كل مرة يشعر فيها إعلامي، خاصة من الإعلاميين السعوديين، الذين ينتمون إلى فئة المتأسرلين، الذين توكل إليهم مهمة تمهيد الطريق لتطبيع سعودي مع دولة الاحتلال، وتمرير صفقة القرن الأمريكية التصفوية، في حاجة ملحة إلى بعض من الشهرة المؤقتة، يلجأ إلى أقصر الطرق، وأقصرها هذه الأيام كيل الشتائم للفلسطينيين شعبا وأحزابا وفصائل وقيادة لا فرق.
ويرافق الشتائم، كما في كل مرة، إشهار الرغبة الجامحة في زيارة إسرائيل، الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، كي يعرب عن أسفه وندمه وهو هناك، للمفاهيم الخاطئة التي حملها عن إسرائيل، الدولة المحبة للسلام، طيلة سنين عمره. ويؤكد على أنه سيقوم بالزيارة في ما لو وجهت له الدعوة، وكأنه يتسول ثمن التذكرة والإقامة والاهتمام.
ويبرر هؤلاء المارقون، انحرافهم، بتهجم بعض الفلسطينيين أو حتى فصائل بعينها على القيادات السعودية، متمثلة بولي العهد محمد بن سلمان، الذي لو ترك له الأمر لباع فلسطين بثمن بخس، وفق صفقة القرن، وكان من أوائل الذين أطلعهم عليها، وهي في نسختها الأولى، جارد كوشينر أحد المندوبين الصهاينة في إدارة ترامب وصهره، بعد الاستيلاء على ولاية العهد من ابن عمه وحملته «التطهيرية ضد أولاد عمومته» في أكتوبر 2017. وقصة المليارات العشرة التي عرضها على الرئيس أبو مازن معروفة، ولاحقا كان على استعداد، بالاشتراك مع زعيم المطبعين محمد بن زايد نائب رئيس دولة الإمارات، لأن يشتري في سياق صفقة القرن الجزء الأكبر من الضفة الغربية من الفلسطيينيين بـ25 مليار دولار، لتقديمها هدية لنتنياهو المفضل لدى بعض الأنظمة الخليجية التي يتعامل معها بنظرة دونية.
وآخر هؤلاء المتأسرلين سعود الفوزان الكاتب في إحدى الصحف السعودية، الذي أثارت، كما يزعم، تظاهرة في قطاع غزة ضد صفقة القرن والدور السعودي فيها، «حميته الوطنية» فكتب كغيره معايرا الفلسطينيين، في تغريدة «مليارات الدولارات ذهبت لإخواننا الفلسطينيين، ماذا كسبنا منهم غير الحقد وعدم احترام إخوانهم بالمملكة / شاهدت مظاهرات في غزة تحمل صورا لقادتنا، وهذا خط أحمر لنا نحن السعوديين، ولكني لم أشاهد مظاهرات في إسرائيل مثل ذلك». واستخلص «إذن إخواني الفلسطينيين لا تلومونا إذا حبينا إسرائيل عنكم».
أولا: لا أحد يلومك ولا غيرك من المطبعين. ثانيا: مليارات الدولارات التي يتحدث عنها الفوزان وغيره من المتأسرلين، لم يدفعها القادة السعوديون من جيوبهم الخاصة، وإنما من ثروات الشعب السعودي، الذي يرفض التوجهات التطبيعية لدى هؤلاء، الذين يفرضون أنفسهم كمتحدثين باسم الشعب السعودي البريء منهم. ثالثا: الشعب الفلسطيني ليس من طبعه الحقد، ولا يكن إلا المودة والمحبة والاحترام للشعب السعودي الشقيق. وهو ليس ناكرا للجميل. رابعا: يجب أن يعرف هذا المتملق المنتفع «المثقف» أن هجوما على قائد أو زعيم أو رئيس أو ملك، لا يعني التهجم على شعوبهم، فهؤلاء ذاهبون، أما الشعوب فباقية. خامسا: ولما تخرج مظاهرة ضد النظام السعودي، إذا كان لم يشكل يوما خطرا على الإسرائيليين، كما الحال بالنسبة للفلسطينيين؟ سادسا: لن يلومك أحد إذا قررت أن تحب إسرائيل، بل نبارك لإسرائيل بك. لكن كنا نتمنى ألا يبيع هؤلاء المتأسرلون أنفسهم بأبخس الأثمان.
لقد رخصوا حتى العمالة، فبينما كانت إسرائيل تبحث وتتمنى أن تجد عربيا، خاصة إعلاميا، يقبل دعواتها، أصبح السعوديون المتأسرلون من أمثال الفوزان يستجدون الدعوات.
وفي الحال تلقف الإسرائيليون ذلك، واحتفت وزارة الخارجية الإسرائيلية ومسؤولون إسرائيليون بشكل كبير بتطبيع الكاتب السعودي، مرحبين بزيارته. ونشر حساب «إسرائيل بالعربية» التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، تغريدة قال فيها: «سنكون سعداء لاستضافتك.. سيأتي اليوم إن شاء الله عندما تنتهي أزمة كورونا، أهلا وسهلا». كما علّق أيضا على تغريدة الفوزان، متحدث وزارة الخارجية الإسرائيلية للإعلام العربي، والمتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي للإعلام العربي، وغيرهما
ونذكر ببعض التدوينات لكتاب وإعلاميين سعوديين في قائمة العار، التي لا تدعو للتطبيع مع إسرائيل فحسب، بل تنهال بالشتائم على الشعب الفلسطيني وقضيته المقدسة وحقوقه المشروعة ونضاله:
الكاتب أحمد الفراج، صحيفة «الجزيرة» «لك العتبى يا نتنياهو حتى ترضى».
الروائي تركي الحمد «قضية القدس مجرد قضية مزيفة، ولم تعد القدس هي القضية. أصبحت شرعية مزيفة لتحركات البعض». حمزة محمد السالم «إذا عقد السلام مع إسرائيل فستصبح المحطة الأولى للسياحة السعودية». الإعلامي أحمد العرفج «أنا لا أحمل لليهود أي كره، ولا أشعر بأي تعاطف مع الفلسطينيين». الكاتب محمد آل الشيخ، «قضية فلسطين ليست قضيتنا». الكاتبة سعاد الشمري، «60 عاما أشغلتنا الحكومات العربية بالقومية المزيفة وعداء إسرائيل، آن الأوان لنجرب السلام والتعايش». الكاتب أحمد بن سعيد القرني «اليهود يكنون لنا الاحترام ولم يعتدوا علينا، أو يفجروا في بلدنا، وأدعو الملك إلى فتح سفارة وتمثيل دبلوماسي عال». الكاتب محمد بن موسى الطاير، «أنا سعودي عسيري صحافي.. أدعو للتطبيع مع إسرائيل». وتطول قائمة العار السعودية.
بن سلمان يدير هؤلاء الكتاب والصحافيين، عبر توجيهات مركزية، ويكشف المدون السعودي الشهير «مجتهد» عن تعليمات مركزية تصدّر للصحافة وقنوات التلفزيون وحتى المدونين، للكتابة في قضايا يتبناها النظام، فيتولى هؤلاء التعبير عنها.
وأختتم بالتصريحات العنصرية لوزير الخارجية اللبنانية السابق رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ضد اللاجئين الفلسطينيين وأشقائهم السوريين، إذ قال بعد لقاء جمعه بالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، إن «مبدأ حياد لبنان يمكن أن ينجح إذا اعترفت الدول المجاورة به وطبقته، من خلال إخراج عناصر الخارج المتفجرة في الداخل».
وأشار إلى أن من بين عناصر الخارج المتفجرة، الوجود الفلسطيني في لبنان. وهي بالتأكيد ليست التصريحات الأولى التي تصدر عن مسؤولين لبنانيين، ولن تكون الأخيرة، فقد سبقه إلى ذلك كثيرون، ولن نغوص في التاريخ، بل سنعود في الذاكرة إلى فترة قصيرة مضت. فقبل نحو أسبوعين أطل علينا النائب نزيه نجم من تيار المستقبل (السني) بتصريح عبر قناة «العربية – الحدث» التابعة لابن سلمان جاء فيه، أن هناك مليونا ونصف المليون نازح سوري ونحو 400 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان، مطالبا المجتمع الدولي بأن يرحّلهم ويعيدهم إلى بلدانهم». وفي أوج أزمة جائحة كورونا التي عصفت ولا تزال في العالم، وأودت بحياة مئات آلاف البشر في غضون أشهر قليلة، ولأسباب عنصرية، رفضت شركة طيران الشرق الأوسط الرسمية اللبنانية، وبموجب تعميم للمديرية العامة للأمن اللبناني، نقل عالقين فلسطينيين من حملة وثائق سفر اللاجئين في الإمارات.
وقبيل ذلك كان قانون وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان بشأن تنظيم العمالة الأجنبية، خاصة الفلسطينية والسورية. وأبو سليمان ينتمي سياسيا للقوات اللبنانية، التي تتعامل بحساسية مع الوجود الفلسطيني في لبنان، وتريد الخلاص منه اليوم قبل الغد.
وهو التيار نفسه الذي ينتمي إليه رسام الكاريكاتير في صحيفة «الجمهورية» الناطقة بلسان القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع ذي التاريخ الأسود، إنطوان غانم الذي شبه في رسم كاريكاتيري الفلسطينيين بفيروس كورونا، وذلك بمناسبة ذكرى مجزرة عين الرمانة في13 إبريل1975 التي كانت الشرارة التي أشعلت فتيل الحرب الأهلية في لبنان، ولا تزال ذيولها ممتدة إلى الآن، رغم محاولات النسيان. وهذا غيض من فيض.
هذه الحملات الإعلامية المغرضة التي كما يبدو، مصدرها واحد، تفوح منها رائحة العنصرية والحقد والكراهية، وهي محاولة كما العادة لإلقاء مسؤولية المشاكل الاقتصادية والأمنية والسياسية في لبنان على الفلسطينيين، وهي في النهاية تأتي في سياق صفقة القرن.
الوجود الفلسطيني، وبناء على آراء خبراء اقتصاديين، يساهم وبشكل كبير في تحسين الوضع الاقتصادي اللبناني، ويساعد على ضبط الوضع الأمني بدون التدخل في المشاكل السياسية. ونقولها بصوت عال للجميع أيا كانت توجهاتهم السياسية، إن الفلسطينيين لن يكونوا مادة لعنصريتهم، ولا رقما في حساباتهم الانتخابية.
(القدس العربي اللندنية)