قال عباس إنه بعث برسالتين لكل من
نتنياهو وترامب بأنه يوقف العمل بالاتفاقيات، ويوقف التنسيق الأمني مع الصهاينة،
وذلك في بحر احتجاجه على صفقة ترامب. لكن يبدو أن هذا القول لم يجد ترجمة ميدانية،
أي لم يتحول إلى أمر واقع. لقد ابتهج الشعب الفلسطيني بقرار وقف التنسيق الأمني،
وعلت الوجوه ابتسامات الفرح والانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل المواجهة مع
العدو. طالما اعتبر الشعب التنسيق الأمني خيانة عظمى للقضية الفلسطينية وللشعب
الفلسطيني، والكل كانوا ينتظرون التخلص من هذا العار الشنيع الذي طغى على المقاومة
الفلسطينية ومنع أبطالها من الحركة والثأر لشعبهم.
لكن هذا الابتهاج لم يدم طويلا إذ أعلن
عباس أمام منظمة التعاون الإسلامية التي عقدت اجتماعا في مملكة آل سعود أنه سيوقف
التنسيق الأمني. والتصريح واضح في أن التنسيق الأمني لم يكن قد توقف. قال عباس في
السابق قبل الإعلان عن صفقة ترامب إنه
أوقف التنسيق الأمني بناء على قرارات صادرة عن المجلسين المركزي والوطني
الفلسطينيين، لكنه اتضح فيما بعد أنه لم يكن قولا صادقا، وأن التنسيق الأمني بقي
مستمرا. ونحمد الله أن لنا أعداء يقولون لنا الحقيقة.
تصريح عباس في مؤتمر منظمة التعاون
الإسلامي يعني أن التنسيق الأمني لم يتوقف على الرغم من الرسائل التي وصلت نتنياهو
وترامب. زارت مديرة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية رام الله على الرغم من أن هناك مقاطعة فلسطينية رسمية للإدارة الأمريكية، وتم استقبالها. واضح تماما أن
مديرة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية حملت بيدها عصا غليظة عندما أتت إلى رام الله واجتمعت مع مسؤولين أمنيين
فلسطينيين. قطعا هزت عصاها في وجوههم، وأعلموا سيدهم بالأمر فقرروا التراجع عما ظنوا أنه يرفع من أسهمهم في الشارع الفلسطيني.
قطعا، أسمعت المديرة أقطاب أمن اللاأمن الفلسطيني كلاما قاسيا وتهديدا يصيب
مصالحهم الخاصة ويصيب عباس نفسه. وبالتأكيد التوقف عن المزايدات السياسية أفضل من
تعريض المصالح الخاصة للخطر.
التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني هو
مبرر وجود السلطة الفلسطينية، وإذا كان لهذا التنسيق أن يتوقف فإن الإجراءات
الأمريكية ستطال مسؤولين عدة في السلطة الفلسطينية، وربما تطال عددا لا بأس به من
الذين سمحت لهم إسرائيل بالدخول إلى الضفة وغزة عقب اتفاق أوسلو.
وبعد هذا التراجع عن وقف التنسيق
الأمني، سيعود عباس إلى مقولة إن التنسيق الأمني مقدس، ويبقى من الضروري ظهور شيخ ينقصه توفيق الله ومنافق وفاسق ليفتي
بتطوير ركعتين كصلاة التنسيق الأمني وفاء للكيان الصهيوني وحفاظا على القدسية.
قناعتنا أن السلطة الفلسطينية لا
تستطيع وقف التنسيق الأمني إلا إذا كان شخوصها يريدون المغامرة بأوضاعهم السياسية
والمالية. أمريكا والصهاينة يمسكون بزمام ولحى المسؤولين الفلسطينيين، وهم يقررون
للشعب ماذا يجب أن يكون. وإذا شاء أحد القيادات غير الشرعية التمرد فإنه سيلاقي
غلظة وحرمانا.
هؤلاء ورطوا الشعب الفلسطيني وطوعوا
رقابنا لأحذية الأعداء. تغيير أحوالنا يتطلب جهودا جماهيرية شعبية ضخمة ومتواصلة،
وإلا فإن ما تبقى لنا من حقوق ومن وطن سيتبخر لصالح الصهاينة. كان يجب أن يكون
الشعب الحارس الدائم والأمين على القضية الفلسطينية، وكان يجب أن تبقى مصلحة الوطن
فوق كل المصالح الخاصة، لكن أهل اتفاق أوسلو نجحوا في حرف العديد من الشعب
الفلسطيني عن وفائهم للأمانة التاريخية التي هي في رقابنا جميعا، وأخذت المصالح
الخاصة تطغى على تصرفاتهم وتوجهاتهم. طغت المصالح الخاصة على المصالح الوطنية التي
من المفروض أنها هي المقدسة. وأكبر حسرة نراها هي رد الفعل الشعبي الواهي تجاه
صفقة ترامب.
سكوتنا مقامرة خاسرة وقعها على رؤوسنا
ساحق ماحق. الصهاينة والأمريكان ينفذون ما يرون مناسبا لهم ونحن نكتفي بالشعارات
الصاخبة والخطابات التافهة. علينا أن نحمل قضيتنا بأيدينا، ولا أمناء على قضية
فلسطين إلا شعب فلسطين. التقاعس خيبة وهدر للحقوق، ولا نلومن بعد ذلك كل
المتخاذلين المتآمرين من عرب وغير عرب.
هذا موسم الهجوم على برهان السودان،
وهو موسم يتصدره فلسطينيون خانوا وطنهم وشعبهم وأقاموا علاقات حميمة مع الصهاينة.
مطبعون من بين ظهرانينا ومتآمرون على أمن الفلسطينيين يهاجمون برهان. برهان بالتأكيد يستحق الهجوم واللوم والزجر،
لكن لا حق لمن سبقه من الفلسطينيين أن ينازعوه.