في قيادة التغيير هناك ما يعرف بالوصايا العشر التي يجب أن يلتزم بها قائد التغيير أو مجموعة التغيير وتصبح هذه الوصايا ثقافة تتغلغل في أوساط المؤسسة أو الجماعة أو التنظيم.
هذه الثقافة هي أخطر ما يمكن التعويل عليه، لذا فعندما تلمح بطرف عينيك أن هناك خطا واحدا داخل مؤسسة ما فأعلم أن هذا ليس دليل العبقرية بل دليل الجمود وسيطرة الرأي الواحد، وهنا قد يقول قائل فأين المؤسسية إذن؟
أقول إن المؤسسة تضع لنفسها استراتيجية يلتزم بها المجموع وتترك لأعضائها ومنتسبيها حرية التفكير في جدوى هذه الاستراتيجية وذلك عبر اختراع اسمه الجمعية العمومية والتي من خلالها تعرف إدارة المؤسسة وقياداتها إن كانت على صواب في تطبيقها للاستراتيجية المعتمدة أم أنها تخلت عنها وتدير الأمور على طريقتها وبمعزل عن أي رقابة.
ثقافة الرقابة هي أحد أهم ركائز العمل المؤسسي وهي الضمانة الوحيدة لعملية التغيير المطلوبة.
انظر إلى أي مؤسسة لا تحترم جمعيتها العمومية واسأل نفسك من الذي يراقب أداء تلك المؤسسة؟ الجواب من يديرها هو نفسه من يراقب نفسه؟ أو ربما تسمع جوابا آخر اسمه " الثقة " وكأن السؤال والمتابعة والتحري والرقابة كلها عوامل نقاضة للثقة، والحقيقة أن الرقابة هي من تمنح إدارة أي مؤسسة الثقة وإلا فما فائدة الأجهزة الرقابية في أي دولة؟ ولماذا تلجأ المؤسسات التجارية وغير التجارية إلى التعاقد مع مراقب حسابات معتمد مثلا؟ هل الرقابة منافية للثقة؟ أبدا بل هي متممة لها.
وكلما أشاد بك الجهاز الرقابي ازدادت قيمة أسهم شركتك ومؤسستك وارتفعت قيمة قيادات المؤسسة لأن سمعتهم تكمن ليس في حسن الأداء بل بمنحهم شهادة اجتياز اختبارات الثقة.
أعود إلى وصايا إدارة التغيير العشر والتي تبدأ بتحليل جيد ومعمق لوضع المؤسسة التي تديرها وانتهاء بعملية مأسسة التغيير أي تغيير في الهياكل والوظائف لتحقيق التغيير المنشود، وليس رفع شعار التغيير عبر الاستماع للآراء ومن ثم إبقاء الحال على ما هو عليه أو ما يعرف باختطاف المؤسسات أو تأميمها لتصبح ملكية خاصة يديرها فرد أو مجموعة بمعزل عن الآخرين، مرورا بالطبع بوضع رؤية واستراتيجية وخطة عمل وإشراك الناس في كل ذلك، لكن أهم بندين في وصايا التغيير العشر هما خلق حالة من الضرورة للتغيير والانفصال عن الماضي، بمعنى عدم البقاء أسرى لهذا الماضي.
أما فكرة خلق حالة الضرورة للتغيير فهي مهمة لأن التأجيل والتسويف سمة من سمات المؤسسات التي ترفض التغيير وتكرهه وتحاربه وهي لا ترى أي ضرورة له وتعتقد أن لديها متسع من الوقت وأن الزمن في صالحها وأنها حوربت حتى تتغير ولكن ( بفضل إصرار قادتها بقيت دون تغيير ) وكأن التغيير شيء يشينها.
معظم القيادات التي لا تجيد فن إدارة المؤسسات أو لنقل فن إحداث تحول تاريخي في مؤسساتها التي تديرها غالبا ما ترفع شعار "مش وقته"، بينما كل المؤسسات التي تبنت فكرة التغيير وسعت لنشر ثقافة التغيير رفعت شعاره "بل هذا وقته" إن لم يكن مضى وقته.
قادة التغيير لديهم حاسة شم قوية واستشعار عن بعد، يدركون من خلالها متى يحين وقت التغيير، ومتى يجب أن تبدأ عملية التغيير، ويدركون خطورة التأخير، أما دعاة ما يسمى استقرار المؤسسات والإبقاء على تنظيم إدارتها، فهؤلاء فقدوا الشعور بالزمن؛ لذا دائما يستدعون الماضي، رغم أنه قد لا يسعفهم، والحقيقة أن هذا النوع معذور فعلا؛ لأنه لا يعرف، وبالتالي فهو يخشى، وحين تطالبه بالاستعانة بمن يعرف يقول لك: ولكننا مؤسسة عريقة، يجب ألا نستعين بأحد من خارجنا. تقول له إذن اترك المكان لمن يعرف من أهل الخبرة في مؤسستك يقول لك بشعور أبوي خانق: "أخشى عليها من الضياع" أو "هذا تكليف رباني، وعباءة ألبسني إياها أولي الأمر ولن أخلعها؟ وحين تسأل هل أولي الأمر هنا هم الجمعية العمومية؟ يقول لك: ليس لنا في أدبياتنا ما يعرف بالجمعية العمومية.
حالة التخبط هذه وحدها كفيلة بالإسراع بالتغيير، ولا أتحدث عن الأشخاص في أي مؤسسة، بل أتحدث عن طريقة التفكير. خلق حالة من الضرورة لإحداث التغيير مطلوب فما بالك لو كانت الحالة موجودة كما هو حاصل اليوم في مصر مثلا وتحديدا في جماعة الإخوان المسلمين على وجه الخصوص.
الأمر الثاني والمهم في وصايا إدارة التغيير هو الانفصال ولو مرحليا عن الماضي وهنا نعني أن نفكر في الغد، في المستقبل، وبطريقة مختلفة عما كنا نفكر بها في الأربعينيات والخمسينيات وإلا فسنحصل على نفس النتائج سينقلب علينا العسكر مرات ومرات، وسنحصل على أغلبية برلمانية ولن نشكل حكومة، وسيفوز مرشحنا في انتخابات الرئاسة ولن يمكن من إدارة شئون البلاد.
أن تكون على قيد الحياة بعد كل هذه الممارسات الهمجية ضدك فهذا خبر جيد، لكن أن تعود لنفس النقطة التي مكنت خصمك منك من جديد فهذا أسوأ الأخبار على الإطلاق.
نكمل رحلة قيادة التغيير الأسبوع المقبل إن شاء الله.
Click here to Reply to all, Reply or Forward
1.32 GB (8%) of 15 GB used
Manage
Terms - Privacy
Last account activity: 1 minute ago
Currently being