التكهن بنوعية «الانتقام» الذي توعدت به طهران الولايات المتحدة، ردا على اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، يبدو نوعا من «الضرب في الرمل». لست في موقع التنبؤ بكيفية الانتقام ولا بتوقيته، لكن الأمر المؤكد، أن الانتقام آت لا محالة، وقد يتخذ صورة تتخطى معادلة «رأس مقابل رأس»، وربما يأخذ شكل «بلد مقابل رأس».
المنطقة دخلت في «مزاج» حرب مفتوحة، لم تبق هيئة أركان أو «مجلس أمن وطني»، إلا وعقد اجتماعا استثنائيا طارئا. حالة الاستنفار لم تقتصر على العراق. رعايا دول كثيرة، وفي عدة دول، باتوا مطالبين بالعودة إلى بلدانهم الأصلية على عجل. لغة التهديدات المتبادلة، خرقت جميع السقوف المألوفة. الأيدي على الزناد، ولم يتبق سوى «الضغط» عليه.
لكن مع ذلك، ما زالت القواعد الأساسية الناظمة للاشتباك بين إيران والولايات المتحدة على حالها. كلا البلدين لا يريدان الحرب الشاملة، ويسعيان لتفاديها. حروب الوكالة، بما هي عمليات تعرض وتحرش واغتيال، ما زالت الوسيلة المفضلة لتسوية الحسابات، مع أن وصول التوتر والتصعيد إلى هذه الذروة، يبقي الباب مفتوحا أمام شتى السيناريوهات وأشدها خطورة.
أين ستضرب إيران، كيف ومتى؟
لا مجال هنا للتكهن، لكثرة الأهداف وليس لندرتها. القواعد الأمريكية المنتشرة في المنطقة، كما اقترح الحوثي. «اغتيال ضابط امريكي كبير»، كما تقترح أوساط «محور المقاومة». ضرب أهداف بحرية وقواعد في الخليج. توسيع دائرة الاستهداف إلى أوروبا وغيرها من الدول البعيدة. جميع هذه السيناريوهات وردت على ألسنة قادة إيران وحلفائها في المنطقة.
لكن إيران، المعروفة بسياسة «الصبر الاستراتيجي»، ستسعى في تحويل «مصابها الجلل» إلى «نصر استراتيجي». هنا، وهنا بالذات، يمكن القول بأن إخراج واشنطن عسكريا وسياسيا من العراق، سيحظى بالأولوية الأولى للسياسة الإيرانية، ومن ضمن معادلة «بلد مقابل رأس». مقتل أبو مهدي المهندس في العملية الأمريكية التي أودت بسليماني، سيحفّز مناهضي واشنطن وأعداءها في العراق، لتكثيف مطالباتهم لإنهاء الاتفاقات الناظمة للوجود الأمريكي في العراق، وسيجعل من العراق شاء العراقيون أم أبوا، ساحة رئيسية للانتقام الإيراني، ولردود الأفعال المتبادلة بين الجانبين.
الأزمات المفتوحة الأخرى في المنطقة ستشهد تصعيدا خطيرا، وتجاوزا – ربما غير مسبوق – ما لم تنتبه الأطراف لخطورة المشهد، وتسعى في تجنيب بلادها تداعيات الصراع الأمريكي وانعكاساتها. اليمن، أكثر من غيره مرشح للتصعيد، لاسيما إن استمرت حالة المراوحة السياسية والدبلوماسية. وثمة مناخات تصعيدية بين الأفرقاء المصطرعين في اليمن، جراء هذه المراوحة، تسمح بالتكهن بالتصعيد، واستنفاد جعبة «الأهداف الاستراتيجية» التي كشف عنها الحوثي مؤخرا.
سوريا، وتحديدا شرق الفرات، يمكن أن تتحول إلى ساحة من ساحات رد الفعل والانتقام . الوجود الأمريكي في هذه المنطقة، بات يشهد عمليات «تعرض خشن» في الآونة الأخيرة، ومن المرجح أن تتواصل هذه العمليات وتتصاعد، وثمة مروحة واسعة من القوى والمليشيات في تلك المنطقة، وعلى مقربة منها، تسمح بتنفيذ عمليات استهداف منهجية، منظمة ومستمرة.
من غير المرجح، أن تكون غزة أو لبنان، ميادين لتصفية الحسابات، بالنظر للظروف الخاصة التي تعيشها أطراف «محور المقاومة» في هذين البلدين، الأرجح أن خروج حزب الله وحماس عن «هدوئهما» قد يتم في إطار مواجهة استراتيجية شاملة (ونهائية)، لكن من غير المحتمل أن يبدأ الانتقام الإيراني من بيروت أو غزة.
(الدستور الأردنية)