ربما تفرق خلافات أيديولوجية حادة الرئيس
الإيراني حسن
روحاني ومرشد الثورة في إيران علي
خامنئي، لكن هشاشة
اقتصاد البلد تجبرهما على تحالف صعب، ولو إلى حين.
في الماضي، طرح الرجلان رؤيتين متناقضتين للاقتصاد الإيراني، فدعا خامنئي المحافظ للاعتماد على الذات، بينما ناصر روحاني ذو الفكر العملي التعاون مع العالم.
لكن الآن، وبعد إبرام الاتفاق
النووي مع الغرب، يجد الرجلان مصلحة مستترة في تنحية خلافاتهما جانبا؛ ليحمي كل منهما مستقبله السياسي، ويسمح لعجلة الاقتصاد بالدوران.
وقال مسؤول سابق من الإصلاحيين، مقرب من روحاني: "المستقبل السياسي لروحاني يعتمد على هذه القضية. إذا فشل في تحسين الاقتصاد، فسيخسر دعم الزعيم الأعلى، وسيتحول لرئيس كالبطة العرجاء.. فشله في المجال الاقتصادي سيؤدي لفشله السياسي".
أما خامنئي، فنحى جانبا مخاوف المتشددين من أي تقارب مع الغرب، ودعم بحذر مساعي روحاني لإبرام الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية في 2015 الهادف لتقليص البرنامج النووي لإيران، مقابل رفع العقوبات التي أصابتها بالشلل.
وقال مسؤول بارز -اشترط عدم ذكر اسمه- إن روحاني سيتمتع بحماية خامنئي في وجه منتقديه المتشددين، ما اتخذ خطوات على طريق تحسين الاقتصاد.
لكن صبر الزعيم الأعلى آخذ في النفاد؛ لعدم حصول إيران على منافع اقتصادية ملموسة منذ رفع العقوبات في كانون الثاني/ يناير الماضي؛ حيث ما زالت هناك قيود أمريكية مفروضة على طهران.
وقال دبلوماسي إيراني مقرب من مكتب خامنئي: "بالنسبة للزعيم خامنئي، فأهم قضية هي حماية مصالح الأمة والدولة. هذا هو سبب دعمه لسياسة روحاني في المجال النووي".
شهر العسل في خطر
يشير البعض إلى أن حماية خامنئي لروحاني ستمتد بقدر ما يدر الاقتصاد من إيرادات. وقال الدبلوماسي: "لكن السؤال الآن يتعلق بجدوى التوصل لاتفاق إذا لم يكن قادرا على تحسين حياة الناس".
يقول المحللون إن الدعم الأساسي لخامنئي يأتي من أصحاب الدخول الضعيفة الذين استثمروا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا في نظام الجمهورية الإسلامية، لكن هذه الشريحة لم تحصل حتى الآن على أي منافع من تخفيف العقوبات.
وقال المحلل السياسي حميد فرح وشيان: "المتشددون قلقون من احتمال خسارتهم لدعم أشد أنصارهم الذين عارضوا التقارب مع الغرب، لكنهم التزموا الصمت؛ بسبب دعم خامنئي للاتفاق".
ويخوض روحاني في الوقت الحالي صراع سلطة مع المتشددين ذوي النفوذ في البلاد، بل وواجه اتهامات بتقويض دعائم الثورة الإسلامية التي اندلعت في 1979، بما في ذلك شعار "العداء للولايات المتحدة".
يرفع هذا من قيمة التحالف مع خامنئي، والحرص على حمايته، باعتباره محوريا لنجاح روحاني.
وقال المسؤول الأول: "روحاني يمر بفترة بالغة الدقة من مسيرته السياسية. لا يهم إن كان حلفاؤه حققوا نتائج جيدة في الانتخابات في شباط/ فبراير".
ولا يضمن روحاني الفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل، رغم ما تحقق لحلفائه في شباط/ فبراير من نجاح في انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء الذي يملك سلطة تعيين الزعيم الأعلى أو عزله.
وسيصوت الإيرانيون في جولة إعادة للانتخابات البرلمانية، الجمعة، لاختيار ممثلي 68 مقعدا من أصل 290 مقعدا يتشكل منها البرلمان، وسيحسم هذا الأغلبية في المجلس، بعدما فشلت انتخابات شباط/ فبراير في ذلك. ويسيطر المتشددون على البرلمان الحالي.
ويتحمل الرئيس مسؤولية جذب المستثمرين، وإثبات جدوى استثمار خامنئي السياسي فيه، وتحقيق الرخاء الاقتصادي لعموم الإيرانيين، الذين عانوا لعقود من العقوبات التي فرضت على البلاد؛ بسبب البرنامج النووي.
وتعاظم الضغط على القيادة الإيرانية حين أفلحت الولايات المتحدة والأوروبيون في تقليص صادراتها النفطية بمقدار كبير، وهي التي تعد محركا أساسيا للاقتصاد الإيراني. وأنذر هذا بقلاقل اجتماعية.
وقال مسؤول أمني: "إذا فشل روحاني في تحسين الاقتصاد الإيراني فسينتهي شهر العسل بينه وبين الزعيم الأعلى. القيادة واعية تماما لمخاطر الصعوبات الاقتصادية".
"استثمروا في إيران"
ينتقد المتشددون في إيران السياسات الاقتصادية لروحاني، ويطالب الحرس الثوري بدور أكبر في الاقتصاد، وهو ما يشكل تحديا للحكومة، في محاولاتها لجذب الاستثمارات الخارجية وفتح الأسواق الإيرانية.
غير أن أي زيادة في التغلغل الاقتصادي للحرس الثوري قد يفزع الاستثمارات الأجنبية ويدفعها للنزوح مع استمرار العقوبات الأمريكية على كثير من أعضاء الحرس وشركاته.
ويدير الحرس الثوري إمبراطورية تجارية واسعة النفوذ، بالإضافة لاضطلاعه بقيادة قوات النخبة بالجيش. وقد تواجه مصالحه الاقتصادية تهديدات إذا زادت المنافسة من الخارج.
لكن خامنئي مقتنع بقيمة الشركاء الأجانب.
وقال سعيد ليلاز المحلل المقيم بطهران: "إيران في حاجة ملحة للاستثمار الأجنبي.. لا أذكر أن الزعيم الأعلى التقى أي قائد أوروبي زائر في السنوات الماضية.. لكنه التقى مع (رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو) رينتسي في نيسان/ أبريل.
وأضاف: "هذا الاجتماع الذي لم يسبق له مثيل بعث برسالة مفادها: استثمروا في إيران".
وفي السياسة المحلية لا يمكن لروحاني دائما أن يطمئن لدعم خامنئي الذي عمل منذ خلافته للزعيم الراحل آية الله روح الله الخميني في 1989؛ لكيلا تحصل أي جماعة على نفوذ يمكنها من تحدي سلطته.
وأقلقت شعبية روحاني المتشددين من أنصار خامنئي، الذين يخشون ضياع مكانتهم داخل تركيبة السلطة المعقدة في إيران. وعلى سبيل المثال، عرقل هؤلاء محاولات روحاني تخفيف القيود الاجتماعية.
وسيعتمد نجاح الرئيس في الانتخابات المقبلة على مباركة خامنئي، وهذا بدوره سيتوقف بشدة على ما ستسفر عنه إصلاحاته الاقتصادية.
وقال بعض المحللين إن الفرص ما زالت محدودة للسماح بمزيد من الحريات في إيران، على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، في ظل استمرار سيطرة المتشددين على القضاء وقوات الأمن ووسائل التواصل الاجتماعي، ورغم ما تحقق لروحاني من نجاح.
وقال سياسي مؤيد للإصلاحات: "روحاني جاء من رحم النظام. إنه ذكي بما يكفي لتجنب الدخول في مواجهة مع الزعيم الأعلى".
لكن ليلاز خالفه الرأي، وقال إن روحاني قد يتبني سياسات أكثر جرأة إذا انتخب لولاية ثانية.
وأضاف: "قد يؤدي هذا بالطبع لرد فعل سلبي، ويتسبب في فرض قيود إضافية."