كتاب عربي 21

الساحة الليبية وانقلاب تركيا: مناط الخلل ومكمن الخطر؟

1300x600
يحار المتابع للانقلاب على السلطة الشرعية في تركيا كيف يقيم ردود الأفعال خاصة التي صدرت عن النخبة المتعلمة والمثقفة. 
 
 آثرت أن أطلق على الجدل الذي دار على الساحات الافتراضية الليبية حول تركيا بالمعركة، لأننا نشهد حربا طاحنة عبر سلسة من المعارك لكل منها موقعها وأسلحتها إلا إنها تتقاطع في كونهها محل نزاع بين طرفين قرارا الصدام على طول الطريق.
 
 وكما هو الحال على الساحة العربية، فقد درات رحى المعركة الليبية بين طرفين أحدهما ناقم على حزب العدالة وزعيمه رجب طيب أوردغان لأنه مناصر لخصومهم السياسيين، ولدى البعض منهم كونه يقود الحراك “الظلامي” ضد تركيا العلمانية، والثاني مؤيد له لاعتقادهم أنه مناصر للقضية الفلسطينية وداعم لثورات الربيع العربي ضد الثورات المضادة، وأيضا لأنه الباعث لتركيا “الإسلامية”.
 
 ما يثير القلق هو أن كثيرين ممن ينتسبون للطرف الشامت في حزب العدالة وزعيمه، وبعض من يناصرون أردغان يستخدمون ما يتاح لهم مما يعتبرونه حججا وبراهين لإثبات صحة موقفهم مما جرى في تركيا دون التفكير فيما تخط أيديهم ودون أدنى جهد لإخضاع أرائهم لميزان العقل والمنطق، فالمعيار عندهم هو قوة ما يكتبونه في إحراج الخصم والنيل منه وإضعاف حجته. ولأن الباعث هو الكراهية فلا مكان للتفكير والتعقل، إذ تفسد الكراهية المزاج وتعكر صفو التفكير المنطقي والعقلاني.
 
 
 ما أود التأكيد عليه في هذا المقال هو أن الصراع العربي عامة والليبي خاصة لم ينتقل من صراع الشعب أو النخبة مع المنظومة الحاكمة إلى صراع مجتمعي كما يبدو للمتابع. فقد نجحت المنظومة الحاكمة خلال العقود المنصرمة في تقسيم المجتمع من خلال استقطاب مدن ومناطق وقبائل وعشائر وفئات مجتمعية معها لتكون إحدى أدواتها في لجم الأخرى المعارضة. 
 
 لكن صراع المجتمع مع نفسه اليوم تقدم إلى طور العلانية والمواجهة السافرة، وظهر وتجلى بفعل التطور التقني وتطور وسائل الإعلام والاتصال، واتسع لغياب السلطة التي كانت تتحكم فيه بالشكل الذي يحقق أغراضها دون أن يتحول إلى فوضى.
 
 السمة الأبرز في صراعات اليوم أنها خارج السيطرة وتتلبس بكم هائل من البُغض والشحناء، وتضيع الحقيقة معها بضياع العقل وغياب المنطق، وهن الخطر. إذ لا تكاد تجد إطارا فكريا وخطابا موضوعيا يعالج الوضع الثقافي والاجتماعي المأزوم.
 
 بالقطع بعض ما تمارسه السلطات التركية في حملتها المضادة للانقلابيين ومن ساندهم خارج عن القانون ومنافي للقواعد العامة لحقوق الإنسان.
 
 بالمقابل فإن كثير من المحتجين على هذه الانتهاكات والمعترضين على ما يقع بذريعة التعدي على الحقوق وأساسيات الديمقراطية ودولة القانون كانوا من المؤيدين لانتهاكات أفظع وقعت ولا تزال تقع في مصر، فأردغان لم يقتل المنقلبين عليه في الميادين والشوارع، ولم يحرق جثث بعضهم بالنار كما أكدت تقارير منظمات حقوقية محلية ودولية.
 
 أبضا فإن من يحتجون على الجرائم التي وقعت في مصر، لم يتحدثوا عن انتهاكات وقعت الان في تركيا على يد الحكومة، فجريمة الانقلاب على السلطة الشرعية لا تبرر مخالفة القوانين والمواثيق التي تحمي الحقوق بما في ذلك التي تعنى بحقوق المعتقلين، وتدين الاعتقالات بالجملة لمجرد الاشتباه، وتستنكر الحط من كرامة المعتقل وإنسانيته.
 
 أخلص إلى القول أن أخطر ما يواجه المجتمع الليبي هو الصراع الأعمى المتلبس بفساد العقل والمزاج لدى العامي والمثقف سواء، إلى درجة الاستهانة بالقيم والمبادئ الأساسية التي تقوم عليها عملية بناء الدولة والتي لا تنجح نهضة ولا تتحقق تنمية إلا بها، وهي قيم التسامح واحترام الرأي الآخر والجنوح إلى العقل والقانون عند وقوع الخلافات ونبذ الإقصاء والعنف واستبعاد الكراهية والاحقاد من المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي.
 
 ما يخيم في سماء ليبيا اليوم هو النزوع الجهوي والقبلي والتعصب السياسي وتبرير كل فعل إجرامي انجرارا وراء هذا التعصب، لهذا فإن البلد ما تزال بعيدة عن الاستقرار بل وتتجه إلى مزيد من المشاكل.