قبل أن أدخل في تفاصيل ممارسات السيسي لصناعة الحرب الأهلية في مصر، بل في المنطقة برمتها، أقف قليلا عند مفهوم الحرب الأهلية، لنتعرف طبيعة المصطلح وماهيته، فالحرب الأهلية هي الحرب الداخلية في بلد ما التي يكون أطرافها جماعات مختلفة من السكان، كل فرد فيها يرى في عدوه وفي من يريد أن يبقى على الحياد خائنا لا يمكن التعايش معه ولا العمل معه في التقسيم الترابي نفسه، ويكون الهدف لدى الأطراف السيطرة على مقاليد الأمور وممارسة السيادة. أما أسباب الحرب، فقد تكون سياسية أو طبقية أو دينية أو عرقية أو إقليمية أو مزيجا من هذه العوامل.
وتتصف الحروب الأهلية بالضراوة والعنف وبالنتائج الاقتصادية والاجتماعية المدمرة على المدى القريب، والمؤثرة بعمق في المدى البعيد، لأنها تشمل مناطق آهلة بالسكان وتكون خاضعة لهجمات متقطعة وغير منتظرة، وتفرق بين الأهل والجيران فتشلّ الحياة الاقتصادية وتمزّق النسيج الاجتماعي، ويحتاج المجتمع إلى عدة عقود من الزمن لإعادة البناء والتوازن والوئام.
وكثيرا ما تشكّل الحروب الأهلية فرصة لتدخل الدول الكبرى أو المجاورة في مجريات الأمور الداخلية للدولة المعرّضة لمثل تلك الحروب.
وإذا نظرنا إلى الواقع المصري، نجد أن قائد الانقلاب السيسي منذ توليه مديرا للمخابرات الحربية، سعى بكل الوسائل للتواصل مع الإعلاميين والفنانين ومن على شاكلتهم، لصناعة رأي عام، تمهيدا لإثارة النعرات بين أبناء الشعب الواحد، وزرع الفتن، ولعل اللقاءات التي عقدها فيما بعد مع هذه الفئات، حينما كان وزيرا للدفاع، تؤكّد ذلك.
وبعد أن قام بالانقلاب العسكري على المسار الديمقراطي أسس أيضا لتلك الحالة التي تؤدي إلى تقسم المجتمع نصفين، بطلب تفويض من الشعب، بحجة مواجهة العنف والإرهاب المحتمل، الذي انتشر بصورة لم تكن موجودة من ذي قبل، ولعل نموذج سيناء خير دليل على ذلك. وفي كل خطاباته دائما يستدعي ما يُطلق عليه أهل وقوى الشر، حتى إنه في بعض الأحيان لا يُصرِّح برؤيته في وضع الخطط للمشاريع ومعالجة المشكلات خوفا من أهل الشر! وأصبحت اللغة السائدة في المجتمع ووسائل الإعلام أن هناك فئة هي سبب رئيس في كل المشكلات والكوارث التي تعاني منها مصر، وهي جماعة الإخوان المسلمين وكل من يدور في فلكها، بل وصل الأمر إلى أن كل من يعارض السيسي وسياساته فهو من الإخوان، حتى إن بعض الأبواق الإعلامية ذهبت إلى أن "ريجيني" الطالب الإيطالي الذي قتلته الأجهزة الأمنية في مصر، تابع لخلية إخوانية، وأحيانا يصفون من يعارض السيسي في بعض القضايا حتى لو كان مسيحيا أن له ميولا إخوانية!
إذن، الهدف من ذلك كله هو شق المجتمع نصفين، وأن هناك فئة لا تريد لهذا المجتمع أن يستقر وتحاربه بكل الوسائل والإمكانات! وهذا ما عبّر أن البعض بقوله: "إنتوا شعب واحنا شعب".
أقول: هذه الطريقة المتداولة من السيسي، وفي وسائل الإعلام المصرية المختلفة، لا شك أنها تؤدي إلى زرع بذور الفتنة بين فئات الشعب المصري المختلفة، وتمهد لا محالة إلى صناعة الحرب الأهلية.
والكلمة المفتاحيَّة لأي حرب أهلية هي: مكافحة الإرهاب، ويمكنك شيطنة الطرف الآخر في الصراع واتهامه بالإرهاب أو الرجعية أو الدموية وخوض الحرب بقلب مستريح، فالجماهير ستصفق لك بلا شكّ لأنك تحارب الإرهاب!
يضاف إلى ذلك أن عمليات استفزاز الشعب المصري، تحت الانقلاب العسكري، أخذت أبعادا مأساوية غير مسبوقة؛ فقد تم التفريط في مياه النيل لإثيوبيا، ويبدو أنه لم يستطع أحد بعدُ أن يستوعب حقيقة أن هذا النهر الذي يجرى في أرض مصر منذ آلاف السنين يوشك أن يجف في بضع سنوات إن لم يكن في عدّة أشهر، حيث يبدأ العطش والقحط والموت يحصد البشر. وفي البحر المتوسط، يتنازل قائد الانقلاب عن مناطق داخل حدود مصر الإقليمية، التي تشتمل على حقول غنية بالغاز الطبيعي لصالح إسرائيل.
عن صحيفة الشرق القطرية