لم يحل تحفظ الجبهة الشعبية
على عدم تضمين البيان الختامي لحوارات الفصائل في القاهرة مؤخرا التمسك بقرارات
المجلسين الوطني والمركزي بالتحلل من اتفاقات أوسلو، من اتخاذ القرار الصائب
المنتظر بخوض الانتخابات الفلسطينية بمراحلها الثلاث المتتابعة، التشريعية
والرئاسية والمجلس الوطني الفلسطيني، كما أنها لم توافق ضمنا على أنّ هذه
الانتخابات تجري تحت سقف اتفاق أوسلو كما بررت حركة الجهاد الإسلامي رفضها لخوض
هذه الانتخابات، فالشعبية ترى أنها تجري وفقا لمرجعية وثيقة الوفاق الوطني ومخرجات
اجتماع مؤتمر الأمناء العامين.
وبينما كانت مختلف الفصائل قد حددت موقفها من
خوض الانتخابات في وقت مبكّر إما قبل اجتماعات وحوارات القاهرة أو بعدها مباشرة،
أخذت الجبهة الشعبية وقتا ضروريا لدراسة الموقف من الانتخابات بكل الجدية المطلوبة
من خلال هيئاتها القيادية، ما يوفر لهذا القرار الأرضية الصلبة للانطلاق نحو خوض
الانتخابات باعتبارها الأداة الديمقراطية الوحيدة التي تضمن تغيير وتجديد النظام
السياسي الفلسطيني وهو أحد الأهداف الأساسية للجبهة الشعبية من وراء قرار خوضها
للانتخابات بكل مراحلها.
للمعترضين على قرار الجبهة بخوض الانتخابات
أسباب وجيهة تبرر موقفهم الذي يعود إلى الخشية من توظيف الانتخابات ونتائجها
للانخراط في مفاوضات متجددة، بعد وصول إدارة بايدن إلى البيت الأبيض والمداولات
الحثيثة لدى أوساط دولية وإقليمية لإنعاش اللجنة الرباعية الدولية بهدف العودة إلى
المفاوضات على الملف الفلسطيني- الإسرائيلي، هذه المفاوضات التي ثبت عقمها وفشلها
في إمكانية تحقيق الحد الأدنى من الأهداف الوطنية الفلسطينية في ظل ميزان القوى
القائم، ما سمح للاحتلال في المضي قدما في برنامجه الاستيطاني لابتلاع كل الأرض
الفلسطينية في الضفة الغربية، بما فيها القدس، إلاّ أن هؤلاء يتجاهلون أنّ الوقوف
في وجه مثل هذا الأمر يتطلب الاشتباك مع أصحابه وعلى كافة المستويات، وهذا
الاشتباك يتطلب أولا وقبل كل شيء إعادة بناء وتعديل منظمة التحرير الفلسطينية
وتفعيلها من خلال انتخاب مجلس وطني جديد بعيدا عن التفرد والهيمنة، مثل هذا
الاشتباك لن يتحقق إلاّ من خلال مؤسسة قيادية ناتجة عن انتخابات ديمقراطية نزيهة،
كما أنّ الجبهة الشعبية ستخوض هذه الانتخابات وفقا لبرنامجها السياسي وموقفها
الثابت الذي بات معروفا للجميع، فليس هناك من خوف أو خشية يدفعان إلى التردد في
خوض هذا الاشتباك من خلال أداته الرئيسية الديمقراطية الوحيدة وهي الانتخابات.
إلاّ أنّ مثل هذا الاشتباك لكي يكون محققا
لأهدافه يتطلب سعيا حثيثا نحو بناء أوسع اصطفاف للقوى الوطنية الديمقراطية في
الساحة الفلسطينية حول القواسم المشتركة التي تجمع بينها، وتشكيل تيار ثالث من كل
الرافضين للسياسات التي أدّت إلى الانقسام، من مستقلين وطنيين ومكونات العمل
الشعبي والأهلي، وفقا لبرنامج سياسي - اجتماعي يلامس القضايا السياسية الوطنية
بالتوازي مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وهذا يتطلب مراجعة التجارب الفاشلة
السابقة التي حالت دون تشكيل مثل هذه القوة اليسارية الديمقراطية، وذلك من خلال
إبداء المرونة من كافة أطراف هذه القوى والتأكيد على التوافقات خلافا عن التعارضات
والتناقضات هو الطريق الذي يمكّن من تشكيل قائمة وطنية ديمقراطية موحدة تكسر
الاستقطاب الثنائي القائم الآن، وبحكم ثقلها ومسؤوليتها فإن الجبهة الشعبية مدعوة
إلى المبادرة الفورية لأن تخطو وبسرعة للتوجه إلى القيام بهذا الدور دون تأخير أو
انتظار الآخرين.