اعتبر حسن طارق أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس في الرباط، تخصص العلوم السياسية والقانون الدستوري، وعضو مجلس النواب المغربي، عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (المعارض) أن الملكية استعادة قوتها بعد إغلاق "قوس" 20 فبراير، وبعد أربع سنوات من الدستور.
وسجل طارق في حوار مع "
عربي21"، أن الدستور أراد أن يقطع مع فترة الملكية التنفيذية، لكنه لم يصل إلى لحظة الملكية البرلمانية، وهذا نتج عنه نظام مؤسساتي معقد لأنه يعتمد على سلطة تنفيذية برأسين حيت هناك المؤسسة الملكية وهناك الحكومة.
وحمل طارق الحكومة مسؤولية التأويل الرئاسي للدستور، من خلال خطابات رئيس الحكومة مثل؛ اعتبار نفسه مجرد موظف، أو مجرد رئيس حكومة، أو اعتباره لتنزيل الدستور هو مهمة الملك، أعتقد أن كل هذه الخطابات لن تجعلنا في سكة التأويل البرلماني للدستور والتقدم في اتجاه دمقرطة أكبر للعلاقة بين السلط والمسؤوليات.
ولم يفت البرلماني المعارض أن يلقي اللوم على المعارضة التي اهتمت بمعارضة الحكومة ولو على حساب التأويل الديموقراطي للدستور المغربي.
الحوار:
ـ ماذا تعني لكم 4 سنوات على دستور 2011؟
أربع سنوات على دستور 2011 هو تمرين جماعي على تفعيل وثيقة سياسية دستورية مؤسساتية متقدمة، السؤال الذي رافقنا طيلة الأربع سنوات، هل سننجح في تنزيل هذه الوثيقة الدستورية؟ هل سيكون الفاعلين السياسية والمؤسساتيين في مستوى التقدم الذي كرسته هذه الوثيقة قياسا مع الدساتير السابقة؟.
لذلك عندما نتحدث اليوم عن الدستور لا نتحدث بالضرورة عن والوثيقة التي صوت عليها المغاربة في تموز/ يوليو 2011 بل نتحدث عن سلسلة من الاجتهادات التي واكبت الوثيقة الدستورية من طرف المجلس الدستوري والمؤسسات الدستورية والفاعلين، هناك تراكم، هناك عدد كبير من المواد والمقتضيات يتبين اليوم أنها كانت معيبة من حيث الصياغة، وأثارت عدة إشكالات عديدة فيما يتعلق بمسطرة التشريع، وأسبقية الإيداع لدى البرلمان مثل بعض القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهوية والجماعات الترابية، هناك إذن نقاش كبير حول التأويل الديمقراطي من عدمه.
ـ هل الوثيقة كانت قاصرة، وما تقييمكم لهذا القصور؟
الوثيقة الدستورية كانت في مستوى الحراك المغربي، وكانت بمثابة جواب سياسي استباقي وذكي لدينامية 20 فبراير، ولمنسوب المطالب الإصلاحية لدى القوى السياسية الأساسية في البلاد،
الوثيقة ليست عقدا للقانون الخاص، ولكنها وثيقة تجسد وتكرس موازين القوى في لحظة من اللحظات، لذل أنا اعتقد أن هذه الوثيقة هي بنت شرعية لسياقها السياسي بكل زخمه ومحدوديته وفاعليه وديناميتيه.
ـ هل كان فيها قصور؟
أعتقد أنه لم يكن هناك قصور، لكن دعنا نتحدث بصراحة على أن الوثيقة كانت تضم مجموعة من الترضيات السياسية والقيمية والمؤسساتية نتجت عنها بعض التوترات في الممارسة من الناحية المؤسساتية.
ـ مثل ماذا؟
مثلا من الناحية المؤسساتية كانت أولا فكرة الملكية البرلمانية، لقد كانت فكرة محورية خلال السياق ومطلبا أساسيا لدى شباب 20 فبراير، كل مذكرات الأحزاب السياسية تمحورت حول هذه الفكرة، إما بتبني كامل، أو بتبني وفق خصوصية مغربية.
كانت فكرة مهيكلة للنقاش العمومي حول الدستور، وهذا ما جعل سقف المطالب يرتفع من طابق سفلي يهم البرلمان والحكومة إلى طابق علوي يهم تدبير الصلاحيات التنفيذية بين المؤسسة الملكية والحكومة، هذا التحول جعل النقاش يصل سقفا غير مسبوق، والجواب الذي قدمته الوثيقة وقف في منتصف الطريق، الدستور أراد أن يقطع مع فترة الملكية التنفيذية، لكنه لم يصل إلى لحظة الملكية البرلمانية، وهذا نتج عنه نظام مؤسساتي معقد لأنه يعتمد على سلطة تنفيذية برأسين حيت هناك المؤسسة الملكية وهناك الحكومة.
ـ ما أوجه الخلل في هذه الحالة؟
أعتقد أن هذا النظام كان مفتوحا على تأويلين: الأول تأويل برلماني يرى في النظام الدستوري ما يجسد القيم البرلمانية، وهو أننا أمام حكومة مسؤولة لها اختصاصات حصرية ينصبها البرلمان، ثانيا: تأويل رئاسي يرى الجوانب الرئاسية في النظام السياسي المغربي، وهي أن لدينا ملك أمير المؤمنين، ورئيس الدولة، ورئيس المجلس الوزاري، وهو الذي يدبر الشؤون الإستراتيجية.
هذا النسق مبني على القابلية للتأويل؛ أما في اتجاه برلماني أو في اتجاه رئاسي. وفي الممارسة تبين في النهاية أنه كان هناك حصار للفكرة البرلمانية وانتصار للتأويل الرئاسي للوثيقة الدستورية.
طبعا هناك جانب قيمي، يمكن أن نتحدث عنه، وبطبيعة الحال الحراك المغربي كانت فيه أسئلة مؤسساتية ودستورية، لكن أيضا تضمن أسئلة حول القيم، وهذا طبيعي ففي كل هذه اللحظات التاريخية تطرح الشعوب أسئلة الهوية، من هي؟ وكيف تعرف نفسها؟ وكيف تتمثل ذاتها؟
وهنا حاول الدستور المغربي أن يلعب لعبة الترضيات، ما بين خطاب يدافع عن الخصوصية وعن الهوية، وخطاب يدافع عن فكرة المواطنة وفكرة أن تكون القوانين الداخلية والمعايير التي تنظم النظام الاجتماعي العام متلائمة مع المواثيق الدولية.
لماذا هذا الخلط ؟
هذا الخلط يؤكد أن الدستور المغربي لم يحسم مشروعا مجتمعيا في اتجاه معين، لكنه حاول أن يكرس الازدواجية في المعايير والمرجعيات القيمية.
بعد أربع سنوات أي التأويلين كان الأكثر حضورا؟
أعتقد بكل بوضوح أن القراءة الرئاسية للنص الدستوري هي التي طغت، لأن المؤسسة الملكية بعد (قوس) 20 فبراير استطاعت الدولة أن تربح مساحات جديدة في العمل السياسي، وكانت هناك عودة للدولة، وهذا غالبا ما يقع في الأحداث والانفجارات الاجتماعية والاحتجاجات مثل؛ أحداث 1981 و1984 و1991م، حيث تكون هناك دائما بعد هذه الأحداث عودة قوية للدولة، والحالة كانت حالة مدرسية ما بعد 20 فبراير سجلت عودة المؤسسة الملكية التي شغّلت الهامش الذي يمنحه الدستور بالكامل، أما الحكومة فقد حاولت أن تركز على التعايش، وخطاب الثقة عوض أن تفعل جميع صلاحياتها.
ماذا عن المجلس الدستوري؟
أيضا التأويلات التي قدمها المجلس الدستوري، في كثير من الحالات والقرارات، كانت تغلب هذه النزعة الرئاسية، خاصة فيما يتعلق بالتعيين في هيآت الحكامة وعدد كبير من الاجتهادات.إذن لا طبيعة النص ولا تأويلات الفاعلين ولا الممارسات السياسية للفاعل الحكومي أو المعارضة والأحزاب لم يساهموا في تكريس التأويل البرلماني.
بمعنى أن المغرب لم يغادر بعد مجال الملكية التنفيذية؟
عموما هناك طلب على الملكية التنفيذية، تتجلى في خطابات رئيس الحكومة مثل اعتبار نفسه مجرد موظف أو مجرد رئيس حكومة، أو اعتباره لتنزيل الدستور هو مهمة الملك، أعتقد أن كل هذه الخطابات لن تجعلنا في سكة التأويل البرلماني للدستور والتقدم في اتجاه دمقرطة أكبر للعلاقة بين السلط والمسؤوليات.
هناك قول يدفع بأن استدعاء الملك، يعني تحميله المسؤولية، تقييمكم لهذه القراءة؟
يمكن أن يقرأ المرء الخطاب على هذا النحو، لكن هناك خطابات كثيرة في الاتجاه الآخر، وأكبر منه قانون التعيين في المناصب العليا، وهو قانون مهيكل للحقل السياسي وللوثيقة الدستورية، وهو قانون يمثل ربع الكتلة الدستورية، لأن الدستور وهو يحدد العلاقة بين المؤسسة الملكية والحكومة ذهب في اتجاه تحديد ثلاث خانات واضحة خانة "المجال المحجوز للمؤسسة الملكية بصلاحياته الدينية والعسكرية والسيادية والضمانية"، وخانة "المجال الحصري للحكومة" حيث أن كل ما هو متعلق بالسياسات العمومية تدبيره فقط في المجلس الحكومي"، ثم الخانة الثالثة وفيها بعض الغموض؛ وهي خانة "المجال المشترك الذي يضم سلطة الاقتراح والتداول للحكومة، وسلطة الحسم للمؤسسة الملكية، وهي القرارات التي تمر في المجلس الوزاري".
الدستور لم يحدد لنا طبيعة وحجم هذا المجال وأوكل الأمر للقانون التنظيمي لأنه هو من أعطى البعد المادي والواقعي لمفهوم البعد الإستراتيجي الذي يختلف عن تدبير الزمن الحكومي العادي، وهذا البعد الإستراتيجي، وكنا نتصور أنه لا يمكن أن يخرج البعد الإستراتيجي عن ست أو سبع مجالات كبرى تعنى بالتدبير الإستراتيجي.
ما علاقة هذا بالقانون التنظيمي؟
حينما جاءت الحكومة بالقانون التنظيمي، وسعت مفهوم الإستراتيجية، بمعنى أنها مططت في مجال الصلاحيات الملكية على حساب صلاحيات كان يجب أن تكون حصرية للحكومة.
عمليا الدستور يريد أن يعطي للمؤسسة الملكية مفهما جديدا، وأعاد تعريف دور المؤسسة الملكية على أنها مؤسسة حريصة على اليقظة الإستراتيجية، بمعنى أن تترك التدبير السياسي اليومي والعادي للحكومة، وكل ما يتجاوز زمن الولايات يترك للمؤسسة الملكية.
أين الخلل؟
لكي تنجح هذه الصيغة التي ينهض بها دستور 2011 يجب أن تمارس الحكومة كامل صلاحياتها، حتى نعرف بطريقة جيدة مجال دور المؤسسة الملكية.
ألم تفرضها ثقافة التوافق وبناء الثقة؟
ثقافة التوافق قبل التعاقد نظر لها ورسخها اليسار قبل حكومة ابن كيران، ذلك أن خطابات وترافعات عبد الرحمن اليوسفي هي جزء من هذا التوافق حينما قال أن النص لا يهم في التصويت على دستور 1996، أو مسألة القسم على المصحف.
لدينا تقاليد فيها ثقافة سياسية تعطي الأولوية لتدبير العلاقة مع المؤسسة الملكية، وتصبح العملية السياسية كلها تدبير درجة من القرب مع المؤسسة الملكية، ويصبح القانون والدستور ثانويا.
ماذا عن المعارضة؟
أكيد أن الفاعل الحزبي ساهم في تكريس دونية التأويل البرلماني، لقد لاحظنا أن المعارضة قامت بطلب التحكيم الملكي في مرتين، وهو طلب يدعو المؤسسة الملكية أن تمارس أدوارا غير مخولة لها في الوثيقة الدستورية.
هو طلب على ضوء قراءة جديدة للمادة 42 المتعلقة بالتحكيم، حيث أن الأمر الدستوري يتحدث عن التحكيم المؤسساتي وبين المؤسسات، والحال أن حزبا سياسيا كان في الحكومة وطالب من الملك بالتحكيم في وضعية سياسية مع حلفائه.
ثم المعارضة التي لجأت في رسالة تحكيم ثانية إلى المؤسسة الملكية، رغم أنها في بعض الخطابات اللاحقة تنازلت فيما بعد أن تنازلت عن توصيف الرسالة بأنها طلب للتحكيم.
ما خطورة الطلب الحزبي على الملكية التنفيذية؟
ما نسميه بالطلب الحزبي على الملكية التنفيذية، وهو ما يضعف التأويل البرلماني، لأننا من جهة كنا أمام حكومة لم تضع في جدول أعمالها التقدم الديمقراطي، بمعنى ضرورة أن تمارس الحكومة لكل صلاحياتها، وفضلت أن تنحاز إلى خطاب موجود في الساحة السياسية وسبق تطبيقه فيما قبل، وهو الخطاب الذي يقول بأنه يجب أن نعطي الأولوية للثقة والتوافق على التعاقد والإيمان بالعقد المكتوب الذي ينظم العمل المؤسساتي.
من جهة أخرى المعارضة لم تعتبر بأن وظيفتها في المعرضة هي الحرص على التنزيل الديمقراطي للدستور، ولكن اعتبرت أن وظيفتها تنحصر فقط في معارضة الحكومة دون أن تحمل هم الملكية البرلمانية.
في مقابل الثقة والتوافق، كيف تقرأون السعي الحثيث إلى توتير العلاقة بين الملك والحكومة؟
هناك جهات لن يرضيها نهائيا أن تكون أحزاب سياسية لها قدر من الاستقلالية تدبر الشأن العام، وهناك جهات تحن إلى السلطوية، وتعادي بطبيعتها الفعل السياسي المستقل، فكما جوبه الاتحاد الاشتراكي في وقت سابق، هناك اليوم من سيحارب حزب العدالة والتنمية، ليس لأنه حزبا إسلاميا، ولكن لأنه يعادي فكرة الاستقلالية الحزبية.
لذلك يمكن أن نتفهم الموقف السياسي لرئيس الحكومة عندما يعتبر أنه يؤمن وفق مرجعياته السياسية والفكرية بمحورية المؤسسة الملكية، لأنه يؤمن بأن هناك جهات لم تعتبر أن في صالحها أن يكون هناك تقارب بين حركة إسلامية لها عقدة الثقة مع الدولة في مسارها وبين المؤسسة الملكية، ومع ذلك كل هذا السياق لا نريده أن يكون ضاغطا لتحييد المؤسسة الدستورية، الأكيد أن كل هذه العوامل حاضرة في الدفع بالحكومة إلى تبني مواقف بعينها.
تحدثتم عن المعارضة، لماذا تريد إضعاف التأويل البرلماني للدستور؟
هذا سؤال كبير، يهم المسار السياسي للأحزاب، لكن دعني أقول، كان هناك تصورين للمعارضة، تصور المعارضة التي أكاد أسميها المعارضة الديمقراطية التي تعتبر بأن هناك مشترك وطني مع الحكومة وأن هناك لحظة تأسيسية هي لحظة ما بعد دستور 2011، وتعتقد هناك ورشين لا يجب أن ينتصر فيهما منطق الأغلبية والمعارضة وهما التنزيل الديمقراطي للدستور، والورش الثاني هو ورش محاربة الفساد.
أعتقد أن هذه المعارضة الديمقراطية كان لها حضور خلال منتصف هذه الولاية، فعندما نعود إلى مداخلات الراحل أحمد الزايدي نستشعر هذا الإحساس بالمسؤولية من موقع المعارضة، ونستشعر الحس السياسي الذي يقول أنه يمكن أن نكون في المعارضة دون أن نكون جيبا من جيوب مقاومة الإصلاح، لأن هناك فرقا بين أن تعارض وأن تقاوم الإصلاح.
بمعنى؟
المعارضة الديمقراطية هي التي تعتبر أنها موجودة في موقع يجعلها في خصومة مع السياسات العمومية المطبقة من طرف الحكومة، ولكن لا يمكن أن يجعلها تتراجع عن وظيفتها في حراسة تنزيل الدستور والدفاع عن التأويل الديمقراطي.
ماذا عن التصور الثاني للمعارضة؟
للأسف لم تنتصر هذه الأطروحة، وانتصرت المعارضة التي تعتبر نفسها بأنها مجرد معارضة، لا يهمها إلا مستوى رئيس الحكومة وتصيد هفواته، والصوت والنبرة التي تتحدث بها فيما يخص الحكومة تختفي عندما تكون هناك حالات تعلق بالتراجع على مستوى الوثيقة الدستورية، أو الانزياح عن التأويل البرلماني مع الأسف هذه الأطروحة التي انتصرت، هذا جزء من تاريخ الأحزاب السياسية والمعارضة في المغرب.