نشرت صحيفة
"
لوفيغارو" الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على الآثار النفسية للمشاكل
والضغط المترتبين عن مهنة المحاماة، خاصة في صفوف المحاميات الشابات.
وقالت الصحيفة في تقريرها
الذي ترجمته "
عربي21"، إنه في سنة 2018، ووفقا لأرقام نقابة المحامين في
باريس، تركت 1.181 امرأة سلك المحاماة، مقابل 629 رجلاً. وتعاني المحاميات الشابات
من ليال بيضاء متكررة، وتمييز جنسي، ووضع غير مستقر. وقد تؤدي بهم ظروف العمل هذه
في بعض الأحيان إلى الإرهاق.
ففي أحد الأيام، بدأت آن
صوفي، البالغة من العمر 30 سنة، يومها على الساعة التاسعة صباحًا، وكانت تصب كل اهتمامها على
دراسة قضية استلمتها في اللحظة الأخيرة. من جهتها، قالت ألكسندرا، البالغة من
العمر 34 سنة، إنه "في القانون الجنائي، غالبًا ما ينتهي عملنا عند منتصف
الليل". وعلى الرغم من أن هاتين الصديقتين تتحدثان عن مشاكل الوظيفة
"والابتسامة تعلو محياهما"، إلا أنهما تتفهمان بسهولة الشعور بالضيق
الذي يصيب بعض زميلاتهن. وتضيف آن صوفي قائلة: "نحن دائمًا في صراع، إذ يجب
علينا التعامل مع مزاج مسجل المحكمة المتقلب، والخلافات مع الشرطة أو
الزملاء".
وبينت الصحيفة أن هذا
الصراع الدائم هو الذي ولد متلازمة الاحتراق النفسي لمحامية تدعى سين. فبعد أسبوع
من مشادة كلامية عنيفة مع أحد زملائها، لاحظت المحامية، التي كانت حاملاً آنذاك،
نزيفًا غير طبيعي. وفسرت هذه المرأة التي تبلغ من العمر 36 سنة حين عاشت هذه
الواقعة، قائلة: "لقد فقدت الطفل الذي كنت أحمله في أحشائي". وما زالت
هذه الحادثة تسبب آلاما نفسية لهذه السيدة، التي قالت وهي تتذكر: "كنت أنزف
دمًا بسبب الإجهاض، وعلى الهاتف، رفض زميلي جلسة استماع. وقد أخبرني عضو في نقابة
المحامين أنه لا يستطيع إجباره على القيام بذلك. وكان طبيب التخدير هو من اضطر
لسحب هاتفي الخلوي من يدي قبل دخول مصعد المستشفى".
وقد جعل التعب المتراكم
وقوة الصدمة حالة هذه المحامية تتردى أكثر، التي أوضحت قائلة: "لقد تقدمت
بشكوى لدى نقابة المحامين. وقيل لي إن الأمر ليس خطيرا، وأنني سوف أنجب طفلاً في
المرة القادمة. ولكن لم أرزق بطفل آخر". واستمرت معاناتها من متلازمة
الاحتراق النفسي لخمس سنوات. وبعد إجهاضها، تزور المحامية طبيبا نفسيا، وهو خبير
في المعاناة في العمل. وقد ساعدت نقاشاتها معه على تحسن وضعيتها.
وذكرت الصحيفة أن محاميات
أخريات يعانين من الإرهاق فضّلن اتباع خيار آخر. فقد قرر البعض منهن اللجوء
إلى مارينا بورجوا، المرأة التي أسست شركة "تجرأ على الحلم بمهنتك"
والتي عملت على مدار 15 سنة في مهنة المحاماة. وتختص بورجوا في الوقت الحالي في
إعادة التحول المهني، خاصة بالنسبة للمختصين في القانون.
ومنذ سنتين، لاحظت هذه
المستشارة ارتفاع عدد المحاميات الشابات بين صفوف زوارها. وتمثل الإناث حوالي 80
بالمئة من زوارها، اللاتي يقصدنها للتشاور بعد الإصابة بمتلازمة الاحتراق النفسي.
ويختار أغلبهن ممارسة مهنة جديدة في مجال الأعمال، لكن تقوم معظمهن بتحويل مهني
كلي، حيث تخصصت إحداهن في زراعة الكروم على سبيل المثال. وفي هذا الصدد، أوردت
بورجوا "أنهن يدركن أن مهنة المحاماة يمكن أن تكون أحيانًا مهنة تضحية".
وأضافت الصحيفة أن أسباب
هذا الإرهاق المهني تتمثل في ضغوط الموكلين، والتسلسل الهرمي، والأداء، ناهيك عن
خطورة وضع المتعاون، وهو عضو غير موظف في مهنة حرة، الذي من المرجح أن يتخلى مكتب
المحاماة الذي يعمل معه عن خدماته بين عشية وضحاها. في العديد من الحالات، تتحدث
زائرات مارينا بورجوا أيضًا عن صعوباتهن في التوفيق بين الحياة الخاصة والمهنية.
ويحمل عدد هائل منهن
الملفات إلى منازلهن ويعملن في المساء وعطلات نهاية الأسبوع، ويكافحن من أجل تجاوز
هذه الصعوبات. وفي بداياتها، كانت الأستاذة إس تعمل مدة تصل إلى "70 ساعة في
الأسبوع". وسبق وأن جربت الأستاذة أم، وهي محامية في القانون التجاري الدولي
في باريس، العمل طيلة هذا الوقت. وتأسف هذه المرأة الشابة التي قضت مؤخراً ليلتين
دون نوم قائلة: "هناك الكثير من الملفات، ولا يوجد عدد كاف من المحامين في
مكتبي، كما يرتفع سقف المتطلبات كثيرا، وتتعدد المخاطر".
وتطرقت الصحيفة إلى حديث
الأستاذة عن "أكثر من 15 ساعة من العمل في اليوم"، التي تتصور بالفعل
آثار هذه الحياة المتميزة بنسقها السريع على عملية الأيض، حيث أوردت قائلة:
"لقد لاحظت أنني أفقد شعري، وأنني كنت متعبة، كما كان لدي انطباع بأنني
مرهقة، وأنني أتقدم في السن بسرعة أكبر". ومع ذلك، تصر الأستاذة على أنها
كانت تعلم "ما الذي ستتعرض له" حين اختارت هذه المهنة. وتذكر أن
"هناك العديد من الأبواب للخروج من هذه المشاكل قبل المعاناة من متلازمة
الاحتراق النفسي".