يعقد مجلس حقوق الإنسان، اليوم 27/5/2021، جلسة استثنائية خاصة بالعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة الذي استمر 11 يوما.
وقد عبرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه عما جرى في قطاع غزة بالقول إن أحداث الشيخ جراح واقتحام المسجد الأقصى هي التي أججت الصراع بين حماس وجيش الاحتلال الإسرائيلي كما أنه لم يثبت لدى مجلس حقوق الإنسان أن الأبراج الإعلامية والمباني السكنية كانت تحوي على مقار للجماعات المقاتلة، مما يعني أن السلوك الإسرائيلي يرقى إلى مستوى جريمة حرب.
إزاء هذا الاجتماع والنتائج المتوقعة عنه، هل يمتلك مجلس حقوق الإنسان الآليات القهرية أو الزجرية لإلزام الدول على احترام حقوق الإنسان لا سيما دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكيف يمكن الاستفادة من مخرجات هذا الاجتماع؟
لماذا مجلس حقوق الإنسان؟
مجلس حقوق الإنسان هو جهاز يتبع الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنشأ عام 2006، يعمل على التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان في مختلف دول العالم ويرفع التوصيات حيال هذه الانتهاكات.
يحتفظ بسرية البلاغات التي يتوصل بها، ويعمل المجلس وفق شروط صارمة لجهة التوثيق والأدلة الراجحة ويتابع أمرها مع الدول والهيئات ذات الصلة. يضم المجلس 47 دولة عضوا يتم انتخابها في إطار الجمعية العامة بالأغلبية المطلقة وفق توزيع جغرافي بين القارات.
ومجلس حقوق الإنسان جاء ليخلف لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي اعتبرت أنها لم تؤد مهامها بالشكل المطلوب مع قضايا حقوق الإنسان رغم أنها ظلت على مدى ستة عقود الهيكل الرئيسي المعني بحقوق الإنسان حيث لم توجد آليات حقوقية فعالة للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان.
ويعمل مجلس الحقوق الإنسان من خلال آليات وإجراءات أهمها:
1.آلية الاستعراض الدوري الشامل التي تُستخدم لتقييم أوضاع حقوق الإنسان في جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة،
2. اللجنة الاستشارية التي تزود المجلس بالخبرات والمشورة بشأن قضايا حقوق الإنسان.
3.إجراء الشكاوى الذي يتيح للأفراد والمنظمات استرعاء انتباه المجلس إلى انتهاكات حقوق الإنسان.
4.الإجراءات الخاصة: وتتألف هذه الإجراءات الخاصة من مقررين خاصين وممثلين خاصين وخبراء مستقلين وفرق عمل؛ ويضطلع هؤلاء المقررون والممثلون والخبراء، كما تضطلع هذه الفرق، برصد أوضاع حقوق الإنسان في بلدان محددة وبحثها وتقديم المشورة بخصوصها والإبلاغ علناً عنها.
يقرر مجلس حقوق الإنسان التدابير التي يتعين اتخاذها في حالة ما إذا أصرت دولة على عدم التعاون مع الاستعراض الدوري الشامل. هذه التدابير لا تحمل الصفة الإلزامية أو الزجرية، بل هي توصيات تحمل صفة أدبية وسياسية.
يلجأ مجلس حقوق الإنسان إلى أسلوب الدبلوماسية الهادئة طريقا لحث الدول الأعضاء على النهوض بأوضاع حقوق الإنسان داخل حدودها، وهو بكل تأكيد أقل حسما بكثير من الأسلوب القضائي الذي لجأت إليه دول ومنظمات خارج الأمم المتحدة، مثل محكمة حقوق الإنسان التابعة لمجلس أوروبا فى ستراسبورج بفرنسا.
هذا الهدوء لا قد لا يتناسب مع سخونة بعض الأوضاع مثلما هو الحال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لا يمتلك مجلس حقوق الإنسان وفق التعريف أعلاه آليات تنفيذية لإجبار الدول على احترام حقوق الإنسان.
ومجلس حقوق الإنسان يتبع للجمعية العامة للأمم المتحدة، وجل ما يمكن فعله هو أن يرفع توصية عاجلة إلى الجمعية العامة أو إلى مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات زجرية بحق هذه الدولة أو تلك.
لكن وفي نفس الوقت يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن العمل الحقوقي لا يمكن قياسه بسهولة، وما قد يحصل في المعارك العسكرية من نصر واضح وحاسم في الزمان والمكان قد لا يكون بالضرورة كذلك في المعارك الحقوقية، إنه عمل تراكمي يعتمد على النفس الطويل والتركيز الشديد.
تشكل جلسات مجلس الحقوق الإنسان والقرارات والتوصيات الصادرة عنه مكسبا على المستويات التالية:
أولا: تصبح القضية المنظورة على جدول أعماله قضية ذات بعد عالمي لما يشكله المجلس من قيمة حقوقية محترمة على مستوى العالم.
ثانيا: تشكل البيانات والمداولات والتوصيات الصادرة عنه وثيقة حقوقية قيمة يمكن الاستفادة منها في ملاحقة مجرمي الحرب سواء على مستوى محكمة الجنايات الدولي أم المحاكم الوطنية ذات الولاية العالمية أم أي إطار قانوني آخر.
ثالثا: تشكل التوصيات الصادرة عنه فرصة هامة لممارسة الضغوط السياسية والأخلاقية على الدولة التي تنتهك حقوق الإنسان. الأمر الذي يشكل إحراجا شديدا سواء للدولة نفسها أم للدول التي لها علاقة علاقات وطيدة أو علاقات تطبيع مستجدة.
رابعا: إن تكاملت الجهود الدبلوماسية مع مخرجات جلسة مجلس حقوق الإنسان فإن ذلك سوف يدعو الجمعية العامة لاتخاذ إجراءات هامة لجهة معاقبة دولة الاحتلال سياسيا واقتصاديا (نشر قائمة بالشركات التي تدعم الاحتلال) أو اتخاذ قرار الاتحاد من أجل السلم.
مجلس حقوق الإنسان والأراضي الفلسطينية المحتلة:
منذ نشأته عام 2006، ناقش مجلس حقو ق الإنسان الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر من 92 مرة، وفي كل مرة كان يصدر عنه توصيات وقرارات هامة تتحدث عن سلوك سلطات الاحتلال ضد السكان المدنيين والأعيان المدنية.
وتشكل مجمل الوثائق والبيانات الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان دليلا دامغا على جرائم الحرب الإسرائيلية.
كما أرسل مجلس حقوق الإنسان أكثر من بعثة تقصي حقائق أهمها بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة ، أو لجنة غولدستون وهي لجنة تقصي حقائق شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008.
ترأس اللجنة القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون. مهمة اللجنة كانت التحقيق في دعاوى ارتكاب جرائم حرب قبل حرب غزة وخلالها وبعدها.
قاطعت إسرائيل اللجنة منذ البداية، بينما رحبت بها الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة آنذاك، وتعاونت معها حركة حماس.
أصدرت اللجنة نتائج تحقيقها في تقرير من 575 صفحة، بات هذا التقرير يعرف باسم تقرير غولدستون. ولاحقا اتهمت السلطة الفلسطينية بإجهاض مفاعيل تقرير غولدستون من خلال سحبه من جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان.
واليوم يعقد مجلس حقوق الإنسان جلسة خاصة بالعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.
وقد عبرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه عما جرى في قطاع غزة بالقول إن أحداث الشيخ جراح واقتحام المسجد الأقصى هي التي أججت الصراع بين حماس وجيش الاحتلال الإسرائيلي كما أنه لم يثبت لدى مجلس حقوق الإنسان أن الأبراج الإعلامية والمباني السكنية كانت تحوي على مقار للجماعات المقاتلة، مما يعني أن السلوك الإسرائيلي يرقى إلى مستوى جريمة حرب.
وعند إعلان عقد الاجتماع، نددت السفيرة الإسرائيلية ميراف شاحار بالدعوة إلى الجلسة معتبرة أن ذلك "يثبت أن لدى هذه الهيئة برنامجا معاديا لإسرائيل"، ودعت الدول الأعضاء إلى معارضة عقد الاجتماع.
ودولة الاحتلال الإسرائيلي هي البلد الوحيد الذي يشكل بنداً ثابتاً على جدول أعمال كل جلسة لهذا المجلس. وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد انسحب من مجلس حقوق الإنسان، معتبرا أنه مناهض لإسرائيل قبل أن يعيدها خلفه جو بايدن بصفة مراقب.
إن نجاح العمل الحقوقي خدمة لعدالة القضية الفلسطينية لا سيما ما يرتبط بمجلس حقوق الإنسان، يرتبط بجملة من العوامل المحلية والإقليمية والدولية.
على المستوى المحلي/ الوطني: لا بد من التفاعل بشكل كبير مع مجلس حقوق الإنسان ابتداء من التحضير للجلسة أو أثنائها أو الاستفادة من مخرجاتها، واعتبار ما يصدر عنه وثيقة حقوقية قيمة ومكسبا دبلوماسية كبيرا والمضي فيها حتى آخر نفس.
وأن يكون هذا التفاعل بالتعاون مع كل المكونات الفلسطينية السياسية منها والمجتمعية والحقوقية.
على المستوى الإقليمي: لا بد أن تعمل الدبلوماسية الفلسطينية جاهدة مع المنظمات الإقليمية، جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي وغيرها من أجل تشكيل لوبيات ضغط عالية التأثير.
على المستوى الدولي: ضرورة العمل على عقد جلسة طارئة واستثنائية للجمعية العامة، بعد فشل مجلس الأمن في القيام بمهامه في حفظ الأمن والسلم الدوليين، من أجل الخروج بقرار الاتحاد من أجل السلام.
كما لا بد من تزويد قلم محكمة الجنايات الدولية بكل التقارير والوثائق الصادرة عن مجلس الحقوق الإنسان بهذا الخصوص.
* أستاذ بالقانون الدولي