كتاب عربي 21

زغاريد الهزيمة

1300x600
الثورات مخابر الأمل، فيها يولد وفيها يكبر ويشب وفيها تنتج البدائل. هكذا كان الدرس الرومانسي الأول  في دروسنا الثورية. وحول الثورة ألفنا القصص وعقدنا الأمل أن سيكون الغد أفضل و"إن غدا لناظره قريب". لكن حساب الأمل يخطئ عند حساب الألم الذي يستبد بالثورات فيحول طموحها إلى حروب داخلية.

ويزداد الألم عندما تفرح الصفوف الداخلية بالاستقواء على  الخصم الداخلي بعدو خارجي. وتنطلق زغاريد الفرح برؤية الشريك الوطني مهزوما. سيطرح القادمون سؤالا يشبه سؤالنا للهاربين من الأندلس: لماذا خسرتم غرناطة؟ لم يجيبوا ولن نجيب. ستكون الهزيمة ماثلة ونكون أضفنا إلى شعر رثاء الأوطان  قصائد عصماء.

بوتين يفترع حلب الشهباء

لم ينزل أرضها لكنه محقها بالطائرة ليمهد لصديقه حاكم دمشق. ادخل بسلام، لقد أخضعنا لك الجارية في خدرها. سيدخل البطل المنتصر بغيره وسينجب من حلب مسخا جديدا يشبهه. هي سوريا القادمة منصورة بجيش أجنبي على بعض بنيها. لا ليسوا بنيها، فكل من يعارض الحاكم فيها يفقد صفته كبشر (وهو لم يصل أبدا إلى صفته كمواطن). هناك صيغة واحدة للبقاء وصيغ كثيرة للموت من أجل سلامة الزعيم منها أن يتدرب عليك الطيار الروسي في ريف حلب.

والمسألة السيادية والوطنية والقومية إذن؟ إنها مؤجلة ضمن تقنية الاحتفاظ بحق الرد تماما كهضبة الجولان. يوجد وهم كبير ضيَّع أمة كاملة. لم تكن الأمة فيه إلا ذريعة قَبَليَّة ما قبل الدولة وما قبل المواطنة أي ما قبل الإنسان. هذا هو نموذج النظام العسكري العربي الذي حكم مخربا باسم الوحدة العربية كل الآمال في الوحدة العربية حتى وصل به الأمر إلى إدخال كل القوى الدولية إلى غرفة نومه. يمكن مراجعة إنجازات خمسة أنظمة عسكرية عربية حكمت باسم توحيد الأمة وانتهى حكمها بتشتيت الأقطار التي حكمتها وتقسيمها  وتفقيرها.

(هنا يجب على كل كاتب أن يستدرك نصه بسرعة إذا كتب ضد الأنظمة العسكرية العربية، فيجب أن يكتب في النص نفسه معنى مطابقا ضد الأنظمة النفطية، وإلا فإنه يصير مرتزقا عندها رغم أن الأنظمة النفطية لم تدَّع يوما أنها ستوحد العرب، فهي تعرف أن قد قامت منذ بدايتها على خدمة قبائل وأسر دون طموح، ولقد كان تواضعها البائس أقل إيلاما للأمة من كذبة العسكر).

ماذا يمكن أن يقدم نظام منتصر بغيره؟

قد يستلم البلد خرابا وبلا موارد. ويمكنه أن يحتفل أيضا لزوم إغاظة العدو ولن يخرج من قصره، فالشجاعة ليست هوايته. لكنه سيحكم مدعوما بقوتين دوليتين أو أكثر. الجيش الروسي في البحر والسماء والخبير الإيراني (الذي لم يعد فارسيا) على الأرض وفي الكواليس وخطاب الوحدة العربية في التلفزة الرسمية. وبعض مشاهد الممانعة لإضحاك العدو قرب منتجعات طبرية والبحر الأحمر. ثم ماذا بعد يا ساكن دمشق المنتصر بغيره؟ وماذا بعد أيها المزغردون بانتصار بوتين على حلب الشهباء؟

ما هي بدائلكم لسوريا بعد محق المعارضة؟ هل سيغادر بوتين إلى بلده ويسلمكم بلدكم هنيئا مريئا؟ هل سيكتفي الإيراني بمساعدتكم على تنظيف الطرقات؟ بأي مال ستعيدون بناء البلدات المدمرة؟ ولمن ستبنونها إذا كان الشعب السوري قد غادر إلى غير رجعة إلى المنافي؟ أيسمّى هذا انتصارا  أتسمَّى الدولة بعد هذا الدمار دولة أم خربة؟

من أجل  محق الإخوان نمحق الأوطان

الحطَّاب الغبي يقطع غصن الشجرة الذي يجلس عليه فيسقطان سويا. هذا ما جرى في سوريا وما جرى قبله في مصر وأعتقد أنه يتكرر في ليبيا واليمن. وسيظل الأمر مثيرا للشفقة على عقول صغيرة فكرت في شيء واحد منذ قيل لها فكري إذ يبدو أنها لا تفكر من نفسها بل يخط لها ما ترى دون عصا بيضاء في طريق السياسة.

المهم أن لا يصل الإخوان إلى السلطة ولا يبقوا فيها إذا انزلقوا بانتخاب نظيف وتمكنوا. كل الحيل ممكنة بما فيها الاستعانة ببوتين. الإخوان (الإسلام السياسي السني) هم العدو. يجب أن يبادوا. نظرية المؤامرة مناسبة جدا  لاتهامهم بالخيانة. فهم صناعة مخابرات. إذن، يمكن الاستعانة بمخابرات أخرى لقتلهم ولا بأس أن يكون الموساد الصهيوني. هناك أسئلة مزعجة: ما هو الفرق بين الاستعانة بقطر والاستعانة بالإمارات لتخريب ثورة؟ ما الفرق بين تدخل إيراني وتدخل تركي من وجهة نظر مدافع عن أمته ومستقبلها؟ كيف تدين واحدا وأنت تخدم الثاني وتبرر له؟

لقد كان يمكن حماية الثورة وتجارب التحول التدريجي وبناء المؤسسات مع الإخوان لا بالاستعانة عليهم، واصطناع المبررات الواهية لذلك، فهم شريك وطني. وإنه لمن العجب العجاب أن يكون النظام السعودي ثوريا في صيف 2013 (وهو يمول تدمير الإخوان في مصر)، ورجعيا في شتاء 2016 (وهو يمول الإجهاز على نظام الأسد).
 
هل إيران حليف العرب؟

يروج بعض أصدقائنا للحليف الإيراني كداعم للثورات العربية. وهو لعمري تقوّل على التاريخ وتزييف لا ينقصه الغباء والارتزاق. يستعمل هؤلاء تعاطف الشباب العربي مع المقاومة التي قادها حزب الله وانتصر في تموز، ثم يربطون ذلك بانتصار الثورة الإيرانية ضد الإمبريالية، ولكن يغفلون بقصد الخديعة أن تلك الثورة قد غيرت مسارها نحو شوفينية فارسية بغيضة وزادت إمعانا في فرض التشيع والمذهبية والحالة العراقية ماثلة للعيان. إن العراق إنسان عين الأمة العربية، يرزح تحت الاحتلال بحكومة مصطنعة تذكر بحكومات الحماية الاستعمارية. والمقاومة التي انتصرت ذات يوم غيرت وجهة سلاحها نحو صدر الشعب السوري طبقا لأجندات غير مقاومة. لذلك، فهذه المصادرات (الذرائع) مغشوشة وتقوم على سوء نية تبتز به تعاطفنا مع المقاومة التي كان لها ذات مرة معركة سلاح شريف.

إن الوعي بالموقع الإجرامي الذي اتخذه هذا السلاح الآن ليس دفاعا عن أنظمة أخرى خائنة منذ وجدت، ودورها في تخريب الأمة غير خاف على أحد. ليكن واضحا إذن أن نقد الموقف الإيراني (الذي مهد لروسيا ضمن حلف أوسع يخدم مصالح الأقوياء ويتخذ سوريا مطية) الآن وهنا، ليس انحيازا لغيره بل هو كشف لسوء نيته وفساد خطته ضد أمة مفككة ومضطهدة. كان على شبابها أن يقاوم فسادها بدمه كما يفعل الشعب السوري وألا يستعين على أمته بعدو متربص تبينت نواياه في العراق.

إن المنتصر بغيره مهزوم. ولعبة الأحلاف الأجنبية لم تكن يوما في صالح الطرف الأضعف الذي يبحث عن سند. ولقد رأينا النتائج منذ نصف قرن. فليتوقف أصدقاؤنا عن إطلاق زغاريد الهزيمة في وجوهنا. وقد كانوا منذ سنوات قليلة يرون في نظام الأسد مجرما، فقاموا ذات صباح برأي مختلف كأنما أوحي إليهم.

نحن في سياق التحليل لا نجد فرقا في الرائحة الكريهة بين مال نفطي ومال إيراني ومال عثماني.