لعل بداية عام 2021، تكون فأل خير علينا وعلى الجميع: سنة قضيناها تحت طائلة الحجر الجزئي وحصيلة وفيات وإصابات متأرجحة طالت الآلاف الآن وسط مخاوف من زيادة انتشار الوباء مع دخول موسم البرد والثلوج وتأخر وصول اللقاح، غير أن ظهور أعراض وبوادر بداية الأمل في الشفاء التدريجي من الوباء عبر التطعيم، يبدو اليوم أقرب من أي وقت مضى. مادام أن الدفعة الأولى من اللقاء قد تم طلبُها وقد نشرع في التطعيم قريبا، لعل التطعيم يكون حصانة لنا ضد مزيد من التدهور الصحي والاقتصادي. تعافٍ، الجميع يريده أن يكون سريعا وبأقل تكلفة، خاصة مع عودة رئيس الجمهورية سالما معافى من ألمانيا، الذي يتوقع الجميع أن يعطي دفعة جديدة لسياسية التنمية في الداخل والتحصين الدبلوماسي الخارجي، في وقتٍ بات فيه العمل الخارجي قاطرة دفع للعمل التنموي في الداخل.
التلقيح من شأنه أن يعيد تنشيط الدورة الدموية والجهاز التنفسي في الاقتصاد والسياسة والعمل والتعليم والإنتاج بعد خراب السنوات الماضية، لهذا سيكون لزاما أن يتزامن بداية التطعيم مع حملة تحسيس وشرح وتفسير، خاصة أن طعم التطعيم هو بمذاق غير مستساغ محليا ولا دوليا، كون الإيديولوجيا والمناكفة السياسية والمنافسة الاقتصادية تؤدي دورا في عملية النشر والتثبيط لهذا العقار، هذا الترياق أو ذاك اللقاح.
اختيار اللقاح الروسي “سبوتنيك V”، له ما يبرِّره علميا محليا عندنا، فقد تُورّد مستقبلا أنواع أخرى من اللقاحات بالنظر للطلب الكبير على اللقاحات في كل دول العالم وبكميات ضخمة وبإنتاج لا يزال بطيئا، وبالنظر أيضا إلى انتظار ثلاثة أسابيع قبل إعطاء الجرعة الثانية لنفس الشخص، مما يؤخر حتما تلقيح الجميع أو على الأقل الأغلبية التي يراد لها أن تصل إلى 70% من الشعب لحصول مناعة القطيع. كل هذا قد يعيق اعتماد نوع واحد من اللقاح ويفرض أن ننوِّع مصادرنا منه، واللجنة العلمية تعرف هذا وتشتغل ضمن هذا الإطار، وما “سبوتنيك V”، إلا دفعة أولى من دفعة أولى.
ما نريد أن نراه الآن، خاصة بعد عودة الرئيس وأخذ زمام الأمور بين يديه مباشرة، أن نشرع في حملة توعية وتحسيسية وشرح وتفسير وإفهام لطبيعة هذا الاختيار: علميا، من حيث طبيعة فعاليته وضمان أمانه على المتلقي للجرعتين، ومن حيث الفاعلية الزمنية. المواطن بحاجة إلى التوضيح قبل التلقيح، خاصة ونحن نعلم أن الأواخر من الشباب سينتظرون نتائج اللقاح في الأوائل، والأوائل سيكونون بطبيعة الحال السلك الطبي وشبه الطبي وأعوان الأمن الذي هم على خط التماس مع الوباء، ثم المسنين والمرضى المهددين بالمرض المصابين بأمراض مزمنة صعبة، وهكذا دواليك؛ نزولا إلى المستويات العمرية الأدنى. هذا سيستغرق وقتا قد يكون عاما كاملا، لكن بتقديم المعرَّضين لخطر الوباء أولا، نكون قد حصَّنَّا الفئة الأكثر عرضة للمرض، ومنعنا من انتقال العدوى للعاملين عليه وللمتعاملين معه وللفئة الأكثر عملا فيها. مهمة ملقاة على عاتق الأطبَّاء والعلماء في شرح وتوضيح طبيعة اللقاح، الذي نحن مقبلون على تلقيه، في ظلِّ التشكيك والشيطنة لهذا اللقاح أو ذاك أو التقليل من فاعليته أو حتى التخويف من أعراضه الجانبية، التي تدخل ضمن المنافسة التثبيطية لهذا المنتج أو ذاك. هذا فيما يبقى كثيرٌ من سكان العالم متردِّدين من تلقي اللقاح إيمانا منه بنظرية المؤامرة المُرّة بالمَرّة.
(عن صحيفة الشروق الجزائرية)