منذ أيام قليلة، نشرت وسائلُ إعلام صهيونية صورة لملك خليجي مع حبر يهودي أمريكي يُدعى مارك شنير، وقالت إن الصورة التقطت خلال لقاء بينهما قال فيه الملكُ الخليجي إن إقامة علاقات ديبلوماسية بين الدول العربية و"إسرائيل" مسألة وقت، وإن "الدولة" العبرية لديها القوّة للدفاع عن نفسها وعن "أصوات الاعتدال" و"الدول العربية المعتدِلة"!
وإلى حدّ الساعة لم يصدر أيّ تكذيب من الدولة المعنية لتصريحات الحاخام؟!
قبل ذلك، تحدّثت القناة الصهيونية العاشرة في أواخر فبراير الماضي بإسهاب عن زيارة قام بها وفدٌ صهيوني رفيع إلى دولة خليجية، وقالت القناة إن مسؤوليها لم يُظهِروا أيّ اهتمام بالقضية الفلسطينية، وقالوا لهم: "افعلوا ما تشاؤون مع الفلسطينيين، نريدكم فقط إلى جانبنا ضد إيران بعد أن تركت الولايات المتحدة المنطقة"، وأشادت القناة العاشرة بـ"مستوى الدفء الرائع جدا القائم مع دول الخليج"، وبنجاح تل أبيب في إقامة "علاقات في منتهى الصداقة، تحكمها مودّة عميقة مع الدول السُّنية في المنطقة" على حدّ وصفها، وأكدت أن هذه العلاقات ستخرج قريبا من السِّرية إلى العلن!
وإلى حدّ الساعة أيضا، لم تكذّب الدولة الخليجية المعنية هذا الخبر؟!
في عزّ الحرب على غزة في صيف 2014، تحدّث نتنياهو بفخر وتشفّ في حماس، عن قيام "تحالف استراتيجي" بين الكيان الصهيوني وأربع دول عربية، واعتبره "أكبرَ مكسب سياسي" لكيانه من الحرب. وإثر ذلك، دعا الساسةُ الصهاينة إلى استثمار هذا "التحالف" لتوسيعه إلى دول عربية أخرى، ويبدو أن الصهاينة قد حققوا في ذلك نجاحا كبيرا، حتى إن السفاح موشي يعلون، وزير حرب العدوّ، عرض على هامش اجتماع دولي في ميونيخ على "الدول السُّنِّية المعتدِلة" ما أسماه "تحالفا استراتيجيا" مع الكيان الصهيوني لحمايتها من إيران، وعوض أن تُرفض دعوتُه المشبوهة بحزم، لأنّ للدول السُّنية جيوشا أنشئت للدفاع عنها، والمفترض أنها لا تنتظر دعما من السفاحين، وجد قاتلُ أطفال غزة مسؤولا خليجيا سابقا يسارع إلى مصافحته بحرارة أمام كاميرات التلفزيونات العالمية، ويشيد بدعوته إلى "التحالف" بين الكيان الصهيوني و"الدول السُّنية المعتدِلة"!
لا ريب أن هيمنة إيران على لبنان وسوريا والعراق، ودعم الانقلابيين الحوثيين في اليمن، وسياستها العدائية الرعناء تجاه دول المنطقة، قد ولّد مخاوفَ مشروعة لدى تلك الدول إزاء أمنها الوطني، ولكن ذلك كله ليس ذريعة للارتماء في أحضان الكيان الصهيوني واعتباره "صديقا" يُحتمى به، ونسيان احتلاله لفلسطين ومذابحه المتواصلة فيها منذ قرابة ستة عقود... ولا ينبغي أن يكون هناك أيُّ مبرر لارتكاب هذه الجريمة بحقّ فلسطين و1.6 مليار مسلم.
تُرى هل تعتقد هذه الدول أن الكيان الصهيوني سيخاطر ويحارب إيران من أجلها وهو يعرف أن عشراتِ الآلاف من الصواريخ ستمطر مدنه إن فعل؟ نشكّ في ذلك كل الشك؛ فالكيان هو الذي سيستفيد من هذا "التحالف" الشاذّ المُسيء إلى السُّنة، بعد أن تتكفل دولُ المنطقة بتحويله من عدوّ تاريخي إلى "صديق" جديد، وتجمّل صورَته البغيضة أمام شعوبها، وسيكون ذلك نصرا غير مسبوق للاحتلال، ونكسة جديدة للقضية الفلسطينية قد تكون مقدّمة لتصفيتها...
أما ضربُ إيران، فسوف يماطل الكيانُ الصهيوني ويسوّف... وقد يمرّ كثيرٌ من الوقت قبل أن تكتشف "دول الاعتدال" أن الأمر يتعلق بسرابٍ بِقيعةٍ حسبته ماء، تماما مثلما اكتشفت السلطة الفلسطينية وهمَ "السلام" بعد 22 سنة كاملة من المفاوضات الماراطونية العبثية، التي استغلها الصهاينة لمضاعفة الاستيطان، والتهويد، وقضم الأراضي... مقابل الريح للفلسطينيين!
عن صحيفة الشروق الجزائرية