إلى أن يقوم الرئيس محمود عباس بإصدار المرسوم الرئاسي الخاص بانتخابات المجلس التشريعي الثالث، سيبقى حديث الانتخابات رغم المستوى المتقدم للتوافق الفصائلي بشأنها، مجرد حديث قابل للأخذ والرد، وسيظل أسير دائرة احتمالات التنفيذ من عدمه، ولا شك بأن المرسوم الرئاسي لن يصدر، إلا بعد أن يتم التأكد من تذليل كل العقبات التي تحول دون إجراء الانتخابات، والتي هي لشديد الأسف عديدة ومتنوعة، منها ما له علاقة بالوضع الداخلي ومنها ما له علاقة بالخارج.
ومن الواضح أن هناك إجماعا داخليا أو على أقل
تقدير هناك اتفاق على أن إجراء الانتخابات يشكل مدخلا لإنهاء الانقسام، فضلا عن
أنه استحقاق شعبي ووطني، طال انتظاره، لكن لشديد الأسف فإن حسم الأمر ليس منوطا
بالقوى السياسية الداخلية مجتمعة، حيث لابد من وجود موافقة إسرائيلية، أو على
الأقل عدم عرقلة من قبل إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بمشاركة المقدسيين، تلك المشاركة
التي شكلت عقبة تم حلها في العام 1996 بصعوبة بالغة، وواجهتها انتخابات العام 2006
أيضا، لكن تم الاستناد إلى سابقتها كعرف، جرت وفقه الانتخابات الثانية بنفس
الطريقة ووفق نفس الآليات.
مختصر القول، إنه دون ضغط دولي وإقليمي جاد
وحاسم على إسرائيل، فإن إجراء الانتخابات متضمنة القدس، سيكون أمرا غير ممكن، ذلك
أن هناك إجماعا فلسطينيا داخليا أيضا، على أنه لا يمكن أن تجرى الانتخابات دون
القدس وأهلها.
الأطراف الفلسطينية، كذلك لجنة الانتخابات
جادون في هذا الأمر، بدليل أن رئيس اللجنة الدكتور حنا ناصر، قد عاد إلى غزة مرة
ثانية خلال أسبوع، حاملا رد الرئيس على ما كان قد حمله إليه من موقف سلمته إياه
حماس وأخواتها في غزة يوم الاثنين، قبل ثمانية أيام، ليلتقي بها مجددا، ثم ليعلن
أن الاجتماع معها كان مميزا، وليؤكد «أننا سائرون جميعا نحو الانتخابات».
رغم ذلك فإن موعدا محددا لم يعلن بعد، ومن
الواضح أن الأطراف المختلفة تستثمر الوقت في بحث التفاصيل، حيث هناك أمران يفصلان
بين إصدار المرسوم الرئاسي الذي سيعني إعلان بدء التنفيذ عمليا، وهما: عقد اللقاء
الوطني، الذي سيضع بالتفصيل كافة التفاصيل الخاصة بإجراء الانتخابات، وهذا أمر يمكن
أن يكون باليد الفلسطينية، حتى لو دار جدل وحوار مطول حوله، والثاني هو ضمان
مشاركة القدس بالتحديد وهذا أمر كما أشرنا ليس باليد الفلسطينية ويحتاج كفاحا
وطنيا من أجل فرضه على إسرائيل.
أيا يكن الأمر، فإن التواصل السياسي حول بند
الانتخابات، يبقي على حبل الود الداخلي قائما وممدودا، بعد توقف الحديث الخاص
بالمصالحة، ولعل إشارة متابعي هذا الملف إلى أن هناك تدخلا أو ضغطا عربيا من أجل
إجراء الانتخابات كمدخل لإنهاء الانقسام، يشير إلى أن الجهد الذي كان يبذل على ملف
المصالحة إنما هو نفسه وربما مضافا إليه أطراف أخرى، قد تحول إلى جهد يتابع بند
إجراء الانتخابات.
ربما كان الوضع الداخلي بتلازم جهد إنهاء
الانقسام بجهد إجراء الانتخابات بأفضل حالة يظهر عليها منذ سنوات، بعد الانطلاقة
منذ أسبوع مضى، لكن بالمقابل الوضع الإسرائيلي في أسوأ حالاته من جهة تأثيره
السلبي على هذا الملف، وهذا ليس بسبب أن الانقسام كان أصلا إستراتيجية سياسية
اتبعتها حكومات اليمين الإسرائيلي منذ اثني عشر عاما مضت وحتى الآن وحسب، وهي هذه
المرة، لن تنظر إلى مشاركة المقدسيين على أنها تمس مكانة القدس عندهم وحسب، بل
ستنظر إليها على أساس أنها تضع حدا لكل ما فعلته إسرائيل من قبل من أجل إحداث ومن
ثم رعاية الانقسام الفلسطيني الداخلي، ومن جهة أخرى، هناك الوضع الداخلي حيث الفشل
في تشكيل الحكومة الإسرائيلية القائم طوال العام الحالي، سيكون مخرجا لإسرائيل
للرد على الضغوط الدولية والإقليمية.
وربما تذهب إسرائيل إلى أبعد من ذلك، إذا ما
شعرت بأن الفلسطينيين اقتربوا من التوحد ومن امتلاك زمام المبادرة، وقلب الطاولة
على رأسها، إلى حد شن حرب على غزة مثلا، وما كل ما قامت به من تسخين لجبهة غزة
خلال الأسبوع الذي رافق ذهاب د. حنا ناصر لغزة، إلا مؤشر على مثل هذا الاحتمال.
ربما يكون حديث الحرب على غزة المتصاعد في
الجانب الإسرائيلي له دوافع حزبية، لكن أيضا بالنظر إلى أن ذلك قد ترافق مع حديث
ظهر فجأة عن احتمال ظهور صفقة تبادل للأسرى، يصبح للأمر هدف أو سبب آخر، أي أن
إسرائيل تظهر لغزة في الوقت نفسه العصا والجزرة، كل ذلك كمحاولة لإحباط ما تظهره
حماس من إيجابية تجاه ملف إجراء الانتخابات.
بتقديرنا، لابد أن تظهر في الأفق قريبا جهود
وتحركات سياسية ودبلوماسية رسمية، على الصعيد الخارجي حول مشاركة القدس، وهذا يعني
أولا أن جهود الترتيبات الفنية والسياسية الداخلية قد تكللت بالنجاح، وما دام
الدكتور حنا ناصر يواصل تحركاته بين رام الله وغزة، فإن الأمر سيعني أن «الجاهزية
الداخلية» لم تكتمل بعد، وبتقديرنا أن المرسوم الرئاسي، بعد أن يضمن الجاهزية
الداخلية من كل النواحي والزوايا، لابد أن يضمن مشاركة المقدسيين، وهذا لن يكون
إلا بضمانة دولية أممية، وعلى أقل تقدير ضمانة إقليمية.
لذا فإن كل حديث
الانتخابات بكل ما يرافقه من كلام إيجابي سيظل كلاما، إلى أن يصدر المرسوم الرئاسي
محددا موعد إجرائها ومعلنا بدء تنفيذها فعلا وليس قولا، ودون ذلك هناك العقبة
الخارجية بالدرجة الأولى، لذا فإن الأمر برمته ربما كان فرصة لفتح جبهة كفاح وطني
يتوحد فيها الجميع لمقارعة إسرائيل حول هذا الملف الذي يقابل بقبول دولي وإقليمي،
وكما يقول المثل، «العيار اللي ما يصيب يدوش»، أي أن حديث الانتخابات في كل أحواله
هو إيجابي، لأنه على الأقل يذكر بأن هناك استحقاقا شعبيا واجب الاحترام والتنفيذ،
وبأن الشعب الفلسطيني يظل دائما هو سيد نفسه، حتى وهو تحت الاحتلال، بل على وجه
أخص لأنه تحت الاحتلال.
(الأيام الفلسطينية)