على مدى خمسة أشهر تقريبا، دأب الرئيس دونالد ترامب على أن يقول للشعب الأمريكي إن أزمة كورونا مجرد أزمة صحية ثانوية سرعان ما سترحل وتتلاشى، إما بسبب جهود التخفيف الفعّالة، أو لأن ارتفاع حرارة الجو في فصل الصيف سيوقف انتشار الفيروس. وخلال هذه الفترة، كان يختلف مع مستشاريه الصحيين باستمرار، وأحيانا كان يقترح علاجات غير قابلة للتصديق، بما في ذلك تناول منتجات مطهّرة مثل «ليسول». وفي أواخر مارس (آذار)، تكهن ترامب بأنه بحلول عطلة نهاية الأسبوع، التي كانت تصادف عيد الفصح في منتصف أبريل (نيسان)، سيصبح المجتمع قادرا من جديد على الالتئام من أجل إقامة الطقوس الدينية، وستعيد الشركات والمحلات التجارية فتح أبوابها. كما أثنى على حكام الولايات «الجمهوريين» الذين دعوا إلى إنهاء الإغلاق، ووجّه سهام انتقاداته إلى الحكام «الديمقراطيين» الذين ألحّوا على الاستمرار في سياسات الإغلاق.
لكن بحلول نهاية مايو (أيار)، أصبح واضحا أن سياسات ترامب خاطئة. فقد انتشر الفيروس من شمال شرق البلاد، إلى جنوبها وجنوبها الغربي، وازداد عدد الأشخاص المصابين بشكل متسارع. غير أنه حتى في هذا التاريخ المتأخر، ظل ترامب مصرا على أن كل شيء على ما يرام، وأعلن أنه سيمضي قدماً في تنفيذ مخططاته بشأن تنظيم تجمع كبير لأنصاره في مدينة تولسا، بولاية أوكلاهوما، في أواخر يونيو، وذلك على الرغم من تحذيرات الكثيرين من أن ذلك سيكون عملا متهورا وغير مسؤول. وعُقد التجمع في العشرين من يونيو (حزيران) بالفعل، غير أن بضعة آلاف فقط من أنصاره الأوفياء حضروا الفعالية، بدلا من مئات الآلاف الذين كان ترامب يتوقع حضورهم. وكانت تلك لحظة محرجة للرئيس، وبداية نهاية موقفه المتفائل بشأن المدة التي ستحتاجها الولايات المتحدة من أجل التعافي من الوباء وإعادة فتح الاقتصاد.
وبحلول أواخر شهر يوليو (تموز)، وفي ظل تزايد الأدلة على أن الوباء آخذ في الانتشار في الولايات المتحدة، أُقنع ترامب من قبل فريقه بأنه ينبغي له أن يقر بأن الأزمة تزداد سوءا. ومن بين الحجج القوية التي يبدو أنها أقنعته، واحدة تقول إن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الجمهور يحمّله مسؤولية سوء إدارة الأزمة، وإنه سيكون من الكارثي لآماله في إعادة الانتخاب، ألا يعيد النظر في سياسته الحالية ويغيّرها. وهكذا، شرع ترامب مرة أخرى في عقد مؤتمرات صحفية، وتقديم إحاطات إعلامية يومية في البيت الأبيض، ولكنه كان يقرأ من ورقة هذه المرة. ولأول مرة، حثّ الجميع على ارتداء الكمامات وممارسة التباعد الاجتماعي، وذلك في تباين قوي مع نفوره السابق من الكمامات، وتأييده للتجمعات البشرية الكبيرة في الكنائس والمسابح والشواطئ والحانات. بيد أنه ما زال من المبكر جدا الجزم بشأن ما إن كانت رسالته الجديدة ستؤوّل على أنها جهدٌ صادقٌ لتغيير سياسته، أم مجرد محاولة متأخرة للحد من الخسائر الناجمة عن سلوكه السابق.
وكان التحول الأهم بالنسبة للبيت الأبيض، هو قرار عدم عقد المؤتمر «الجمهوري» لإعادة ترشيح الرئيس في قاعة عمومية كبيرة في مدينة جاكسونفيل، بولاية فلوريدا، في أواخر أغسطس (آب). وبالنسبة لترامب، يُعد هذا خيبة أمل كبيرة، نظرا لأنه يحبّ تلقي ردود الفعل من أعداد كبيرة من المعجبين والأنصار ويتقوّى بها. والجدير بالذكر هنا، أن الديمقراطيين والجمهوريين لم يحسموا أمرهم بعد بشأن شكل مؤتمريهم. ومن المقرر أن يعقد الديمقراطيون مؤتمرهم أولا في مدينة ميلوكي، بولاية ويسكونسن، من 17 إلى 20 أغسطس (آب).
وعلى بعد ثلاثة أشهر ونيف على موعد الانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني)، يأمل ترامب أن تكون مقاربته الجديدة للوباء، إلى جانب بعض التحسّن في الاقتصاد، والدعوة إلى «القانون والنظام» في المدن، والأهم من ذلك كله، إمكانية الإعلان عن لقاح مثبت ضد الفيروس في بحر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.. عوامل كافية لوقف التقدم الكبير الذي يحرزه المرشح الديمقراطي جو بايدن في استطلاعات الرأي حاليا. بعض الديمقراطيين القلقين يخشون هذا السيناريو. ولكن من جهة أخرى، قد لا يتسنى إثبات فعالية اللقاح وسلامته قبل أكتوبر (تشرين الأول)، والمناطق التعليمية الرئيسية لن تفتح من أجل أقسام دراسية عادية، والاقتصاد الأمريكي، وبدلا من أن يتعافى، قد يزداد انكماشا مع استمرار ارتفاع أرقام البطالة، وفشل أو إفلاس عدد متزايد من الشركات.
(الاتحاد الإماراتية)