الفلوجة.. هنا استطاع المقاتلُ العراقي أن يثبت عجز آلة الشر الأمريكية عن التفوّق الميداني.. هنا كان المقاتل العراقي يقول للعالم إن احتلال جيوش الأمريكان لبغداد والعراق ليس إلا جولة من جولات القتال التي سترى أمريكا في بعضها صوراً من السواد القاتم، وتكتشف أن عملاءها الموطئين لجيشها لم يقدموا لها إلا ضلالا وتيها في أرض تأبى أن تذل للغزاة.
في الفلوجة لعلع الرصاص وسُحل المحتلون وانتخت أرواح الرجال لترفع عن صدور الأمة آلاما قاتلة، وفي الفلوجة اضطر العدو إلى تغيير تكتيكاته وخططه، واكتشف أنه إزاء شعب لا يعرف الاستسلام ولا تقهره موازين القوة المختلة.. ومن الفلوجة انطلقت المقاومة العراقية الباسلة لتسجّل، حسب اعترافات العدو، أن أكثر من ألف عملية هجوم أو كمين أو إلقاء قنابل أو اشتباك تتمّ في اليوم الواحد، وإذا بسيء الذكر والصيت جورج بوش يتجرع غصص المهانة بعد أن زادته نذالة العملاء وارتماؤهم تحت قدميه زهوا وغرورا، فيعلن أن المعركة قد انتهت.. أيام قليلة فقط وفي أسرع ردّة فعل يقوم بها شعبٌ على محتليه كانت الفلوجة.. لتستمر مزودة العراق كله بروح المقاومة المنتصرة التي طردت بعد سنوات قليلة جيوش المحتلين الذين ما انفكُّوا يغطون حجم خسائرهم المادية والمعنوية في العراق، حيث ينتشر المهوسون والمرضى نفسيا من قوات المارينز في الولايات المتحدة بعد أن أصابتهم أهوال المواجهات مع المجاهدين العراقيين بصدمات عنيفة لتبقيهم شواهد على اقتدار المقاومة وبسالة شعبها العظيم.
لهذا كان لابدّ من استهداف الفلوجة والأنبار وديالى.. كان لابدّ من إجراء عمليات تطهير عرقي وتفريغ سكاني لجغرافيا ملهمة تصنع بأهلها المعجزات، فكانت مجزرة الفلوجة الأولى في حضرة علاوي رئيس حكومة الاحتلال الأمريكي في بغداد، ولكنها لم تهزم روح المقاومة ولا جسمها.. وكانت المجازر بأشكال متنوعة تتلاحق على الفلوجة والأنبار في عملية طحن لما هو في عكس تيّار الرذيلة والهوان، ذلك التيار الذي جاء محمولا على دبابات المحتلّ أو التقى به في منتصف الطريق ليقوم بعملية ثأر من كل ما هو في العراق لتفريغ العراق من عناصر تميّزه وقوته.. ومن علاوي إلى الجعفري إلى المالكي إلى العبادي لم تتغير الهوية المنحرفة ولم تتبدّل الرايات الضالّة المتورطة مع الاستعمار الأمريكي فكان على الفلوجة والأنبار دفع الثمن باهظا.
وبعد المجزرة الرهيبة التي ترافقت مع اقتحامات الحشد الشعبي في تكريت وضواحيها، وفي صلاح الدين، جاءت الكارثة الكبرى في الأنبار حيث تمّ تهديم ما بلغت نسبته 80 بالمئة من العمران، وتمّت عمليات ضج لها الرأي العام الإنساني.
الآن حصارٌ حتى الموت على الفلوجة وهم يظنون أن تدميرها يعني القضاء على جذوة المقاومة والحرية في العراق.. ويظنون أن ذلك سيكون سبيلهم نحو الموصل بملايينها الأربعة.. ولكنهم عبثاً يفعلون لأن العراق من هنا يولد، من جحيم عبدة الأهواء والأصنام، لأن هذه النار لن تكون إلا بردا وسلاما عليه.. فكم نحن بحاجة إلى العراق؟ الأمة كلها تقف على رأسها ولن تتعدل موازينها حتى يخرج العراق؛ عراق الأئمة والصحابة والعلماء والصالحين من هذا الجحيم، وقد عوّدنا العراق كما أبونا إبراهيم العراقي العظيم أن اليقين ينتصر على النيران.. فلتخسأ المؤامرة على العراق، وليخسأ أعوان الأمريكان، وليخسأ المتذابحون على جسم العراق.. تولانا الله برحمته.
عن صحيفة الشروق الجزائرية