مع إعلان نتائج
الانتخابات
البرلمانية العراقية، برزت تساؤلات عن مدى تمكن القوى الفائزة من تشكيل
الحكومة
ضمن المدد الدستورية، وذلك في ظل انقسامات حادة داخل الإطار التنسيقي الشيعي، الذي
يمثل الكتلة التي تمتلك العدد الأكبر من المقاعد في البرلمان الجديد.
وأظهرت النتائج الأولية،
الأربعاء، تصدر تحالف "الإعمار والتنمية" بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع
السوداني، بـ46 مقعدا، يليه الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني
بـ28 مقعدا، وحزب "تقدم" برئاسة محمد الحلبوسي بـ27 مقعدا، وائتلاف
"دولة القانون" بقيادة نوري المالكي بـ30 مقعدا.
بعد إعلان النتائج النهائية
والمصادقة عليها قضائيا، يدعو رئيس الجمهورية البرلمان الجديد إلى الانعقاد خلال
15 يوما، لانتخاب رئيس للبرلمان ونائبين في الجلسة الأولى، ثم ينتخب رئيس جديد
للبلاد ليكلف مرشح الكتلة البرلمانية الأكبر بتشكيل الحكومة خلال 30 يوما.
وبخصوص تشكيل الحكومة
المقبلة، قال عائد الهلالي المحلل السياسي القريب من السوداني، إن "الكثير من
السيناريوهات مطروحة حاليا، وهي تأتي مع دعوة رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق
زيدان، للكتل السياسية أن تلتزم بالتوقيتات الدستورية ولا يحصل تجاوز عليها، لأن
بإمكان أي مواطن يقدم شكوى وبالتالي تصبح الانتخابات في مهب الريح".
وحذر الهلالي في حديث
لـ"
عربي21" من توعد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر باتخاذ إجراء حيال
الواقع العراقي، خصوصا بعدها أكد أنه رغم وجوده خارج العملية السياسية لكنه يتابع
بشكل دقيق ما يحصل، وعلى هذا الأساس فإن الكتل السياسية ملزمة بالعمل على تشكيل
الحكومة الجديدة سريعا، ولا نريد الدخول بإشكاليات.
انقسام الإطار التنسيقي
ولفت إلى أن "الإطار
التنسيقي اليوم هو منقسم على نفسه، وأن جزءا اليوم مع السوداني والقسم الآخر مع
المالكي، وبينهما أيضا جزء متأرجح ويقف في المنتصف ويراقب الأمور بشكل دقيق جدا".
وأعرب الهلالي عن اعتقاده
بأن "مسألة تشكيل الحكومة هذه المرة ستكون مغايرة بشكل كبيرة جدا عن التجارب
السابقة، لأن المواطن بدأ ينظر إلى الأمور بواقعية سياسية، خصوصا مع تحقق من منجز
سياسي على الأرض، وبناء على ذلك خرجت الناس للانتخاب".
ولفت إلى أن "صاحب هذا
المنجز سيجعله رقما صعبا في تشكيل الحكومة المقبلة، ومن الممكن أن يتخذ المواطن
الذي انتخبه جميع الإجراءات لحماية منجزه، وهذا حق دستوري".
وتوقع أن "تكون لدى
الكتل السياسية رؤية جديدة في التعاطي مع تشكيل الحكومة، خصوصا أن هناك كتلة فائزة
بالتالي يجب التعامل مع مجريات التفاهمات بين القوى الفائزة على هذا الأساس".
وأكد الهلالي أن
"السوداني شرع في عملية تفاهمات وأنها ستكون على مستوى الإطار التنسيقي
والتحالفات الوطنية الأخرى، خصوصا في البيتين السني والكردي، وأن الجميع سيشارك في
تشكيل الحكومة المقبلة كما حصل في حكومة 2022، وهذا سيعجل في التفاهمات".
وأشار إلى أن "الولايات
المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي يراقبون التحركات السياسية بعد مرحلة
الانتخابات لتشكيل الحكومة، والتي من المتوقع أن ترى النور ضمن المدد الزمنية
المنصوص عليها في الدستور، ولن تتأخر كما حصل في السابق".
ودعا رئيس الوزراء العراقي
محمد شياع السوداني في كلمة مع أعضاء ائتلافه، الأربعاء، الجميع إلى جعل المصلحة
الوطنية فوق كل اعتبار وأنْ يكون الحوار والتعاون الميدان الوطني المستدام لخدمة
العراقيين.
وقال إن المرحلة المقبلة
ستشمل على التفاوضِ انطلاقا من روح وطنية جامعة ومسؤولة، تستهدفُ بلورةَ شكلِ
الحكومةِ الجديدة، وأن ائتلاف الإعمارِ والتنمية منفتح على جميعِ القوى الوطنية
دون استثناء، وسنتعامل بروحِ المسؤولية الموضوعية والقانونية التي تليق بتضحيات العراقيين.
ولم يذكر السوداني أنه جزء
من قوى الإطار التنسيقي، وأن الأخير هو من سيجتمع ككتلة الأكثر عددا في البرلمان،
وإنما كان حديثه من منطلق أنه الكتلة الفائزة التي من حقها تشكيل الحكومة المقبلة.
سيناريوهات مختلفة
وعلى الصعيد ذاته، قال
الكاتب والمحلل السياسي العراقي، فلاح المشعل، إن "النتائج والأوزان
الانتخابية داخل البرلمان تدعو إلى طرح أكثر من سيناريو في التحالفات المقبلة
لتشكيل الحكومة، خصوصا أن الإطار التنسيقي انقسم إلى نصفين رئيسيين".
وأوضح المشعل
لـ"
عربي21" أن "مقاعد ائتلاف السوداني تصل إلى نحو 47 مقعدا، بينما
تشكيل قوى الإطار التنسيقي مجتمعة أكثر من 130 مقعدا، بالتالي انطلقت التصريحات من
قوى الإطار بأنهم هم الكتلة الأكبر التي ستقدم نفسها للكتل البرلمانية الأخرى".
ولفت إلى أن "السوداني
كان يتوقع حصوله على أكثر من 70 مقعدا، لكن ما حصل عليه اليوم من عدد مقاعد لا
يؤهله لتشكيل ائتلاف هو يقوده، لأن الأطراف الأخرى في الإطار تقدم نفسها كقوة
متماسكة".
وأشار المشعل إلى أن هذا
التضاد بين الإطار التنسيقي وائتلاف السوداني يضع الأمور أمام مسارين، أما أن يذهب
الإطار للتفاهم مع حزب "تقدم" والحزب "الديمقراطي الكردستاني"
كونهما أكثر الفائزين من بين المكونات الأخرى، أو يعطي المجال للسوداني ليقوم بهذا
الشيء.
وتابع: "لكن هذه
العملية ستشكل عقبة حقيقة، لأن هناك ثمة تنافر بين حزب الحلبوسي، وحزب البارزاني،
ولاحظنا المناوشات بينهما خلال الشهرين الأخيرين، التي سبقت الانتخابات".
ورأى المشعل أن
"التسوية السياسية ربما تسحب السوداني إلى داخل الإطار التنسيقي، لكن يبقى
شرطه أن يكون هو المتصدر لتولي منصب رئاسة الوزراء لولاية ثانية، وهذا الأمر يواجه
بمقاطعة واسعة من صقور الإطار".
وتابع: "لذلك ستبقى
هذه المشكلة قائمة لحين ظهور مديات التسوية التي تحصل في الجهة الشيعية، وبالتالي
تتم التسوية مع الأكراد أيضا الذين لديهم مقاعد جيدة فهم بيضة القبان في التحالفات
السياسية، وستكون لهم شروط مهمة جدا، خصوصا أن قادتهم، ولاسيما في أربيل تحثوا عن
تعرض الأكراد للخيانة والغدر والابتزاز".
وبحسب المشعل، فإن
"هذه المشكلات تعيد السوداني إلى الدوامة التي خاضها الصدر قبل أربع سنوات
حينما استطاع جمع أكبر تحالف برلماني، لكنه لم يستطع أن يمرر استحقاق تشكيل
الحكومة".
وأشار المشعل إلى التحديات
خارجية التي تفرض على العراق عدم إشتراك الفصائل المسلحة في الحكومة المقبلة،
والتي حققت أكثر من 50 مقعدا في البرلمان الجديد، بالتالي كيف تتم معاجلة هذا
الأمر، وأي من المفاوضين يستطيع منعهم من المشاركة في الحكومة".
وفي هذه الحالة، يضيف
المشعل، ينبغي تقديم تنازلات كبيرة، وهذا الأمر سيأخذ جدلا طويلا وجلسات مفاوضات
وأصداء إعلامية وسياسية، بالتالي كل الأمور تبقى جيدة إذا بقيت في ظل حوار سياسي
مهما كانت أبعاده.
وعلى مستوى التأثير
الخارجي، أكد المشعل، أن مبعوث الرئيس الأمريكي، مارس سافايا، أكد استعداد بلاده
دعم الحكومة المقبلة بشرط ألا تضم فصائل مسلحة، وأنها تدعم كبح جماح الفصائل وحصر
السلاح بيد الدولة، إضافة إلى إنهاء النفوذ الإيراني، بمعنى هذه ثوابت في السياسة
الأمريكية بالتعامل مع المشروع السياسي العراقي بما فيها الحكومة المقبلة.
وتابع: "هذا الموضوع
سيشكل عائقا كبيرا للقوى السياسية وحتى لدى الحكومة الجديدة فكيف ستمضي إزاء
تحديين خطيرين، وهما التحديان الأمريكي والإيراني".
وعن مدى سعي البارزاني إلى
جمع القوى السنية الفائزة وتشكيل تحالف سني بمعزل عن الحلبوسي الذي يختلف معه، أكد
المشعل أن "هذا السيناريو وارد جدا، لأن رئيس الحزب الديمقراطي أصبح لديه
قدرة أكثر من زعيم تقدم على جمع الأطراف السنية".
وخلص المشعل إلى أن
"الطموح لدى زعيم تحالف عزم مثنى السامرائي، إضافة للمواقف الخلافية بين
الحلبوسي ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، فضلا عن صعود تحالف الحسم بقيادة ثابت
العباسي، ربما جمعهم في تحالف واحد سيجعلهم أكثر عددا من كتلة تقدم البرلمانية
بزعامة الحلبوسي".