usama.agag@yahoo.com
لا يختلف موقف الحكام الجدد في مصر بعد الانقلاب في 30 يونيه عن الشعار الشهير الذي رفعه جورج بوش الابن بعد أحداث سبتمبر 2001 في مواجهته المزعومة للإرهاب في العالم «من ليس معنا فهو عدونا»، الذي غطى به جرائمه التاريخية في أفغانستان والعراق وغيرها من مناطق العالم، أما حكام مصر الجدد فهم لا يعترفون بأن بعض الدول في مواقفها السياسية تطغي عليها «المبادئ» وتغطي عليها «المصالح» فمن المنطقي أن تسعى كل دولة، خاصة إذا كانت من المحيط العربي أو الدائرة الإقليمية إلى أن يكون لديها علاقات قوية ومتينة أو على الأقل طبيعية مع دولة بحجم مصر، أما إذا كانت العلاقات غير ذلك فعلينا أن نبحث عن الأسباب الحقيقية ولعلنا نتوقف عند ثلاث حالات، يمكن أن نرصد مواقف عدد من دول العالم من أحداث 30 يونيه في مصر.
الأول: دول داعمة، والنموذج الأبرز لذلك أغلب دول مجلس التعاون الخليجي، ومعهم الأردن.
الثاني: دول مترددة في اتخاذ مواقف واضحة وصريحة مما حدث، ومن ذلك الاتحاد الأوروبي ما عدا ألمانيا وأميركا وعدد آخر من الدول العربية، والأخيرة تتعامل مع القضية تحت شعار «أهل مكة أدرى بشعابها».
الثالث: دول متحفظة على الانقلاب، والأبرز في تلك الحالة دول الاتحاد الإفريقي التي أعلنت عن تعليق عضوية مصر في الاتحاد. وهناك دولتان وصلت العلاقات بينهما ومصر إلى درجة الأزمة والقطيعة السياسية وسحب السفراء وتبادل الاتهامات، وأقصد تونس وتركيا.
والبداية من تركيا، والتي وصلت التدهور في علاقاتها مع مصر إلى مستوى غير مسبوق خاصة بعد 3 يوليو والانقلاب العسكري، والرفض التركي لآليات التغيير في مصر خاصة مع الحساسية الشديدة لتركيا لفكرة تدخل العسكر في الحياة السياسية، وأسهمت الدعاية والحملات الإعلامية المصرية في إغفال الأسباب الحقيقة للموقف التركي، بل والإساءة إليه عبر الادعاء بالعلاقة التنظيمية والعضوية بين الإخوان المسلمين في مصر، وحزب الحرية والعدالة وبين القادة الأتراك.
ومن المهم أن نشير إلى أن الموقف التركي كان الأكثر وضوحاً، حيث وصف رجب طيب أردوغان ما حدث في مصر بالانقلاب العسكري، وانتقد المساندين له ومنهم شيخ الأزهر أحمد الطيب. وقال إن «التاريخ سيلعن الرجال أمثاله، كما لعن التاريخ أشباهه من العلماء في تركيا»، كما قامت وزارة الخارجية التركية باستدعاء سفيرها بالقاهرة للتشاور بعد الإدانة القوية من أنقرة لما اعتبرته تعسفاً من قوات الأمن المصرية، وإفراطاً في استخدام القوة ضد المتظاهرين المؤيدين للدكتور محمد مرسي ودخل على الخط الرئيس عبدالله جول عندما وصف أحداث رابعة والنهضة بالمجزرة، وأكد أنه غير مقبول، ودعا المجتمع الدولي خاصة مجلس الأمن والجامعة العربية إلى التدخل، مبدياً مخاوفه من تحول الوضع في مصر إلى نزاع مماثل لما يحدث في سوريا كما عمت المظاهرات عدداً من المدن التركية تم رفع صور الدكتور محمد مرسي وترديد شعارات ضد الفريق أول عبدالفتاح السيسي.
وكان رد فعل مصر مماثلا وعنيفاً، حيث تم استدعاء السفير المصري من اسطنبول للتشاور، كما أعلنت مصر وقف التدريبات البحرية المشتركة «بحر صداقة» والتي كانت مقررة خلال الشهر الحالي في تركيا، كما بدأت حملة من عدد من المسؤولين ومنهم أحمد المسلماني الذي أشار إلى أن المواقف التركية حول الأوضاع في مصر تعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية، داعياً أنقرة إلى أن تنتبه عندما تتكلم عن دولة كبيرة مثل مصر، لأنها لن تقبل التدخل في شئونها، خاصة أن مصر لم تتدخل فيما حدث في ميدان تقسيم من مظاهرات ضد الحكم هناك، وكان حازم الببلاوي أكثر تعقلا عندما أشار إلى أن تركيا لديها معلومات منقوصة عن الوضع في مصر، وقد حاول نبيل فهمي وزير الخارجية المصري التخفيف من الأزمة في تصريحات صحافية أخيرة، مشيراً إلى أن ما يربط مصر بتركيا علاقات مصالح وجوار دون الاشتراك في الهوية، مما يعني أن الوزير لا يعترف سوى بالهوية العربية لمصر، أما الإسلامية فهي ليست على الأجندة، وقال الوزير إن علاقات الشعبين قوية، ويجب أن تستمر كذلك. ولكنه خرج بالعلاقات الرسمية من إطارها الثنائي إلى العربي، واعتبر أن مدخل تركيا للعالم العربي يمر من خلال علاقاتها بالشعب المصري، مؤكداً على مبادئ عامة في صياغة علاقات مصر مع دول العالم، ومنها عدم المساس بالأمن القومي المصري، أو بالكرامة المصرية.
كما ترافق ذلك مع حملة إعلامية شديدة حاولت الإساءة إلى الموقف التركي، وصلت إلى درجة اتهام تركيا بأنها راعية الإخوان المسلمين واستضافت اجتماعات التنظيم الدولي للإخوان في حضور رجب طيب أردوغان؛ وذلك لبحث تداعيات سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر بعد عزل مرسي وحسب استراتيجية وضعها ذراع التخطيط في التنظيم الدولي، الذي يحمل اسم المركز الدولي للدراسات والتدريب، تم وضع الاتفاق على آليات التعامل مع مرحلة ما بعد الانقلاب، ومنها بدا حملة دولية وإقليمية ضد مصر، وحددت هدفاً رئيسياً كما قالت تلك التسريبات الصحافية المصرية، واستهداف الجيش المصري، والعمل على تصدعه، وتشويه المعارضة إعلامياً، ومحاصرة مؤسسات الدولة، وتطبيق النموذج السوري، ومنها تسريب معلومات عن اكتشاف شحنة أسلحة قادمة إلى مصر من تركيا، كما اتهمت تلك الحملات كلا من حركة حماس وتركيا باستهداف مصر دون تقديم أي أدلة أو براهين.
ولعل الوقوف على وقائع العلاقات التركية المصرية خلال السنوات الأخيرة حتى في زمن الرئيس المخلوع حسني مبارك، يؤكد أن تركيا قد انتهجت سياسية «تصفير المشاكل» مع كل دول العالم، وبالفعل في عهد الرئيس مبارك وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 3.1 مليار دولار من بينها 900 مليون صادرات مصرية، وتجاوزت الاستثمارات التركية في مصر ملياري دولار، خاصة أن الدولتين مرتبطان باتفاقية تجارة حرة منذ 2007، واستمر الأمر بصورة أكبر وأوضح بعد ثورة 25 يناير وفي زمن المجلس العسكري، حيث زار رجب طيب أردوغان مصر وألقى خطاباً مهماً في جامعة القاهرة، وتم الإعلان عن تأسيس مجلس أعلى استراتيجي بين البلدين في 3 يوليو، وقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين في هذا العام إلى 5 مليار دولار، وتم التوقيع على إحدى عشر اتفاقية، كما زار الفريق أول عبدالفتاح السيسي تركيا للمشاركة في افتتاح معرض تركي دولي للسلاح دون أن يعني ذلك أن هناك علاقات خاصة ربطت بين تركيا ومصر، في عهد الدكتور محمد مرسي.
ولعل ذلك يؤكد أن الموقف التركي من الانقلاب العسكري ورفضه مرتبط أكثر بالمبادئ بعيداً عن لعبة المصالح، والأمر هنا لا يتعلق بعلاقة عضوية مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، أو أيدلوجية مع حزب الحرية والعدالة بقدر ما هو رفض التغيير في الأنظمة عبر الانقلابات العسكرية، وهو ما عانت منه تركيا عبر سنواتها الأخيرة والتي شهدت أربعة انقلابات عسكرية منذ تأسيس أتاتورك للجمهورية التركية عام 1923، كما ترفض تركيا مثلها كثيراً من دول العالم تدخل الجيش في الحياة السياسية، ومع ذلك حاولت تركيا التخفيف من حدة الأزمة بين البلدين من خلال قرارها بعودة سفيرها إلى القاهرة دون انتظار موقف مشابه من الحكومة المصرية، كما حاولت تركيا التوسط من خلال تقديم طلب لزيارة وزير الخارجية أحمد أوغلو لمصر مع توفير لقاء له مع الدكتور محمد مرسي مع لقاءات أخرى مع كبار المسؤولين في نظام الانقلاب العسكري، وهو ما تم رفضه. وهكذا فإن الجمود هو السائد الآن في العلاقات المصرية التركية حتى إشعار آخر.
(عن صحيفة العرب القطرية)