ظاهر حوالي عشرة آلاف إنسان مساء الثلاثاء في تل أبيب تأييدا لبنيامين نتنياهو، ويعتبر هذا اشتراكا ضعيفا بعد محاولات تحشيد استمرت لأكثر من أسبوع لمناصرته، ولوحظ عدم حضور قياديين وأعضاء كنيست من حزبه، الأمر الذي يعني أن هناك تذمّرا وتململا جدّيا ضده داخل حزبه وبين أنصاره.
المتظاهرون حرّضوا على ما سموه اليسار، فهم
يعتبرون جنرالات مثل غانتس ويعلون وأشكنازي، وحتى ليبرمان يساريين، كذلك هاجموا
الصحافة والإعلام، واتهموهما بالحقد على اليمين وعلى نتنياهو، وتفصيل التهم
والشبهات للإطاحة به خدمة لليسار.
الصحافة عملت عملا أساسيا وعميقا وجدّيا جدا،
حتى تمكنت من كشف فساد نتنياهو، وصفقات تعود عليه بالملذات وبالربح على مقرّبين
منه، إضافة لاستغلال منصبه للسيطرة والتحكّم في وسائل الإعلام، وهو ما يعتبر مسّا
خطيرا بروح أي نظام يعتبر نفسه ديمقراطيا، إلا أن ما حققته الصحافة لا يمكن أن يتم
لها، لولا تعاون جهاز الأمن العام (الشاباك) مع الصحافيين ومدّهم بالمعلومات وحتى
بمكالماته الشخصية.
التهم الموجّهة إليه ستدخله السجن إذا ثبتت صحتها، وهي تقبّل الرشوة وإعطاؤها وخيانة الأمانة والفساد، حتى أن هناك من بات يعتقد بإمكانية لجوئه إلى الانتحار إذا ما دخل السجن، إلا أن نتنياهو ليس من النوع الذي ينتحر، فالانتحار يحتاج إلى شجاعة لا يملكها، وهو كثير الكذب، يعتمد الديماغوجيا أسلوبا في خطاباته، حتى لو دخل السجن، فهو لن يعترف بالتهم الموجهة إليه، وسوف يواصل الادعاء بأن خصومه فصّلوا له هذه التهم للتخلّص منه، وها هو يتهم المحققين والجهاز القضائي، بأنهم يعملون في خدمة خصومه، ويطالب بالتحقيق مع المحققين، وبهذا يطعن بمصداقية القضاء في إسرائيل.
بهذا نتفق مع نتنياهو، وأقصد الطعن في نزاهة
التحقيقات والقضاء في إسرائيل، ولكن هذا عندما يتعلق الأمر بمتهمين من فلسطينيين،
تكتظ بهم سجون الاحتلال، أما أن يكون المشبوه هو نتنياهو ملك إسرائيل ورئيس
حكومتها؟ نتنياهو الذي يصول في كل جهات الكون، وله أصدقاء مثل ترامب وبوتين،
ومودي؟ نتنياهو الذي تربطه علاقات خاصة بأنظمة مثل السعودية والإمارات وقادة
اليمين المتطرف في أوروبا، والذي ما زال يتفوق على غيره في استطلاعات الرأي كرئيس
حكومة مفضّل لإسرائيل رغم الهبوط في شعبيته!
إذن ليس منطقيا أن يحققوا معه بصورة غير نزيهة، والعكس صحيح، هناك تهاون من قبل القضاء بحقه، فقد ماطل المستشار ماندلبيت كثيرا حتى توصل إلى قراره وأعلنه، فقد منحه فرصة الفوز في الانتخابات وتركيب الحكومة، الأمر الذي من الممكن أن يؤجل محاكمته لسنوات. المستشار حاول التهرب من حتمية التوصية بمحاكمة صديقه السابق، إلا أن الوقائع والإثباتات التي كشفتها تحقيقات الشرطة، بناء على المعلومات الصحافية التي وصلتها، أثبتت تورّطه بوضوح، ولهذا لم يعد أمام المستشار، سوى توجيه لائحة اتهام، ولهذا السبب فإن الأمل ببراءة بيبي يعادل الصفر، لأن قرار محاكمته ما كان ليتّخذ أصلا لولا وجود إثباتات دامغة لا يستطيع أحدٌ التهرب منها، وإلا أدين بتشويش مجرى العدالة. سيحاول نتنياهو التملص بكل الوسائل المتوفرة، فهو يحرّض ضد القانون والقضاء وقيادة الشرطة، وقد يوعز بمزيد من الغارات في كل اتجاه حتى إيران، ولكن ملابس مصلحة السجون باتت أمام ناظريه.
إلا أن السؤال هو، كيف وصلت الصحافة إلى كل
هذه المعلومات؟ الأرجح أن هناك تعاونا قويا بين الصحافة وجهاز (الشاباك)، وقد رأى
الشاباك أنه لم يعد مفر سوى الإطاحة به، طبعا بطرق مشروعة، وليس بانقلاب كما يحاول
نتنياهو تصويره. نتنياهو أغضب جهاز الأمن العام، في قضية تتعلق ببيع غواصة ألمانية
إلى مصر، حيث غض الطرف عن الصفقة، لأن هذا يعود بفوائد وعمولات لمقرّبين منه، وهذا
يضر بأمن إسرائيل استراتيجيا، حسب رؤية الشاباك، كذلك تفاخره وإعلانه عن نشاطات
للموساد داخل إيران، الأمر الذي اعتبروه مُضرّا ومحبطا لعملهم، وقد يسبب خطرا على
حياة عملاء لهم في إيران، بل قالوا إن السلطات الإيرانية استفادت أكثر من مرة من
تفاخر نتنياهو، مثل كشفه عن موقع نووي، وبرأيهم أنه بعد إعلان نتنياهو هذا، أخفت
إيران ما كان وجرى في ذلك الموقع.
هذه القضايا وربما هناك قضايا أخرى لا نعلمها،
أدت بالشاباك لاتخاذ القرار الحاسم بإبعاده عن السلطة، وهذا يتطلب تعاونا وثيقا مع
بعض الصحافيين من خلال تسريب معلومات ودعم لهم، وذلك لأنه تجاوز حدوده في نظر
الشاباك، ولم يعد مصدر أمن لإسرائيل، بل بات مضرا له في سبيل مصالحه وأنانيته
ولهذا وجبت الإطاحة به.
(القدس العربي)