قالت صحيفة "الغارديان" إن قائد
فيلق القدس الجديد، إسماعيل قاآني، لم يظهر قوة وحزما أمام تزايد سلطة المليشيات العراقية
التي تدعمها إيران.
وفي تقرير أعده مراسلها مارتن شولوف، قال فيه
إن الزعيم الجديد الذي حل محل الجنرال قاسم سليماني، الذي قتلته غارة أمريكية في كانون
الثاني/ يناير 2020، يواجه مشاكل تتعلق بالتواصل مع قادة الجماعات المسلحة، وإقناعها على
التهدئة في هجماتها ضد القوات الأمريكية.
وقالت الصحيفة إن رجل إيران في العراق جلس
في يوم حار بمدينة بغداد مع مجموعة من قادة المليشيات؛ في محاولة منه لتهدئة شوارع
العاصمة المخيفة، وجلس في الغرفة قادة مليشيات تنشر الخوف في البلاد، رجال كانت لديهم
أيام قبل أن يسيطروا على نقاط التفتيش التي تقود إلى مركز السلطة في البلاد، وكانوا
يخططون لاستعراض عسكري في العاصمة، وجلس بينهم قاآني، قائد فيلق القدس، وكان حضوره بمثابة
من ملأ مكانا ضخما فرغ باغتيال سليماني العام الماضي وهو يغادر مطار بغداد الدولي، والذي
حكم مرة فضاءات العراق وسوريا ولبنان.
ورأى الحاضرون للقاء حزيران/ يونيو ومن راقبوه
عن بعد أنه بمثابة تعميد بالنار لقاآني، وكوسيلة لتأكيد نفسه، تماما كما فعل الرجل الذي
كان يطلق عليه الحاضرون الحاج قاسم في منعطفات حرجة كهذه.
وبحسب شخصين شاركا في الاجتماع
وآخر اطلع على ما جرى فيه، فقد ضيع قاآني الفرصة، وكان دوره إقناع قادة المليشيات
أنه ليس من مصلحتهم مواصلة إطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء ومطار أربيل في شمال
العراق، حيث تتمركز القوات الأمريكية المتبقية.
فقد ظهرت التصرفات التخريبية للجماعات المسلحة
بشكل واضح خلال الأشهر الستة منذ تولي جوزيف بايدن الرئاسة الأمريكية، وتحدّوا الحكومة
والجيش الوطني الذي لديهما مصلحة في الحد من نشاطاتهم.
ورغم الموقف المتشدد الذي أبداه رئيس الوزراء
مصطفى الكاظمي منذ توليه الحكومة قبل 18 شهرا، إلا أن الرد الحكومي على نشاطات المليشيات
لا يزال خطابيا، والتردد في المواجهة مع المليشيات هو شهادة على القوة التي راكمتها
من خلال مخازن السلاح التي لا تنضب واختراقها لمؤسسات الدولة.
ومن هنا جاءت أهمية اللقاء
باعتباره يوم الحساب ولتركيعها، وقال أحد الحاضرين: "كانت كل العيون مركزة عليه"، و"بدأوا بالنظر بعيدا عنه عند نهاية اللقاء، فقد اكتشفوا وزنه، وهو ليس جيدا للعراق،
وهو بالتأكيد ليس حاج قاسم جديد".
فمنذ مقتل سليماني قبل 18 شهرا، كان محاوروه
وأعداؤه يزنون حجمه، فهل كان قرار دونالد ترامب
اغتيال أقوى رجل في العراق قد جعل البلد مكانا يمكن إدارته بسهولة؟ وقال مسؤول عراقي
بارز: "أعتقد أن الجواب على السؤال هو "لا"، فـ"العراق ليس آمنا،
ولن يحصل الأمريكيون على نتائج جيدة؛ لأن قدرته على تقديمها أقل، ومع سليماني كنت تعرف
ماذا عندك، وكان يستطيع السيطرة على المليشيات لو أراد ذلك".
وكانت مهمة قاآني ضخمة، فهو مسؤول مخضرم في
فيلق القدس وعملياته في أفغانستان مدة 12 عاما، ولا خبرة لديه في كل من العراق أو سوريا،
كما لا يتحدث العربية، وأكثر من هذا، وبحسب مصادر عدة ممن قابلوا القائد الجديد ومطلعين
على موقعه في إيران، فلا علاقة مودة له مع المرشد الأعلى للجمهورية، آية الله علي خامنئي، أو مكتبه، فدوره على الورق هو مزيج من عمليات القوات الخاصة ومسؤول للعمليات الاستخباراتية
وكمبعوث رئاسي، لكن من قابلوه وتعاملوا معه يرون أنه يفتقد للعنصر الأخير، والمهم في
الدور الثلاثي.
وقال مصدر عراقي بارز: "عندما جلست مع
الحاج قاسم كنت أتحدث مع التاريخ" و"كان عند كلمته، فعندما يقول لك شيئا
فهو ينفذه، والرجل الجديد ليس مثله ولا أعتقد أنه سيكون مثله". وقال آخر:
"قابلته وهو لا يصل إلى مرتبة ظل سليماني" وهو "مخلص لكنه يتعلم في
الوظيفة".
وقال البرفسور توبي دودج، من مدرسة لندن للاقتصاد:
"لدينا أمران منفصلان ولكنهما متداخلان"، "أولا، تعمل المليشيات بانسجام
مع إيران لمساعدة طهران الضغط على الولايات المتحدة والحصول على صفقة نووية أفضل. ثانيا،
وهو مهم لمستقبل العراق، وهو أن المليشيات مندمجة بشكل عميق في الدولة وتنتفع منها
بشكل كبير" و"المعركة مع الكاظمي وحملة العنف ضد الناشطين الديمقراطيين هي
من أجل الدفاع عن وتوسيع دورها في مركز النظام. ويأملون بتأمين موقعهم من خلال زيادة
أعدادهم في البرلمان بعد الانتخابات المقبلة. وهي دبلوماسية الكلاشينكوف وصندوق الاقتراع
للسيطرة على الدولة والمجتمع في العراق".
وفي وقت يحاول فيه قاآني تأكيد سلطته في العراق،
برز شخص له علاقات طويلة مع إيران من الظل، وهو محمد الهاشمي، المعروف باسم أبو جهاد،
وهو شخص يعتقد المسؤولون العراقيون وفي المنطقة أنه قادر على تسيير الأمور. وهو مساعد
سابق لرئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي وبعلاقات قوية مع الجماعات المدعومة
من إيران والمعارضة السابقة لصدام حسين، ولعب دورا مهما في التفاوض مع المليشيات للتهدئة
في حزيران/ يونيو. وأدى بروزه ببعض المراقبين العراقيين والأمريكيين للاعتقاد بأنه
يتقدم على سليماني أو أي مسؤول إيراني يصدر الأوامر. ومع ذلك ظل تفكيك التأثير الإيراني
أو أية قوة أجنبية تلعب دورا في مرجل السياسة العراقية أمرا بعيد المنال، وأدى لنتائج
عكسية في بعض الأحيان.
ويقول مسؤول أمريكي قريب من إدارة بايدن:
"الحقيقة هي أن إيران لديها حضور قوي في الشأن العراقي" و"لو ظللنا
نتجنب الموضوع فلن نتقدم للأمام وسيتفكك العراق. وحان الوقت للتعايش، وحان الوقت للبحث
عن الرجل المناسب كي يساعدنا، ويجب عدم السماح للمليشيات بإدارة الأمور". وأعلن
الكاظمي في الأسبوع الماضي الذي قد لا يرشح نفسه مرة ثانية في انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر
عن اعتقال عنصر بارز في مليشيا كتائب حزب الله، وهو تحرك نادر يعد به منذ عدة أشهر.
ويتهم
المعتقل واسمه أحمد الكناني بقتل الباحث العراقي هشام الهاشمي في تموز/يوليو العام
الماضي. وجاء الاعتقال بعد التحقيق في عملية القتل التي صدمت المجتمع العراقي وبعد
أشهر من تحديد هوية القاتل. ويرى المحللون أن الامتحان الحقيقي هو في تقديمه للمحاكمة
وإدانته، مما قد يحرف ميزان القوة لصالح الحكومة. وقال راشد الساعدي المقيم في شرق
بغداد: "لو حدث هذا فسنتحرك للأمام.. في الوقت الحالي فصور سليماني وأبو مهدي
المهندس ( الذي قتل مع سليماني) في كل المنطقة الخضراء وتم إطلاق شارع المطار على اسميهما
. وتم نصب السيارة التي كانت تقلهما كنصب يرحب بالزوار حالة وصولهم إلى المطار، فمن
هو القوي؟ وكل هذه الأمور تعطيك الجواب".