الصحفي الفرنسي "نيكولا هينين" أو هينان، كان مختطفا لدى تنظيم داعش قبل عدة أشهر، قبل أن يطلق سراحه في حدث استثنائي ونادر، حيث أفلت من الموت ذبحا أو حرقا أو غرقا، هينان تكلم عدة مرات، لكنه في الأخير نشر مقالا يعلق فيه على ظاهرة هذا التنظيم الإرهابي الخطير والغريب الذي أزعج العالم كله الآن، شرقه وغربه وشماله وجنوبه، وكان له وصف غريب لهذا التنظيم، حيث وصفهم بالصراصير، حشرات المنازل، لكي يقول بأن هذه الصراصير لا تنمو إلا في القذارة التي تمثلها -حسب قوله- النظم الحاكمة التي تفرض نفسها على شعوبها بقوة السلاح وبالعنف.
ويضيف نيكولا في مقاله المهم قوله: (خطأ كبير نرتكبه حين نعتبر أن داعش هي الشرّ. لقد كنت أنا نفسي ضحيتها، ومن ثمَّ لن أذهب إلى البدء بالدفاع عنها وأن أقول إنهم ليسوا أشرارا. لكنهم ليسوا إلا مظهر الشر. تصور صديقا يأتي لرؤيتك ويشكو من أن مطبخه حافل بالصراصير. يطلب مساعدتك لكي يقضي عليها. تذهب وتتحقق من أن المطبخ مقرف. فالجدران مغطاة بالدهون. والأرض ملأى ببقايا الطعام الفاسد. «تجيب صديقك، مطبخك ليس وسخا، إنه مقرف فقط فإما أن نقوم بالتنظيف. وننظف بالمياه، فتختفي الصراصير لوحدها بسرعة كبيرة. وإما أن نركض وراء الصراصير، ونصطادها، ونسمّمها. ولكن طالما بقي المطبخ وسخا سيتوجب علينا الاستمرار في ملاحقتها.
ليست داعش إلا الصراصير. قذارة الشرق الأوسط، هي سلطوية النظم التي لا تملك إلا العنف كي تبقى في مكانها) .
أعتقد أن ما يقوله الصحفي الفرنسي بعد تجربة ثرية في المنطقة العربية، حيث عمل كمراسل لبعض الصحف، هو نفس ما كررناه هنا مرارا، من أن الإرهاب والتنظيمات الإرهابية هي نتاج أجواء سياسية واقتصادية وأمنية بائسة وشريرة، وصفها هينان بالقذارة، وأن تلك الأجواء من القمع والاستهانة بكرامة الإنسان وتضييق مساحة الحريات وإطلاق يد الأجهزة الأمنية في سحق المعارضين والتوسع في السجون والمعتقلات والتعذيب وتهميش المختلف وإقصاء القوى المعارضة، تلك هي الأجواء "القذرة" التي تنمو في أجوائها "الصراصير"، أو منظمات الإرهاب، وأنه من أجل مواجهة جادة وحقيقية وناجعة للإرهاب، لكي نطهر البيت من الصراصير.
فلا بد من تغيير تلك الأجواء القذرة، وغسلها بالماء حسب قوله، أي، لا بد من غسل كل قذارات التعذيب والاعتقال التعسفي ومطاردة الأصوات المعارضة وحصارها، لا بد من فتح النوافذ للحرية والهواء الصحي النقي ووقف الممارسات العنيفة ضد "الآخر" وتعزيز القوانين التي تكفل كرامة الإنسان والعمل على إيجاد المؤسسات السلمية التي تتيح لطاقات المجتمع أن تشارك سياسيا ومدنيا بشكل آمن وجاد بدون إقصاء أو تخويف أو هيمنة، بهذه الأجواء تجف المستنقعات التي ينمو فيها البعوض كما وصف البعض، أو يتنظف المكان "القذر" الذي تنمو فيه صراصير الإرهاب كما قال نيكولا هينان.
لكن المشكلة التي لم ينتبه لها الصحفي الفرنسي، أن بعض النظم السياسية في العالم الثالث تستفيد من تلك الصراصير في أوقات محنتها وأزماتها الداخلية، لكي تسوق نفسها لدى المجتمع الدولي بوصفها خط الدفاع الأول له ضد "الصراصير" وأنها تخوض معركتها ضد "الصراصير" نيابة عن العالم، أو أن تترك تلك الحكومات الفاسدة "الصراصير" تنمو وتتضخم ويتسع انتشارها لكي تضع العالم بين اختيارين لا ثالث لهما، إما هم بفسادهم وقمعهم واستبدادهم ودمويتهم وإما الصراصير، على اعتبار أن العالم سيقبل بأخف الضررين، ولذلك تتهم نظم عدة في العالم الثالث بأنها هي التي ساعدت الصراصير على التكاثر، وأن وجودها أصبح مرتهنا بوجود تلك الصراصير، ولو كان لفترة زمنية مناسبة، ولو لم توجد الصراصير لأوجدتها هي، وأغلب الظن أن العالم كله سيظل يعاني من الصراصير لسنوات مقبلة، طالما بقيت الأماكن القذرة التي تساعد على توالدها وتكاثرها.
عن صحيفة المصريون المصرية