للمسؤولين أن يجلسوا في حجرة قيادة سفينة تغرق دون الاستعانة والإشراك للآخرين الذين سيغرقون معهم.
إذا كانت المؤسسات والروابط والأحزاب وغيرها، التي تدعي أنها تعمل لتقوية الروابط القومية العربية، وتفعيل العمل الإسلامي المشترك، إذا كانت لا تستطيع أن تستجيب لمتطلبات ومسؤوليات مرحلة تاريخية خطرة ومعقدة، كتلك التي نعيشها الآن، فلتتنحَّ أو فلتختفِ لتحلّ محلّها مؤسسات وروابط وأحزاب وأنظمة قادرة على أن تقوم بمسؤوليات هذه المرحلة، من خلال تفعيل رابطتي العروبة والدين الإسلامي بشكل ديناميكيّ عاقل وجادّ إلى أبعد الحدود.
(الاتحاد الإماراتية)