انتهت ورشة البحرين كما بدأت بكثير من الكلام والوعود والإغراءات المالية، دون أي مساهمة بتقريب ما يسمّى «السلام»، بقدر ما ساهمت بدفن جثته المتعفنة في قبر أميركي.
ولكن هناك إجماعاً بين من حضر الورشة ومن لم يحضر، وبين من أيّدها ومن عارضها، أن إنجازها الوحيد هو انكشافها الواضح للتطبيع علناً دون خجل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ورشة التطبيع البحرينية كشفت المستور والحمل غير الشرعي الذي ظل أصحابه يحاولون إخفاءه، أو على الأقل إبعاده عن الإعلام.. وإذا ما تم الهمس أو الجهر إعلامياً عن تطبيعهم كانوا يصرخون: إنه كذب ونفاق، وإن هناك مؤامرة ضدهم... دون أن يحددوا من هم المتآمرون، علماً أن الإعلام الإسرائيلي كان السباق دائماً في الكشف عن لقاءاتهم السرية مع قادة الاحتلال بشكل مباشر، أو مع أقطاب اللوبي الصهيوني في كثير من دول الغرب.
ولعل الهدايا التي اكتشفت عند القاتل أرئيل شارون، وأغلبها من الذهب على شكل خناجر وسيوف وقلائد، والتي تسلّمتها الخزينة الإسرائيلية، كانت من مسؤولين في دول النفط شاهدة على عمق التطبيع وطول عمره.
مؤامرة البحرين رفعت ورقة التوت عن عورة كثير من المطبعين المؤمنين بأن دولة الاحتلال هي جزء من نسيج المنطقة، وأن لها حق العيش بسلام بين الأعراب.
هؤلاء المطبعون لم يقرؤوا التاريخ جيداً، ولم يعوا خطورة ما يروجون له؛ فإسرائيل التي يتسابقون على إثبات ولائهم لها وحبهم اللامحدود لدولة آخر احتلال مباشر في العالم، كانت منذ عقود العدو الأول، وكان هناك إصرار على لفظ وجودها، وأنها كيان غير شرعي زرعه الاستعمار لإبقاء سيطرته على المنطقة. ولم يكن هناك زعيم أو قائد، أو حتى مواطن من العرب أو الأعراب، يتحدث ولو بكلمة واحدة إيجابية عن دولة الاحتلال؛ حباً، وربما البعض خوفاً، عندما كانت كلمة الثورة الفلسطينية هي العليا ويستجدون تحسين علاقاتهم معها.
ولكن منذ عقد من الزمن، وفي ظل الضعف الفلسطيني والانقسام الذي خلف عاراً لكل المتسببين به والمصرين على استمراره، بدأت التحولات في مواقف المتخاذلين والباحثين عن متعهم الشخصية في التقرب من الاحتلال وأقطابه.. حتى أن بعضهم أصبح مقتنعاً بأن علاقاته الجيدة مع إسرائيل تضمن له البقاء في الحكم وغضّ النظر عن فساده واستعباده لشعبه.
الحجج الواهية لهؤلاء الرويبضات هي ما صنعته الولايات المتحدة من عدو جديد هو إيران.. وبالتالي لا بد من التحالف مع إسرائيل كعدو لإيران من أجل تحييد هذا العدو.. علماً أن إسرائيل لا تعتبر إيران عدواً، وتاريخياً فإن حكم الشاه كان خير دليل على ذلك. مشكلة إسرائيل هي مع النظام الذي أمدته بالأسلحة خلال الحرب العراقية الإيرانية، وفي حال انفتاح النظام الإيراني على إسرائيل ستتغير المعادلة وسيجد المطبعون أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه.
ولا شك في أن «الغول الإيراني» هو الورقة التي ترعب فيها واشنطن دول الخليج؛ من أجل تحقيق مصالحها والاستيلاء على ثرواتها. ولعل الرئيس الأميركي ترامب هو الأكثر صراحة ولا يتلاعب بالكلمات عندما يقول: «نحن نحمي الخليج الذي عليه أن يدفع، فلا شيء مجاناً». تصريحات ترامب المهينة بلعها الجميع.. وما زال هو الصديق!
ضمن هذه الأجواء، رفع المطبعون رؤوسهم بفئاتهم كافة، ومنهم إعلاميون مرتزقة ورجال أعمال دينهم القرش. فلا غرابة أن نسمع أو نشاهد هؤلاء وهم يشتمون الشعب الفلسطيني أو لا يعترفون بالمقدسات ولا بالقدس. أو أن الأقصى هو «الهيكل».
سذاجة المطبعين قائمة على عدم فهمهم ووعيهم للدور المناط بإسرائيل في المنطقة، وكيف تفكر إسرائيل، وأن الاحتلال المباشر مكشوف، وطرق التعامل معه معروفة، أما الاحتلال غير المباشر فأثره سيظهر بعد جيل أو جيلين دون أن تكون هناك قدرة على التخلص منه.
إن تسابق شخصيات وقيادات رسمية على تسريع عمليات التطبيع، والكشف عن العلاقات المخفية منذ زمن مع دولة الاحتلال، دون خجل أو خوف، دليل على مدى الذل والهوان الذي وصلت إليه هذه الزمرة.
إنجاز «ورشة البحرين» الوحيد هو أنها وضعت قدم إسرائيل في المنطقة، وبشكل خاص في الخليج العربي، وأن امتداد الأخطبوط الإسرائيلي ستكتوي بنيرانه أياد أشعلت هذا الوجود للتدفئة السياسية والحماية من عدو مصطنع، دون أن تعي أنها تحرق كل مقوماتها.
عن صحيفة الأيام الفلسطينية