الاعتداء على سفينة الشحن التركية "تونا-1" في المياه الدولية قبالة السواحل الليبية ومقتل مواطن تركي يعمل ضمن طاقم السفينة، هو في حقيقة الأمر هجوم يستهدف تركيا ومصالحها، وعمل همجي قامت به مليشيات حفتر بضوء أخضر من الأنظمة التي تقف وراءه إن لم يكن بأوامرها مباشرة، وهو يشبه إلى حد كبير حادثة إسقاط الطائرة العسكرية التركية من قبل النظام السوري ومقتل الطيارين التركيين.
الهجوم تبنته حكومة طبرق بكل صراحة ووقاحة، وجميع التبريرات التي قدَّمها الناطق باسم مليشيات حفتر سخيفة. ولو كان المقصود إبعاد السفينة أو وقف إبحارها لما كانت هناك حاجة لاستهدافها مباشرة وقتل أحد أفراد طاقمها. كما أن الهجوم الجوي الذي جاء بعد استهداف السفينة بالمدافع وبينما هي تبتعد عن البر نحو الشمال، يدل بشكل قاطع على أن الهدف كان ضرب السفينة، وليس تحذيرها ولا إبعادها. وأما قصة اقتراب السفينة من ميناء درنة، "معقل الجهاديين"، فالهدف منها دغدغة مشاعر الغربيين.
شهادة قبطان السفينة "ظافر كالايجي" تنفي القصة التي لفَّقتها حكومة طبرق، وتؤكد أن السفينة تعرضت للهجوم دون أي تحذير مسبق. وقال كالايجي، في تصريحاته لوسائل الإعلام التركية: "أنا القبطان الثاني للسفينة، وكنت مناوبا بين الساعة الرابعة والثامنة، أي أثناء تعرض السفينة للهجوم، ولم نتلق أي تحذير قبل استهدافنا، وربما هم يقصدون بالتحذير تلك القنابل التي استهدفونا بها. نعم هم حذرونا ولكن بالقنابل. وبعد الهجوم الأول ابتعدنا عن مرمى أهدافهم، وكنا نسير بموازاة الساحل فغيرنا المسير نحو الشمال"، وشدد على أن الهجوم الجوي الثاني كان بعد نحو ساعة من الهجوم الأول، وأن السفينة كانت على بعد 18 ميلا بحريا قبالة السواحل الليبية أثناء الهجوم الثاني.
حكومة طبرق سبق أن هددت تركيا، على لسان مسؤوليها وعلى لسان حفتر نفسه، بإسقاط طائراتها المدنية وإغراق سفنها التجارية وضرب شركاتها العاملة في الأراضي الليبية، واتهمت أنقرة مرارا بدعم "الإرهابيين" في ليبيا، على الرغم من نفي الحكومة التركية هذه الاتهامات، مؤكدة أنها تدعم الجهود الدولية لوقف الاقتتال وتحقيق المصالحة بين الأطراف الليبية.
السفينة لم تكن ترفع العلم التركي بل كانت ترفع علم جزر كوك وكانت تحمل شحنة من الجبس من إسبانيا إلى ميناء طبرق، ولم يكن هناك أي مبرر لاستهداف السفينة، إلا أن حكومة طبرق والأنظمة الصبيانية التي تقف وراءها أرادت تحدي أنقرة من خلال تنفيذ تهديداتها.
تركيا على عتبة انتخابات برلمانية هامة ستجرى بعد أقل من شهر، والمنافسة الانتخابية على أشدها، ويأتي هذا الهجوم بهذا التوقيت لاستفزاز الحكومة التركية وإحراجها أمام الرأي العام التركي، إلا أنه من غير المتوقع أن تنعكس حادثة الاعتداء على السفينة التركية قبالة السواحل الليبية على نتائج الانتخابات.
ومن المتوقع أن تقوم الحكومة التركية في هذه المرحلة بتحركات دبلوماسية للاحتجاج على تعرض سفينة "تونا-1" للقرصنة في المياه الدولية ومقتل موطن تركي، بالإضافة إلى إصابة عدد من أفراد طاقمها. إلا أن المؤكد أنها لن تكتفي بالاحتجاج الدبلوماسي، وسوف ترد على هذا العمل الهمجي بلغة مناسبة يفهمها المعتدون ومن يقف وراءهم، وليس المهم أن يعرف الرأي العام تفاصيل الرد، بل إن المهم أن تصل الرسالة إلى المعنيين بأن اليد الممتدة للعبث بأمن تركيا ومصالحها تحترق ولا يمكن أن تفلت من دفع ثمن جريمتها.
النظام السوري قام بتحدي تركيا وأسقط طائرتها العسكرية باستهدافها في الأجواء الدولية، وردت تركيا على هذا العدوان بإسقاط مروحية النظام السوري. وهناك هجمات أخرى استهدفت أمن تركيا واستقرارها ومصالحها، وتم الرد عليها جميعها بطريقة أو أخرى. وأعتقد أن الرد على استهداف مصالح تركيا في مياه البحر الأبيض من خلال الهجوم على سفينة "تونا-1" التجارية سوف يأتي عاجلا أو آجلا، حتى وإن لم يعرف الناس أنه رد تركي على همجية حفتر وأصحابه.