مقالات مختارة

اعترافات نتنياهو

1300x600
نفى نتنياهو أنه وافق على التفاوض مع السلطة الفلسطينية استنادا إلى مبادرة السلام العربية. وقال إن الإيجابية الوحيدة للمبادرة تكمن في استعداد الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ولكي يقطع الشك باليقين أضاف أنه إذا تمسكت الدول العربية بمبدأ التعامل مع المبادرة ككل بمعنى أخذها كاملة أو تركها، فإن خياره في هذه الحالة محسوم، ويتمثل في ترك المبادرة بما فيها. لأن شرطه الأساسي أن يتم "تحديثها" بما يتناسب مع مصالح إسرائيل.

هذا الكلام يكذب وينسف الشائعة الخبيثة التي أطلقت في الفضاء العربي أخيرا وادعت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وافق على المبادرة. وقد نقلته صحيفة "هآرتس" على لسانه، مشيرة إلى أنه أعلنه صراحة خلال مؤتمر لحزب الليكود يوم الاثنين الماضي 13/6.

شاءت المقادير أن ينشر الناشط والكاتب الإسرائيلي يوري إفنيري مقالة مهمة فضح فيها نتنياهو واتهمه بالكذب قبل 24 ساعة فقط من حديثه إلى مؤتمر الليكود. نشر إفنيري مقالته على موقعه وتناقلتها عنه العديد من المواقع والصحف، وقد لفت نظرنا إليها الباحث حسام بهجت الذي قام بترجمتها ونشرها على موقع "مدى مصر" تحت العنوان التالي: لماذا رحب نتنياهو بالأفكار المصرية ورفض المبادرة الفرنسية؟.

في الإجابة عن السؤال ذكر إفنيرى أن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي هو مجرد خدعة. فالرجل يريد تخريب المبادرة الفرنسية التي استهدفت إحياء مفاوضات السلام والاعتراف بدولة فلسطين، أما الأفكار المصرية فقد استهدفت تحقيق السلام الإقليمي.

وفي رأيه أن نتنياهو لا يريد حديثا عن السلام مع الفلسطينيين ولكنه يتطلع إلى إقامة سلام مع الإقليم، أي تطبيع مع العالم العربي، يتجاهل القضية الفلسطينية ويقفز فوقها. وهي فكرة قد تبدو جيدة لكنها مجرد "كلام فارغ"، على حد تعبير إفنيرى الذي أضاف أنه "لا يوجد زعيم عربي، من المغرب إلى العراق، يمكن أن يوقع اتفاقية سلام مع إسرائيل لا تتضمن انتهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية. وحتى إذا أراد فإن أغلبية شعبه لن تسمح له بذلك".

 وذهب إلى أن سيناريو السلام الإقليمي كبديل عن السلام مع الفلسطينيين له معنى واحد هو أنه لن يكون هناك أي سلام. (لاحظ أن نتنياهو في مؤتمر حزب الليكود صرح بأن الإيجابية الوحيدة لمبادرة السلام العربية تكمن في استعداد الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل).

وصف يوري إفنيري استخدام الأفكار المصرية كحجة لرفض المبادرة الفرنسية بأنه من قبيل "الوقاحة البحتة"، لأنها تستند إلى القناعة الخبيثة التي توهم المرء بأنه يستطيع أن يخدع كل العالم طول الوقت. وأشار في هذا الصدد إلى أن نتنياهو يريد إجراء بضعة تعديلات على مبادرة السلام التي أشهرت في عام 2002. ونبه إلى أن المبادرة المذكورة تشترط انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة (بما في ذلك الجولان والقدس الشرقية) والاعتراف بدولة فلسطين مع الإقرار بحق اللاجئين في العودة، وعلق على ذلك قائلا إن نتنياهو سيختار أن يموت ألف مرة قبل أن يقبل أيا من هذه الشروط. وبناء على ذلك فإن "التحديث" الذي يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي يراد به تفريغ المبادرة من مضمونها، بحيث لا يبقى منها سوى إقدام الدول العربية على التطبيع الكامل مع إسرائيل.

لا جديد فيما أعلنه نتنياهو أو ما قدمه يوري إفنيري، فالحديث عن الفخاخ المنصوبة في ثنايا إحياء المبادرة العربية متواتر في كتابات عربية عدة. وكنت أحد الذين وصفوا الملعوب بأنه مؤامرة هدفها التمكين لإسرائيل وفتح أبواب العالم العربي لتمددها واختراقاتها، وهو في أخرى نرى ضعفه وتشتته. وفي هذه الحالة يتحقق الفوز الكاسح لإسرائيل ويكرس استسلام العالم العربي وانبطاحه، ويبقى للفلسطينيين أن يأكلوا الهواء.

رغم أن فضح اللعبة أو المؤامرة لا يضيف جديدا إلى ما نعرفه، فإن أهمية تصريحات نتنياهو وتحليلات يوري إفنيري أنها أكدت لنا ما نعرفه. وأيدت فكرة المؤامرة التي يشترك في نسج خيوطها أطراف عدة أوروبية وإسرائيلية وعربية. وهو ما يتعذر الإقدام عليه دون علم الولايات المتحدة ومباركتها بطبيعة الحال.

لا بد من أن تدهشنا العودة إلى الحديث في بعض المحافل العربية والدولية عن إحياء المبادرة الميتة. وهو أمر يصعب افتراض البراءة فيه، لأن عناصر الخدعة في المشهد لا تخطئها عين. والاعترافات التي أدلى بها نتنياهو أمام مؤتمر حزب الليكود لا تدع مجالا للالتباس ولا تحتمل أي اجتهاد أو تأويل.

لذلك فإن شكوكنا واتهاماتنا بالضلوع في التآمر ينبغي ألا تكون مقصورة على الذين استخرجوا المبادرة من الملفات القديمة وجعلوها قناعا لتنفيذ مخططاتهم؛ لأن ذلك الشك والاتهام ينبغي أن يشمل أيضا الذين روجوا للفكرة ودافعوا عنها؛ إذ بعد اعترافات نتنياهو فإن هؤلاء جميعا ينبغي ألا تسمع شهاداتهم في الموضوع.

عن صحيفة الشروق المصرية