هي المرة الأولى التي يخوض فيها صاحب عمامة انتخابات رئاسية في العالم العربي. يحصل ذلك في تونس التي أطاح فيها بورقيبة بالملكية وأقدم على سلسة من الإصلاحات الجذرية كان من نتائجها قطع الطريق أمام الزيتونيين الذين سحب البساط من تحت أقدامهم، وأغلق مؤسستهم العريقة الزيتونة، والحق بعض رموزهم بمؤسسة الدولة من خلال المحافظة على وظيفة المفتي الذي هو منصب تشريفي بدون صلاحيات فعلية. وكل من اتخذ موقفا معارضا للدولة الجديدة تم التصدي له سواء أكان صاحب عمامة أم لا.
عندما طفت الحركة الإسلامية على السطح، وبلغ أمرها للرئيس بورقيبة عادت به الذاكرة الى صراعه السابق وقرر مواجهتها، خاصة وأن هذا الظهور تزامن مع نجاح الثورة الإيرانية بقيادة شيخ معمم يحمل العقيدة الشيعية. وضع قادة حركة الاتجاه الإسلامي في السجن وفي المقدمة الشيخان راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو. مع ذلك بدا مورو أكثر مرونة من صاحبه، ولهذا تم اختياره في عهد حكومة المزالي لإدارة التفاوض من أجل إطلاق سراح المساجين، لكن سرعان ما عادت المواجهة بين الدولة والإسلاميين.
في عهد بن علي لم يطل شهر العسل بين الطرفين، حيث عادت المواجهة بينهما. رفض مورو سياسة التصعيد، واضطر إلى اتخاذ قرار لم ينساه إخوانه في التنظيم عندما أدان مظاهر العنف التي حصلت في تلك المرحلة. لم يكتف بذلك، بل شرع مع بعض كوادر الحركة في تأسيس حزب بديل عن الاتجاه الإسلامي. في البداية رحبت السلطة بهذه الخطوة، وأظهرت عزمها على دعمها مادامت تعمق الانقسام داخل الإسلاميين، لكنها سرعان ما تراجعت عن ذلك خوفا من هذا المعمم المعتدل، وعملت على التنكيل به وعزله دون سجنه.
بعد الثورة أعادت الحركة تقديم ملفها القانوني ولكن بدون ذكر اسم مورو ضمن المؤسسين. لقد قرروا إبعاده. وعندما حاول اقتحام المجلس التأسيسي كمرشح مستقل مركزا حملته ضد حركة النهضة، تمكنت من حرمانه من الوصول عبر حملة العزل السياسي. بعد ذلك الدرس القاسي عادت المياه إلى مجاريها بين الشيخين، ومنحه الغنوشي منصب النائب الشخصي له. لكن رغم هذا التقارب بقي الخلاف بينهما قائما ومعلوما.
في عهد بن علي لم يطل شهر العسل بين الطرفين، حيث عادت المواجهة بينهما. رفض مورو سياسة التصعيد، واضطر إلى اتخاذ قرار لم ينساه إخوانه في التنظيم عندما أدان مظاهر العنف التي حصلت في تلك المرحلة.
فجأة تغيرت المعطيات ولم تجد النهضة أفضل من مورو لكي يمثلها في هذه المعركة الرئاسية. وهي معركة لن تكون سهلة نظرا لكثرة الخصوم والمنافسين.
للرجل نقاط قوة ونقاط ضعف. فهو خطيب معتدل سياسيا ودينيا، ذو شخصية جذابة. يتمتع بثقافة واسعة تجعله قادرا على التواصل مع مختلف الطبقات والمستويات العلمية والاجتماعية. لا تفارقه النكتة، ولا تغيب عنه سرعة البداهة. يتقن العربية والفرنسية والألمانية. جمهوره أوسع من القاعدة الانتخابية لحركة النهضة التي تقدر حاليا بعد انحسار متواصل بحوالي نصف مليون ناخب. لكن من الصعب أن يفوز من الجولة الأولى كما يروج بعض قادة النهضة، وذلك نظرا لوجود منافسين لهم أوزان مختلفة ولكنها قد تكون مؤثرة، لكنه إن وصل إلى الجولة الثانية فستكون المنافسة حامية ومثيرة، وستشكل اختبارا للشارع التونسي الذي سينقسم بين مناصر لحامل العمامة وبين رافض له.
أما نقاط الضعف لدى مورو فهي عديدة.
لا شك في أن خوضه للانتخابات تحت راية حركة النهضة سيكسبه زخما شعبيا هاما، لكن في المقابل سيتحمل مجمل الأخطاء التي وقعت فيها خلال ممارستها للحكم والتي أفقدتها الجزء الأكبر من جمهورها خلال السنوات الثمانية الماضية. وسيواجه أوساطا هامة تعمل على تعميق الخوف بل والكراهية لهذه الحركة بالذات ولعموم الإسلاميين بالخصوص. إذ لم يعد بإمكان مورو اليوم أن ينتقد النهضة كما كان يفعل من قبل لأنه يمثل رمزها الانتخابي بامتياز، ولم يعد يتمتع بالهامش الذي كان يسمح له بأن يعارضهم دون حسابات.
كان الشيخ يتمتع في بداية الثورة بشعبية جارفة، لكنه ارتكب في الأثناء عددا من الأخطاء الاتصالية بالخصوص أثرت سلبيا على صورته، وجعلته بسبب بعض تصريحات المربكة يثير شكوك الكثيرين ويفتح الباب أمام اتهامه بازدواجية الخطاب. ويعتبر ما دار بينه وبين وجدي غنيم من أخطر المطبات التي وقع فيها الشيخ والتي تستعمل اليوم ضده بكثافة للطعن في مصداقيته. وهي بدون شك تصريحات غير قابلة للتبرير. صحيح من يعرف مورو عن قرب يدرك بكونه ليس سلفيا، لكن ما وقع فيه كان خطأ جسيما، وهو ما جعله يعترف بذلك أمام التونسيين في محاولة لكسب ثقتهم من جديد.
لا شك في أن خوضه للانتخابات تحت راية حركة النهضة سيكسبه زخما شعبيا هاما، لكن في المقابل سيتحمل مجمل الأخطاء التي وقعت فيها خلال ممارستها للحكم والتي أفقدتها الجزء الأكبر من جمهورها خلال السنوات الثمانية الماضية.
لم يعرف عن مورو كونه يملك برنامجا متميزا يؤهله لتولي منصب رئاسة الجمهورية. وتعتبر هذه مسألة هامة خاصة في ظل الأزمة الراهنة التي قد تدفع بالتونسيين إلى الوقوع في ردود فعل خاطئة ومتطرفة أحيانا. صحيح أن صلاحيات رئيس الجمهورية تعتبر محدودة مقارنة بصلاحيات رئيس الحكومة، لكن تبقى رمزيتها هامة ومؤثرة في نظام سياسي قائم على تقاسم السلطة. لهذا وجب انتظار البرنامج الانتخابي لمورو لتقييمه أولا، واتخاذ موقف منه ثانيا، وانتظار مدى التزامه بوعوده الانتخابية.
هكذا يتبين أن الشيخ مورو مدعو إلى ممارسة النقد الذاتي لتصحيح الصورة السلبية التي راجت عنه في أوساط كثيرة. إلى جانب التونسيين هناك الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بتونس، والتي سيتضح موقفها فيما بعد في حال فوز صاحب العمامة وأصبح رئسا لتونس. كيف ستتصرف هذه القوى خلال الحملة الانتخابية، وكيف سيكون سلوكها بعد إعلان النتائج. هذا معطى على غاية من الأهمية، يحتاج إلى وقفة خاصة، لكن من المؤكد أن النهضة اختارت أصعب الاختيارات، ووضعت نفسها في مسار غير مسبوق في تاريخها. قد تنقذ نفسها في هذه المجازفة الدقيقة، لكن من جهة أخرى قد تثير حولها وحول البلاد مناورات لا قبل للتونسيين بتحملها.