هناك ستة دول وقّعت على الاتفاق النووي مع إيران منتصف يوليو 2015،
لكن إحداها وهي الولايات المتحدة انسحبت قبل عام من هذا الاتفاق، فيما بقيت الدول
الخمس الأخرى (روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) متمسكة به، أولا لأن إيران
نفّذت التزاماتها بشهادة الوكالة الدولية للطاقة الذريّة، وثانيا لأن الاتفاق صار
قانونا دوليا موثّقا لدى الأمم المتحدة بالقرار الرقم 2231، وثالثا لأنه كان ثمرة
مفاوضات دامت عامين، وتعتبره الدول الموقّعة أفضل اتفاق ممكن لاحتواء الأزمة
النووية. ومعلوم أن الهدف الأساسي لدى المفاوض الأميركي كان إقناع إيران بالتخلّي
عن برنامجها النووي لتتفادى ويتفادى الآخرون حربا لا تريدها ولا يريدونها. ولولا
أميركا لما كان اتفاق، وبانسحابها وعقوباتها لم تعد له فاعلية.
يذكر
أن معظم المفاوضات جرت بين الوزيرين الأميركي جون كيري والإيراني محمد جواد ظريف
ووفديهما، وكانا يبلغان الوفود الخمسة بما يتفقان عليه في الجلسات المشتركة، واستلزم
الأمر أحيانا فتح قنوات تفاوض جانبية لتبديد بعض العقبات في التفاصيل التقنية
البحتة، إذ حاولت إيران -ونجحت إلى حد كبير- الحفاظ على برنامجها وخبراتها، كما في
تقنين عمليات التفتيش للخبراء الدوليين، لكنها شدّدت خصوصا على ضرورة رفع العقوبات
التي فرضت عليها منذ 2007، وزيدت عليها حزمات أخرى لاحقا. ورغم أن معلومات ترددت
وقتذاك عن ملفات سياسية فُتحت، وأبرزها «تطبيع» العلاقات الأميركية - الإيرانية
وبعض أنشطة إيران خارج حدودها تحديدا في العراق وسوريا واليمن، إلا أن الـ 18 شهرا
التي أعقبت توقيع الاتفاق خلال وجود باراك أوباما في البيت الأبيض أظهرت أن طهران
لا ترغب في أي تطبيع، لم تشهد العلاقات أي انفتاح، رغم أن واشنطن أوفت بمعظم
الالتزامات، ولا سيما الإفراج عن مئة وخمسين مليار دولار كانت أرصدة إيرانية
مجمّدة.
بعدئذ
تغيّرت الإدارة في واشنطن، وجاء دونالد ترامب محمّلا بأفكار مسبقة أفصح عنها خلال
حملته الانتخابية. كان حزبه الجمهوري قد عرقل المصادقة على الاتفاق في الكونجرس
متذرّعا بحجج تفصيلية فيه، وبأنه لم يبعد الخطر عن أمن إسرائيل. أما بالنسبة إلى ترامب
فقد كان الاتفاق «سيئا»، أو «كارثيا» كما أصبح يقول أخيرا، لأن إيران استخدمته
لإتاحة فرص بزنسية لجميع الأطراف باستثناء أميركا. ولكي يبني ملفا لـ «قضية» تسمح
له بنسف الاتفاق فقد عاد عمليا إلى كل المحاولات التي بذلت خلال المفاوضات لجعل
الاتفاق شاملا البرنامج الصاروخي وبعض الأسلحة التقليدية، بالإضافة إلى التدخّلات
والتهديدات الإقليمية لإيران، وأضيف أيضا دعمها مجموعات إرهابية. ومع أنه أرفق
الانسحاب من الاتفاق بسلسلة من العقوبات الجديدة المشدّدة، إلا أنه كرّر مرارا أنه
يفعل ذلك لحمل إيران على التفاوض على اتفاق آخر.
وإذ
بلغت هذه العقوبات ذروتها مع السعي إلى «تصفير» صادرات النفط الإيرانية، ولا تزال
مستمرّة في التشدّد، فقد توعّدت طهران بمواجهة تستهدف الوجود الأميركي في المنطقة،
وربما تعمد إلى إغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط الأخرى، أما الإدارة الأميركية
فلم تتردّد في تحريك حاملات طائرات إلى المنطقة متوقّعة هجمات من إيران أو من مليشياتها.
كثيرون لا يصدّقون أو يستبعدون تطوّر الأزمة الراهنة إلى حرب، رغم أن أجواء الحرب
باتت قائمة فعلا. صحيح أن الطرفين ينفيان الرغبة في حرب أو إمكان الإقدام على
الضربة الأولى، إلا أن غالبية المجتمع الدولي لا تثق بهما. وبالتالي فإن الخطر ماثلٌ.
عن صحيفة العرب القطرية